مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
الأدب.. حين كان الكاتب ضميراً، والكتاب حدثاً
في الزمن الجميل، كان الناس ينتظرون صدور كتاب كما ينتظرون أغنية جديدة، أو خطاباً كبيراً، وكان الكاتب هو "العارف" الذي يضع إصبعه على الجرح، ويبني بالقلم ما يعجز عنه السياسي والخطيب.

الأدب ضمير يومي
في الستينيات والسبعينيات وحتى بعض الثمانينيات، لم يكن الأدب نشاطاً نخبوياً، بل كان متداولاً في المقاهي والمدارس، تُنقل منه الاقتباسات يدوياً، وتُقرأ القصائد في الإذاعة، ويُستشهد بالروائيين في الحوارات السياسية.
كان الأديب يُخطب ودّه، لا لأنه "تريند"، بل لأنه يحمل شرارة فكر، ويقول ما لا يُقال إلا رمزياً.

الكتاب.. حدث جماهيري
حين يصدر كتاب جديد لنجيب محفوظ، أو عبد الرحمن منيف، أو غادة السمان، كانت الصحف تتحدث، والأحاديث تدور، والمكتبات تُقصَد خصيصاً.
وكان الناس يقرؤون، ليس بدافع الدراسة، بل بدافع التكوين.
وكان الغلاف وحده يكفي ليجذبك، لأنه وُضع بذائقة، لا لتسويق ساذج.

المجلات الثقافية.. منبر الرأي والدهشة
كانت مجلات، مثل "الآداب"، "شعر"، "الهلال"، "الثقافة الجديدة"، "الأقلام"، "الفكر المعاصر"، منابرَ حقيقية للأدب والفكر، لا مجرّد ملحقات مهملة.
يُقرأ فيها مقال أدونيس كما تُقرأ رواية ماركيز، وينشر فيها الشاعر الشاب إلى جانب المخضرم.
وكانت المجلات توزع آلاف النسخ، ويُحتفظ بها كما يُحتفظ بتحفة أثرية.

الكاتب ضمير لا نجم
لم يكن الكاتب آنذاك يتنافس على عدد الإعجابات، ولا يظهر على الشاشات إلا نادراً؛ لكنه كان حاضراً في الأذهان، وفي الوعي الجماعي.
كان يُهاجَم أحياناً، يُمنَع أحياناً، يُنفى أحياناً، لكنه لا يُنسى.
وكان بعضهم يمشي في الشارع فيُسلَّم عليه كما يُسلَّم على شاعر شعبيّ أو حكيم قرية.

اليوم.. الأدب بين البقاء والضجيج
اليوم، وسط وفرة النصوص وندرة القراءة، صار الكاتب أحياناً يصرخ كي يُسمَع، ويكتب كي "ينتشر"، ويُغالب السوق بدل أن يصنعه.
صار النشر سهلاً؛ لكن الوصول إلى القلوب أصعب من أي وقت.
وبين طوفان المحتوى، والبحث المحموم عن "الإلهام السريع"، ضاعت تلك الهيبة القديمة للكتاب.. كحبة دواء، لا كقطعة حلوى.

خاتمة:
في "الزمن الجميل"، كان الأدب نافذةً للنجاة، لا وسادة للهروب.
وكان الكتاب صديقاً، والكاتب مرشداً، والقراءة طقساً يُمارَس بحبّ، لا كلفة.
ولئن تغيّر الزمن، فربما علينا أن نستعيد تلك الروح، أن نقرأ لا لننتمي، بل لنفهم، ونتغيّر، ونتذكّر من نحن وماذا نريد أن نكون.

أترك تعليقاً

التعليقات