مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
الصداقة في الشباب.. حين كانت الرفقة وطناً لا يُهددنا بالغدر
لم نكن نعرف تعريفاً فلسفياً للصداقة، ولم نقرأ أفلاطون ولا نيتشه... لكننا كنا نعرف أن الصديق هو ذاك الذي يعرف سرّك قبل أن تنطق، ويغضب لك أكثر مما تغضب لنفسك، ويجلس معك ساعات دون كلام... لأن الصمت بينكما لم يكن فراغاً، بل لغة.

حين كانت الصداقة تُصنع على مهل
في زمن الشباب، لم تكن الصداقة طلب صداقة على الشاشة، ولا "متابعة" صامتة. كانت لقاءً حقيقياً، تبدأ من مصادفة في مقعد دراسي، أو تعارف على هامش نقاش حاد، ثم تكبر شيئاً فشيئاً، كالنبتة التي لا تُروى إلا بالثقة.
كان الصديق يُختبر في السفر، في الحزن، في لحظة فشل، في أول دمعة لا نريد أن يراها أحد.

أحاديث لا تنتهي
كنا نلتقي، لا لغاية ولا لمصلحة. نلتقي لنضحك، لنحكي، لنشكو من العالم، ونرتّب أحلامنا على الطاولة كما يرتّب العاشق صور حبيبته.
نتجادل، نختلف، ثم نضحك على اختلافنا. وكنا نكتب رسائل لبعضنا كما لو كنا نكتب لأنفسنا في المرآة.
نتشارك الكتب، نتبادل الأغاني، نوصي بعضنا بمقال، بقصيدة، بموعد لمسرحية لا يجب أن تُفوت...

مرآة العمر
كان الصديق في تلك المرحلة شاهداً على كل شيء: أول حب، أول خيبة، أول قرار متهور، وأول اعتراف مؤلم.
كان يرى عيوبنا قبل أن نراها، وينبّهنا بحنان، لا بسخرية.
وكان إن غبنا، يفتقدنا؛ وإن حضرنا، يفرح دون شروط.

حين كانت الطفولة تُكمل
ما بدأه الشباب
كثير منا كان له رفيق من أيام الطفولة رافقه إلى المراهقة، ثم صار رفيق الشباب، وكان بينهما أرشيف من الذكريات لا يُكتب، ضحكات لا تُنسى، ومواقف كانت تبدو نهاية العالم يوماً، ثم صارت نكتة في دفاتر الذاكرة.

من زمن الرفاق..
إلى زمن "المتابعين"
اليوم، تغيّر شكل الصداقة، وربما تغير جوهرها أيضاً. صار كثيرون يقيسون الصداقة بعدد الرسائل، أو بسرعة الرد، أو بعدد التفاعلات على منشور.
أصبح من السهل أن "نتواصل"؛ لكن من الصعب أن نفتح أرواحنا حقاً.
نُشارك الصور لا اللحظات، وننشر الاقتباسات بدل أن نعيشها مع أحد.
صار الصديق "أيقونة" في شاشة، وقد نحذفه بلحظة غضب، كما نطفئ تطبيقاً مزعجاً.
قلّ الوفاء، وكثر الظلّ. صار الناس يبدّلون أصدقاءهم كما يبدّلون هواتفهم؛ لأن الصداقة نفسها أصبحت شيئاً "قابلاً للاستبدال".
لكنّ الذين عاشوا صداقات زمن الشباب، يعرفون الفارق: هناك كنا نُكمل بعضنا، وهنا نُجمّل أنفسنا أمام بعض.

خاتمـــة:
في الزمن الجميل، لم تكن الصداقة شعاراً، بل حضوراً. لم تكن تحسب الوقت الذي تقضيه مع صديقك، بل تندم على كل لحظة غبتم فيها عن بعض.
كان الأصدقاء هم العائلة التي اخترناها، والمرايا التي عكست لنا من نكون حين لم نكن نعرف بعد.
ولعل أجمل ما في تلك الصداقات أنها لم تكن تبحث عن فائدة، بل كانت هي الفائدة ذاتها.

أترك تعليقاً

التعليقات