مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
الوطن.. حين كانت الهويّة تُكتب على الجدران
لم يكن المراهق في الزمن الجميل يعرف معنى "الهوية الوطنية"؛ لكنه كان يعرفها حلماً، دمعة في النشيد، هتافاً في باحة المدرسة، قصيدة يحفظها ويرددها بعاطفة غائمة.
كان الوطن لا يُدرس كمادة، بل يُعاش كقدر.

نشيد الصباح.. وطنٌ يُنشد بعيون دامعة
في طابور الصباح، حين ترتفع الأيادي الصغيرة لتحيّي العلم، كان القلب الصغير ينبض بخليط عجيب من الفخر والخجل والحيرة.
لم يكن يدرك معنى الحدود والخرائط؛ لكنه يعرف أن "هذه البلاد بلادي"، وأن "موطني" ليست مجرد كلمة، بل صوتٌ داخلي يشبه الصلاة.
لم يكن النشيد محض غناء جماعي، بل كان طقساً وطنياً. وفي بعض المدارس، كانت المعلمات يُمسكن الدمع خفية؛ لأن النشيد يذكّرهن بأشخاص غابوا، أو أوطانٍ ثائرة، أو أحلامٍ وُئدت.

صور القادة.. وأحلام القلوب الصغيرة
في كل صف، كانت صورة الزعيم معلقة أعلى السبورة، يُحدّق في المراهقين بوقارٍ ثقيل، كأنّ عليه أن يعلمهم الانتماء بالنظرات فحسب.
كان بعضهم يحب تلك الصور، ويرسم تحتها قلوباً صغيرة، وبعضهم يهمس ضاحكاً: "بيشبه جدي!".
لكن رغم كل شيء، كانت صورة الزعيم جزءاً من ذاكرة الحصة، كما الطباشير واللوحة.

المسيرات الطلابية..
أول خطوات الانتماء
في المراهقة، كان الهتاف أول إعلانٍ للهوية. هتافات ضد "وعد بلفور"، ضد استلاب لواء اسكندرون، ضد أي شيءٍ يمنع الحلم من أن يكتمل...
كان معظمنا لا يفهم السياسة؛ لكننا نهتف لأننا نؤمن أن "الحق لا يُصرخ به من الكبار فقط".
وفي الهتاف، كانت الأرجل الصغيرة تخط أول خطواتها نحو وعيٍ غامضٍ، اسمه الوطن.

الإعلام والسينما.. الوطن على الشاشة الصغيرة
في الأفلام القديمة، كان الوطن حاضراً دوماً، في شكل جنديٍ يعود من الحرب، أو فلاحٍ يحمي أرضه، أو شاعرٍ يقول الحقيقة في وجه الاستعمار.
وكان المراهق يحفظ هذه المشاهد كما يحفظ وجوه أحبته.
حتى الأغاني الوطنية كانت تهزّه، رغم أنه لم يزُر الجبهة، ولا عرف الجوع الحقيقي؛ لكنه كان يشعر أنه جنديّ محتمل، أو مواطن يستعد للكبرياء.

في الحب.. الوطن ثالثكما
حتى في الحبّ المراهق، كان الوطن حاضراً.
كانت البنت تُعجب بزميلها لأنه "يلقي الشعر عن فلسطين"، وكان الفتى يكتب لها رسائل مطعّمة بحلم الأمة، لا بأسماء الزهور وحدها.
في زمنٍ كانت فيه القصيدة تُقرأ تحت الشجرة، وكانت "دمعة على الخد" هي عنوان النضج، لم يكن الانتماء مجرد شعار، بل جزءاً من معجم الغزل!

خاتمة:
في "الزمن الجميل"، لم يكن الوطن فرضاً مدرسياً، بل كان دفئاً يتسرّب من الحكايات، وخوفاً غامضاً على المصير، وأملاً يُكتب بالحبر الأخضر فوق دفتر التعبير.
لم يكن المراهق يعرف أنه "يصنع هويته الوطنية"؛ لكنه كان يعيشها كلما ردد النشيد، كلما سأل أباه عن بلد بعيد اسمه الجزائر أو فيتنام... كلما كتب على الجدار بخطٍّ مضطرب:
"وطني لو شُغلتُ بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي"!

أترك تعليقاً

التعليقات