مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
أمريكا وربيبتها «إسرائيل» تتحركان في خطين متوازيين ومتكاملين أو متوافقين - في تقديري، وإن احتاج التلاعب بالواقع أو معه إلى إظهار تباينات أو تقاطعات في أي تكتيك أو «تباتيك».
أمريكا تقول وستظل تقول وتؤكد أنها مع حل الدولتين، وتطرح ثلاث ركائز أو مرتكزات، الأول: أمن «إسرائيل»، والثاني: التطبيع مع «إسرائيل»، أما الثالث والأخير فهو: الدولة الفلسطينية.
وعندما تكون الدولة الفلسطينية هي المرتكز الأخير بعد التطبيع فإنه لا معنى للدولة، ولا تختلف عن القائم، وحل الدولتين -كما يُطرح- هو ذاته ما تطرحه أمريكا كلاماً منذ «اتفاق أوسلو»، وفقط الجديد هو في الألعاب والتكتيكات الأمريكية.
إذا لم يفرض المعنيون الوصول إلى دولة فلسطينية كاملة السيادة قبل التطبيع مع «إسرائيل»، فإن هذه الدولة التي تأتي وإن جاءت فمسخ يحاكي حالة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية كمسخ يجسده العجوز المتصابي محمود عباس!
«إسرائيل» بالمقابل تتحرك فيما يسمى اليوم التالي لانتهاء العدوان أو الحرب على غزة، وقدمت في هذا الشأن مقترحاً يتضمن أيضاً «ثلاث مراحل».
هذا المسمى «ثلاث مراحل» هو مجرد سيناريو لإنهاء المقاومة الفلسطينية، وهذا يعني في القراءة الواقعية لفكر وتفكير «إسرائيل» وأمريكا هو أن على «إسرائيل» أن تنهي المقاومة الفلسطينية، فيما أمريكا هي التي ستحول أو تمنع قيام دولة فلسطينية وأفضل تكتيك استعمال الإرهاب «إسرائيلياً»، وأن تكون أمريكا كلامياً وإعلامياً مع «حل الدولتين»، وهي القوة التي لا تريد دولة فلسطينية إلا كمجرد أداة لحماية أمن «إسرائيل» كما حالة سلطة عباس!
مفاوضات جرت في باريس بين طرفين وفق ما يطرح، هما «إسرائيل» كطرف والطرف الآخر هو قطر ومصر والأردن، وأمريكا هي بالتأكيد «عرابة» هذا الاتفاق في رأيي الشخصي.
«حماس» من طرفها أعلنت أن هذا الاتفاق أو «المسودة» عرض عليها وأنها بصدد دراسته لترد عليه.
البعض قد يرى في ما أطرحه أنني كثير الانفعال، ربطاً بالإجرام «الإسرائيلي»، وقد يطرح عن الأمر الواقع للمقاومة بما تعنيه وما تعانيه، وأننا نطلب منها ما هو فوق قدرتها في التعامل مع هامش مفاوضات ترك لها، تم التأسيس له في باريس... وهنا يطرح سؤال عن عرب باريس الذين فاوضوا، وإذا هم فاوضوا من مواقف دولهم وأنظمتهم (قطر، مصر، الأردن)، فإلى أين نقيم معطى المفاوضات، سلباً أو إيجاباً؟!
قد يُرد بكون مفاوضات لم تكن الحسم والأمر ترك للمقاومة الفلسطينية. ومع ذلك فإن ما جرى في باريس أقر الإطار التفاوضي وربما ما هو أكثر، وما ترك لتفاوض المقاومة والكيان الصهيوني هو التبادل للأسرى ومن... وكم... ونحو ذلك.
حماس كقائد للمقاومة وثقل أحداث 7 أكتوبر 2023، تمارس أمريكا الضغط عليها وإرهابها، وبذريعة «الإرهاب»، وكأنما أريد طرحها بين القبول بمعطى باريس أو اعتماد الخطة لتدميرها واقتلاعها... إلخ، كما يطرح نتنياهو.
يستحيل في تقديري أن تقبل «حماس» أن تكون سلطة في غزة كما حالة «عباس» في رام الله، خاصة وأنها تعي أن «إسرائيل» لو كانت قادرة على إبادتها واقتلاعها ما كانت لتجري مثل مفاوضات باريس ولا يقدم هكذا عرض.
ولهذا فكل ما يجري هو ألعاب لـ«سيناريوهات» يعنينا تفكيكها ودقة فهمها ليكون لنا خطوات ومرتكزات وألعاب وأوراق في التعامل معها.
ها هما الخارجية البريطانية والأمريكية تقولان إنهما تدرسان فكرة الاعتراف بدولة فلسطينية! والمسألة ليست في عنوان الاعتراف؛ ولكن لتصدير إيحاء للربط بمعطى «باريس» وللتهديد بالسلطة في «رام الله» ولاحتمالية إحداث شقاق بين فصائل المقاومة التي توحدت في أحداث 7 أكتوبر وربطاً به العدوان على غزة.
لعلي أشبه حالة «حماس» بين فصائل المقاومة الفلسطينية كما كان حال ياسر عرفات داخل منظمة التحرير الفلسطينية، وأمريكا أرادت من عرفات أن يصبح محمود عباس، ولما رفض تمت تصفيته والمجيء بالبديل الجاهز (عباس)، ونحن لا نريد، بل ونرفض نهاية «حماس» كما عرفات، ولا نقبل، ونثق أن «حماس» لن تقبل بحالة ولا دور عباس.
كل هذه الحسابات والاحتمالات هي ما يعني «حماس» وفصائل المقاومة المشاركة لها في الموقف في الرد على مخرجات «باريس» وفي التعامل مع تخريجات هذه المخرجات كتفعيل، وهنا نتحدث عن السياسة والتحليل السياسي والحنكة السياسية... إلخ.
الذي يعنيني التوقف أمامه هو أن أمريكا و«إسرائيل» في هذا التعامل ينطلقان من أمر واقع افتراضي وربما «وهمي» بما لديهما من قدرات مناورة وتفعيل سياسي وإعلامي، ولذلك فإن الأمر الواقع الحقيقي والقائم هو نقطة قوة وهو الورقة الأقوى للمفاوض الفلسطيني المقاوم، ولعل الفصائل المقاومة تحتاج إلى خلافات كـ«تكتيكات» ربطاً بما يمارس بين أمريكا و«إسرائيل» وحتى بريطانيا، والأسوأ هو مواجهة تكتيكات الأعداء بخلافات بين رفاق سلاح فلسطيني وطني مقاوم.
أمريكا لم تعد كما كانت في التموضع العالمي والوضع الإقليمي، و«إسرائيل» قُهرت وأُذلت وانتهت أسطوانة «الجيش الذي لا يُقهر»، وإذا المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها أثبتت شجاعة استثنائية وأكدت مقولة «شعب الجبابرة»، وذلك ما أتوقف عنده حين يطرح، فإنها كمقاومة تحتاج أكثر للعقل في العمل والتعامل السياسي لاستثمار «طوفان الأقصى» بالسقف الأقصى والأفق الأبعد.
لدينا من الخبرات والتجارب مع أمريكا و»إسرائيل» ما يجعلني أثق بما أعدته المقاومة للتعامل ليس فقط مع «اليوم التالي»، ولكن مع الأحداث التالية المتوالية!

أترك تعليقاً

التعليقات