مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
وجدت نفسي كأنما أشفق على أمريكا وعلى رئيسها «ترامب» لأنه من تلقائية المتغيرات العالمية والتموضع الأمريكي الواقعي ربطا بالمستجدات فالمطلوب من ترامب أن يوفق بين خطين أو محوريتين يصعب التوفيق أو حتى التقريب بينهما .
الأولى: أن ترامب يريد استمرار تهديد العالم بزعمه أن أمريكا ما تزال الأقوى سلاحا والأقوى جيشاً في العالم، وأنها لازالت وستظل الأعظم أو «القطب الأوحد» ، بل ويؤكد أن أمريكا تمر بفترتها الذهبية، وهو لا بد أن يقول هذا الكلام لإنكار وجود منافس أو حتى أقطاب في ظل إيقاع يتطور بوضوح إلى واقع عالم متعدد الأقطاب .
الثانية: وهي المحور الأصعب في توفيقها أو حتى تقريبها من الأولى ، فترامب يعنيه البحث عن صيغة ومصوغات تقدم كل العالم بأنه عدواني ومخادع ، بل ونصاب وبأنه لا يوجد في هذا العالم من يحب السلام والاستقرار غير أمريكا وإسرائيل» .
ولهذا فإن هجومه على العالم الهمجي والعدواني شمل الحلفاء الأوروبيين ولم يستثن حتى الأمم المتحدة التي صودرت صلاحياتها أمريكيا أصلا. ولذلك فإنه لا يستطيع تسمية الأشياء بمسمياتها أو يصيغ توصيفات واقعية يجمع عليها العالم.
لا يمكن أن يقول مثلاً إن أمريكا هي من همشت الأمم المتحدة وصادرت صلاحياتها، بل إن الأمم المتحدة عجزت عن أداء دورها، وأمريكا تطوعت لأداء هذا الدور في حلحلة
مشاكل العالم وإطفاء الحروب «حسب وصفه ، وكل الواقع والوقائع تؤكد أن أمريكا هي أم الإرهاب وأم الحروب في العالم وبشكل واضح بعد اندثار الاتحاد السوفيتي وانفراد أمريكا بالهيمنة على العالم.
على سبيل المثال فكل العالم يجمع على أن جريمة العصر غير المسبوقة تاريخيا هي الإبادة الجماعية في غزة، ولكنه لدى أمريكا وترامب فهذه ليست مشكلة وكل ما يعنيه هو إطلاق عشرة أو عشرين أسيراً «إسرائيليا» ، وبالتالي فإبادة مليون أو اثنين وحتى كل الشعب الفلسطيني لا تعني ترامب وأمريكا، والمشكلة هي فقط «أمن إسرائيل» الذي لم يهدده أي أحد ، وإذا احتيج لاحتلال كل بلدان ما يسمى «الشرق الأوسط» ربطا بـ » أمن إسرائيل» فذلك هو الحل وليس المشكلة كما يقدر أو يقر العالم .
أمريكا لم تكتف بتفتيت الاتحاد السوفيتي وظلت تعمل على تفعيل مشروع لتفتيت روسيا ، وأمريكا هي من أشعلت حرب أوكرانيا ربطا بذلك . إذا كان هذا مشروع أمريكا تجاه روسيا فمشروع أمريكا هو تحويل ما يسمى «الشرق الأوسط الجديد» إلى مجرد مستعمرة أمريكية - إسرائيلية»، وأي معارض أو معترض على مشاريع أمريكية صهيونية كهذه هو إرهاب، وحين يسلم ويستسلم يعفى من التوصيف كما الحالة الجولانية والتموضع الفريد لجولاني «سوريا».
ولذلك فإن من يريد معرفة مشهد «الشرق الأوسط» كمشروع أمريكي صهيوني عليه فقط متابعة المشهد السوري وحالة الجولاني حين توصيفه بالإرهاب وحين يدفع به إلى رئاسة النظام.
الزعيم عرفات حين يقبل بـ » اتفاق أوسلو » يمنح جائزة نوبل، وحين يرفض شروط أمريكا والكيان اللقيط يعاد توصيفه بالإرهاب ويصفى، ولم يعد عباس سلطة رام الله ولا جولاني سوريا أهلاً لمواقف الزعيم عرفات حتى بعد «اتفاق أوسلو » .
الحراك الشعبي في العالم الرافض للإبادة الجماعية فيه مصداقية ويراد احتواء ذلك من قبل الأنظمة، وفي الأخير فالاعتراف بالدولة الفلسطينية سينتهي بذات نهاية «اتفاق أوسلو »، وبالتالي فالشعوب لا تحركها المؤامرات ، بل تمارس الأنظمة التآمر لاحتواء الحركة التلقائية النقية للشعوب كما في حالة غزة، وكل هذا هو ما اختزله وقدمه الخطاب الترامبي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة .
الشعوب حين تتحرك ضد مشاريع الاستعمار القديم والجديد حتى لو كان الشعب الأمريكي أو الشعوب الأوروبية فهي في نظر حكامها وأنظمتها مارقة وخائنة، ويكتف على فاعليتها وحركتها لاحتوائها بالخداع وهذا هو «اتفاق أوسلو » وهو المبادرة العربية وهو أخيرا الاعتراف بدولة فلسطينية .
المنطق يقول إن أي نظام في العالم عليه وقف الإبادة وإيقاف الحرب ورفع الحصار ومنع الحرب بالتجويع ، وبعد ذلك يكون التفاوض لتدار غزة فلسطينيا أو عربيا - كما يُطرح - لكن أمريكا والكيان المدلل لديهم أحكام مسبقة على نتائج التفاوض سواء في غزة أو مع إيران أو غيرهما، وبالتالي لماذا التفاوض؟
إذا كان المراد هو الاستسلام فذلك لا يحتاج لتفاوض؟
هذا هو متراكم الاستعمار الثقافي والسلوكي حين يعجز فهو يقترحالتفاوض ليقول إن الحل تم تفاوضيا .
ومثلما هذا الاستعمار هو من يصنع الإرهاب ثم يدين من يريد بتوصيفه فهو يقدم لك أفضلية أن الحل جار من التفاوض وليس بفرض الاستسلام وهنا يحل مشكلة عجزه عن فرض الاستسلام بفرضية أن الحل التفاوضي ليس استسلاما ، فهل من فرق في صفتين أو توصيفين والمعطى والنتائج تؤكد أن التفاوض هو استسلام!!

أترك تعليقاً

التعليقات