طبل أوكرانيا وعرس فيينا!!
 

هيثم خزعل

هيثم خزعل / لا ميديا -
يبدو اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، الاتفاق النووي المزمع إعادة تفعيله بين القوى الغربية والولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى، حاجة حيوية جدا للطرف الأول لأسباب كثيرة، أهمها:
أولاً: تحرير الغاز الإيراني من العقوبات الأمريكية. حتى اليوم تحرم السوق العالمية من الغاز الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية. إيران فعلياً غير موجودة على خرائط تصدير الغاز في العالم، علماً بأنها تملك ثاني أكبر احتياطي للغاز بعد روسيا. إذا كان الغاز حاجة ضرورية للتصنيع، فهو بالنسبة للدول الأوروبية الباردة مسألة حياة أو موت. في ظل عجز واشنطن ومن يدور في فلكها من الدول المصدرة للغاز عن تخفيف اعتماد أوروبا على الغاز الروسي وعجز قطر عن تعويض السوق الأوروبية بغازها المسال، واتضاح أن مشروع غاز شرق المتوسط هو كناية عن "طبخة بحص" بسبب التباينات العنيفة بين الدول المتوسطية، يبدو الغاز الإيراني هو الحل الأمثل. بمجرد رفع العقوبات عن طهران، تستطيع الأخيرة تصدير غازها، بالتالي حجز حصة سوقية لها كما هو الأمر بالنسبة للنفط. هذا سيسهم أولاً في تخفيض ثمن هذه السلع الاستراتيجية بما يريح المستوردين، أي الاقتصادات الصناعية الكبرى، بسبب الوفرة التي سوف يخلقها في السوق.
ثانياً: بسبب الاستقرار الذي سوف تنعم به منطقة الخليج وبلاد فارس، المصدر الرئيس لإنتاج مصادر الطاقة في العالم، حيث ستتحول من بؤرة جيوسياسية خطرة إلى منطقة مستقرة.
الشراكة الروسية- الإيرانية، والصينية- الإيرانية قبلها، تجعلنا نعتقد أن إيران لن تتصادم مع روسيا في سعيها لتصدير غازها، والدولتان شريكتان في غير ساحة في المنطقة، تحديداً في سورية، كما تجمعهما شراكة بحكم الجغرافيا في بحر قزوين ووسط آسيا والمنطقة الممتدة من الهضبة الإيرانية إلى جورجيا، حيث يتداخل تاريخيا المدى الحيوي للدولتين. كما أن روسيا تعد أحد عرابي الاتفاق في حال حدوثه وإليها سوف تنتقل أجهزة الطرد المركزي المتطورة وكميات اليورانيوم المخصب بنسبة نقاوة كبيرة.
إضافة إلى الحاجة الحيوية للغرب بالنسبة لإيران كمصدر للغاز، تبرز حاجة حيوية أخرى للرأسمال الغربي المأزوم، وهي السوق الإيرانية البكر، المعزولة عن النظام المالي العالمي منذ ما يقارب الـ40 عاماً، وهي سوق استثمارية واعدة جدا ومربحة. هذه الحسابات تصبح اليوم مع التوتر المتزايد في أوروبا أهم بكثير من حسابات الولايات المتحدة والغرب التقليدية التي سعت طيلة عقود أربعة إلى تطويع إيران ودفعها للاستسلام. لم يعد بمقدور الغرب أن يربح بطريقة "الاحتكار"، بل بات لزاماً عليه اقتسام أرباحه مع أطراف آخرين، وهذا مدخل لفهم الخلل والاضطراب الذي يعانيه العالم اليوم في ظل بروز لاعبين دوليين بارزين غير قابلين للتطويع.
في حال حدث الاتفاق، فهذا يعني صراحة أن قيمة إيران كدولة سوف ترتفع في الإقليم والعالم، وهذا ينعكس بشكل سلبي على قيمة "إسرائيل" كاستثمار غربي صافٍ في منطقتنا منذ عقود.
إذن، الطبل اليوم في أوكرانيا، لكن العرس الفعلي هو في فيينا.

أترك تعليقاً

التعليقات