«الزمن الجميل».. هـــل كـــان جميـــلاً حقــاً؟! الحلقة 38
- مروان ناصح الثلاثاء , 21 أكـتـوبـر , 2025 الساعة 1:05:56 AM
- 0 تعليقات
مروان ناصح / لا ميديا -
بين الحنوّ والحيرة.. علاقة الأهل مع الأبناء في سن المراهقة
في الزمن الجميل، كانت البيوت ضيقة الأثاث، واسعة القلب.
وكان الأب، رغم صمته، سندًا صلبًا.
والأم، رغم انشغالها، تملك مفاتيح الطمأنينة كلّها.
لكن حين تدخل المراهقة، يبدأ هذا العالم في التقلّب.
فالعين التي كانت ترى في الأهل ملائكة، تبدأ في التساؤل.
والصوت الذي كان يطيع دون نقاش، يصبح صوتًا يبحث عن ذاته.. ويتعثر بحنان الأهل أحيانًا، ويتمرد عليه أحيانًا أخرى.
الدفء الذي لا نراه
إلا بعد البُعد
في سنّ المراهقة، نبدأ بالابتعاد دون أن نقصد، فنرى في ملاحظات الأم حصارًا، وفي صمت الأب برودًا.
ننسى أن تحت هذا الصمت حبًا خجولًا، وأن خلف ذلك التوجيه خوفًا يشبه الحب في ثوبه القاسي.
محاولات الفهم المتبادل
لم يكن الأهل يملكون لغة نفسية متقدمة، ولا كانوا يقرؤون عن "المراهقة" في كتب علم التربية.
كانوا يعتمدون على الغريزة، على التجربة، على الحبّ الذي يُخطئ أحيانًا.
ونحن، في المقابل، كنا ننتظر أن يفهمنا أحد دون أن نشرح.
الاصطدام الأول
تبدأ مرحلة الرفض: رفض النصيحة، رفض القيود، رفض التكرار.
فنعلو بأصواتنا ونظن أننا نعرف أكثر.
لكن في أعين الأمهات، تبقى تلك النظرة: "أنت ما زلت صغيرًا".
وفي أعين الآباء، حزمٌ يخفي شفقة لا تُقال.
أسرار لا تُقال في البيت
في تلك المرحلة، نبدأ بإخفاء ما كنا نُخبر به الأم أولاً بأول.
نختار الأصدقاء بدل الآباء مستودعًا للسر، ونخاف من الأحكام. لكن في الليل، حين تهدأ الأرواح، يبقى سؤال معلق في القلب: "هل لو أخبرتهم.. كانوا سيفهمونني؟".
لحظات الصفاء النادرة
بين موجات الصدام والقلق، كانت تبرز لحظات لا تُنسى: فنجان شاي مع الأب، لمسة يد خفيفة من الأم، دعاء في المساء بصوت خافت، نظرة عابرة تحمل كل الحبّ غير المنطوق.
كانت تلك اللحظات هي الجسر الرفيع الذي يُبقي القلوب متصلة رغم المسافات.
التقدير المؤجل
نكبر.. ونلتفت. نُدرك أن قسوتهم أحيانًا كانت خوفًا، وأن تكرار نصائحهم كان محاولة استباق الأيام.
ونفهم، بعد فوات بعض الفصول، أن ما كانوا يريدونه لنا.. لم يكن إلا الخير، وإن بدا في حينه غير مفهوم.
الأهل.. البوصلة التي لا تصدأ
رغم كل شيء، يبقى وجود الأهل في حياة المراهق كالبوصلة القديمة: قد تبتعد عنها، وقد تتجاهلها، لكنها تظلّ في حقيبتك، تذكّرك بالطريق كلما تهت.
مقارنة وجيزة
مع الواقع اليوم
اليوم، يعيش كثير من المراهقين في عزلة خلف شاشاتهم، وتضيع العلاقة مع الأهل بين انشغال الكبار وتمرّد الصغار.
تضعف لغة الحوار، وتُستبدل بالإشعارات والتنبيهات. لكن الحاجة إلى صدرٍ حنون، وإلى من يقول "أنا أفهمك ولو لم تشرح"، ما تزال كما كانت.. وربما أكثر.
الخاتمة
كانت العلاقة مع الأهل -في الزمن الجميل- تمضي بين شدّ وجذب، بين حبٍ لا يُقال وتمردٍ لا يُفهم.
لكنها، في جوهرها، كانت علاقة حب صامت، يشتدّ حين نخاف، ويتوهّج حين نبتعد.
وربما كانت المراهقة هي المسافة التي نحتاج لعبورها، كي نُدرك في الكبر كم كنا محبوبين.. دون شروط.
المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح