بين نموذجين متعاكسين: تراوري والزبيدي
 

سامي عطا

د. سامي عطا / لا ميديا -
تستند المقارنة بين مسارَيْ بوركينا فاسو وجنوب اليمن إلى ثنائية مُتباينة تماماً: التَّمَاسُك مع جوهر النضال التحرري من جهة، والانحراف عنه وتفكيكه من جهة أخرى.
ففي بوركينا فاسو، يستلهم الرئيس إبراهيم تراوري إرث المناضل الثوري توماس سانكارا، الذي حكم البلاد في ثمانينيات القرن الماضي. لقد أطلق سانكارا دعوةً جريئة لشعبه كي يعتز بهويته الثقافية الأصيلة، ويرفض التبعية الثقافية والسياسية، ويواجه الهيمنة الغربية على مقدرات بلاده. كان مشروعه تحرُّرياً شاملاً، يسعى إلى استقلال القرار الوطني سياسياً واقتصادياً وثقافياً. اليوم، يسير تراوري على الدرب نفسه، متمسكاً بهذا الخط السياسي المُحافِظ على السيادة، بل ويتجاوزه نحو حلم أكبر يتمثل في توحيد القارة الأفريقية، إذ بدأ بتشكيل تحالف استراتيجي مع دول الجوار: مالي والنيجر.
في المقابل، يقف نموذج جنوب اليمن. فبينما يُجسِّد الشهيد علي عنتر رمزاً للنضال الوطني ضد الاستعمار، ومدافعاً صلداً عن الهوية اليمنية حتى الاستشهاد في سبيلها، نجد أن عيدروس الزبيدي يسير في الاتجاه المعاكس تماماً لتلك التضحيات الجسام. فهو لا يُوظِّف هذا الإرث النضالي، بل يعمل على تجريده من مضمونه. إنه يسعى جاهداً إلى سلخ الجنوب عن هويته اليمنية الجامعة، منتمياً إلى مشروع استعماري بالٍ يُعرف بـ»الجنوب العربي»، والذي تجاوزه الزمن وأصبح أثراً بعد عين.
بل إن الأمر يتعدى مسألة الهوية ليشمل الانتماء التاريخي والجغرافي؛ فالقبول بترؤس «كيان وظيفي» تابع، هو بمثابة تبنٍّ صريح لوضعية التبعية المذلّة. وهنا تكمن المفارقة المأساوية؛ فبدلاً من أن يكون قائداً لشعب طالب بالتحرر، أصبح الزبيدي رئيساً لكيان يخدم مشاريع الهيمنة الإقليمية، ليصبح بذلك «تابعاً للتابع»، في انهيار كامل لشرعية النضال الأصلي الذي ضحى من أجله أمثال الشهيد علي عنتر.

أترك تعليقاً

التعليقات