الباحثون عن «بريمر» لغزة!
 

مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
مسألة معروفة قدرات «إسرائيل» بأمريكا لتدمير غزة وممارسة الإبادة الجماعية لسكان غزة، وذلك ما حدث، ولكن «إسرائيل» بأمريكا لم تستطع تحقيق الأهداف السياسية لهذه الحرب لا في اجتثاث واقتلاع حماس ولا في إطلاق الأسرى «الإسرائيليين». ولذلك تم التراجع وإن بعلنية لا تظهر حقيقة ومستوى هزيمة أو انهزام «إسرائيل» في غزة.
ولذلك فأمريكا باتت تتخبط من مسارها وفي حيرورتها في الكيفية لإخراج «إسرائيل» من مأزقها في ظل عجزها حتى عن تقديم صورة انتصار لـ«إسرائيل».
وفي هذا السياق فهي تطلب من مصر أن تحكم غزة بعد انتهاء هذه الحرب وتحت مظلة أمنية «إسرائيلية»، وهذا يعني أن تكون مصر في غزة كحاكم كما السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية «حاميا لأمن إسرائيل».
عندما تصف أمريكا و«إسرائيل» حماس بـ«الإرهاب» فذلك في إطار الاستعمال الأمريكي لصنيعتها «الإرهاب» بوجهيه «إرهاب وحروب ضد الإرهاب»، فأمريكا لاتريد مقاومة فلسطينية في غزة ولا تستطيع ذلك إلا من خلال هكذا توصيف لـ«حماس».
وزير الخارجية الأمريكي بليكين الذي ذكرنا بمكوكية «كيسنجر» بعد حرب 1973 هو «إسرائيلي» الهوى والهوية أكثر من كيسنجر، ولكنه لم يجد في غزة «سادات» كما كان في مصر في ظل حالة «مزرية» لمحمود عباس.
ولهذا فإن هذا البلينكن في آخر زيارة للمنطقة جاء ليتباحث مع أنظمة عربية وأخرى ربما حول صيغة وآلية لحكم غزة بعد الحرب وبعيداً عن  سيطرة «حماس»، وبالتالي يحاول تحقيق ما عجز عنه بالحرب من خلال بدائل أخرى والهدف منع وجود أي مقاومة في غزة وليكون الحكم في غزة هو الحامي لأمن «إسرائيل» كما هو في رام الله، وهذا لا يعني وببساطة إلا حرباً أخرى ضد المقاومة في «غزة»، ولا أعتقد أن مصر أو غيرها ستقبل به، فماذا بمقدور أمريكا عمله وهي لم تعد قادرة على فرض «بريمر» العراق ولم تعد تستطيع المجيء بـ«بريمر» بديل من العرب أو العجم.
غزة بالأثمان الكبيرة التي دفعتها دماء ودمارا بات يستحيل أن تقبل بـ«بريمر» ليحكمها حتى لو كان عربياً أو معورباً، وأمريكا بهذا الخيار الافتراضي تبحث عمن يحارب غزة كوكيل أو بديل لـ«إسرائيل» وترتكز في ذلك على معزوفة «الإرهاب»، فهل من إرهاب حقيقي وواقعي في العالم أكثر من إرهاب أمريكا وربيبتها «إسرائيل»؟
هل تعتقد أمريكا أنه عندما تأتي بـ«بريمر» عربي  افتراضاً ستقبل به «غزة» أم أن الهدف هو الحرب ضد المقاومة لتحقيق ما عجزت عنه «إسرائيل» في غزة ويصبح هذا هو الحل المبتكر أمريكياً؟
الذي يعنيني هنا ليس ما تفكر فيه أمريكا أو ما تقترحه أو تطرحه، ولكن هل مازال يوجد نظام عربي فيه من الوقاحة بما هو أكثر من العمالة والخيانة ليقبل بأن يقاتل غزة ومقاومتها كمقاومة فلسطينية وبالنيابة عن «إسرائيل» تحت أي شعارات أو تصنيفات وتوصيفات أمريكية؟!
قد لا أكون مع ما بات يعرف حل «الدولتين»، ومع ذلك دعوني أتساءل لو كانت أمريكا مع هذا الحل لفرضته من خلال الأمر الواقع لتفتيت واندثار الاتحاد السوفيتي حين استفردت بالمنطقة وهيمنت على العالم، ومادامت لم تمارس ذلك فهي ليست مع هذا الحل والحرب والبدائل كحروب في المنطقة ولا بديل لأمريكا غيرها كحلول.
أمريكا قاتلت في أفغانستان والشيشان بالإسلام والمسلمين وذلك ما ربط به تصنيف «الإرهاب» والاستعمال المضاد هو الحرب ضد الإرهاب وكل من يمارس حقه البديهي والمشروع للدفاع عن حقه ووجوده كما الحالة الفلسطينية في التصنيف والترويج الأمريكي إرهاباً خاصة عندما يكون ضد الاستعمار الغربي الأمريكي أو الاحتلال الصهيوني، ومثلما دفعت العرب والمسلمين إلى حروب أفغانستان والشيشان كإرهاب فهي تبحث ببساطة عن عرب ومسلمين ليحاربوا المقاومة الفلسطينية بالنيابة عن «إسرائيل»، ولكن تحت «الحرب على الإرهاب».
لم يعد بمقدوري تصديق مثل هذا الطرح أو أنه يطرح لأنه منفصل عن الواقع وفاقد الصلة بأي حسابات وعياً وواقعية في ظل إرهاصات تشكل نظام دولي جديد بات أكثر منه وعياً وواقعية.
يبدو أن ما يطرحه البلينكن الأمريكي هو أحد أوجه المأزق والتخبط الأمريكي ولا أستطيع القبول أو حتى أتوقع أن أمريكا ستجد نظاماً عربياً يقاتل من أجلها وبالنيابة عن «إسرائيل» المقاومة الفلسطينية، وأن يقبل عربي -حتى لو كان عميلاً- بدور بريمر في غزة بل لا أستطيع مجرد التفكير في احتمالية لمثل هذا الحدث والحديث!

أترك تعليقاً

التعليقات