مرتضى الحسني

مرتضى الحسني / لا ميديا -
اللهجةُ الشديدة بالإدانة والبيان ليست حلاً، والإقالة الجماعية لحزمةٍ من الضباط غير ذات محلٍّ الآن، والوعد بجبر الضرر بالتعويض لا يُبرّدُ فوران الدام الآن، فحين فرض الله الديات بل وغلّظها لم يكن إلا بعد فرضه القصاص عيناً بعينٍ ونفساً بنفس، ومن سالت دماؤهم هدراً وقُطّعت لحومهم حيّة، سواءً بالديناميت أو بالركامِ المُنهال فوقهم، لا يبحثونَ إلا اقتصاصاً من الذوات التي أجرمت بحقهم، فالمالُ لا يُطفئ حرارةَ الأكباد وشرر فلذاتها المفقودة.
جريمة رداع يندى لها الجبين، وتلطخ ثوبَ الدولة عاراً لا يُزيله إلا سرعة البت في المحاكمة والقصاص العادل وشدة العقوبة الرادعة لمن يتخذُ موقعه سبيلاً للثأرِ والهمجية والغوغائية بدلاً من حفظِ الأمن والسكينة للناس. ويا وزارة الداخلية، عند جعلك الخطأ فردياً فإنه ما كان سيقع لولا فرط الثقة بمن لا يستحقها، وتبسطين له القوة ليفتك بالناس بلا هوادة. صحيح أن بسط الأمن يحتاج يداً من حديد؛ لكن قبل الحديد يحتاج حدةً في العقول التي تحكم قبضته، لأن الإسراف في هذه اليد سببه اطمئنانها لخلاصٍ سيأتي من يد أعلى منها.
يُفترض بقوات الأمن أن تكون رزينةً بعملها، ليغدو علاجاً للمعضلات التي تطرأُ على الناس، وليست سيفاً يُصفي خصومته أو يُهمش مصالح الناس، ويترك السيل حتى يبلغ الزُّبى. وأكبرُ سببٍ لحدوث الفظائع من النافذين في الداخلية والأمن ومؤسسات الدولة عموماً هو غياب الجزاء الرادع، والقناعة لديهم بأنهم لن يُعاقبوا وسيُنقلون من رقعةٍ إلى رقعة أخرى أو ستتم ترقيتهم، وفي أسوأ توقعاتهم سيوقفون عن العمل مدةً غير قصيرة حتى يهدأ الشارع ثم يعودون لعملهم في مواقعهم أو في مواقع أخرى؛ وما أكثرها في دولتنا!!
نعيش وضعاً مأساوياً، أكبر حاجتنا العدالة المجتمعية وإنصاف الرعية من الفاسدين، وهذا أساس الحكم. ملّ الشعبُ من بلطجةِ المتنفذين وسوء تصرفاتهم، وقبل ذلك انعدام كفاءتهم، والمبالغة في إعطائهم الثقة ممن هم أعلى منهم منصباً أول المتبرّئين من تصرفاتهم وأفعالهم التي يسمونها بعدئذٍ فردية!!
إن أحدث الناس شغباً فراجعوا مسؤوليهم قبل أن تبحثوا فعالهم، فهي أثرٌ لأخطاء المسؤولين، وفاجعة رداع أنصعها مثالاً، إزهاقُ نفسٍ بريئة من رجل أمن تحرك أخو الضحية عاماً لم يجد إنصافاً (واليمنيُّ مجبولٌ على ألا يترك حقه، لاسيما الدم)، وليس له طريقة إلا الثأر فأخذه، وإصرار المسؤولين على الكبر أزاغ أبصارهم فراحوا يهتكون الحرمات وجاسوا خلال الديار يهدمون البيوت على رؤوس الساكنين، يحسبون أنّهم يُحسنون صنعاً بهذه الأفعال التي لا يُجيزيها شرعٌ ولا يرضاها عرفٌ ولم يعتدها عقلٌ ولا قلبٌ ولا منطق، ليحصدوا ثمار الخزي والعار دنيا وآخرة، وألّبوا الناس عليهم وعلى من ولّاهم وعيّنهم، وأساؤوا لدولةٍ برمتها، وأقبحُ من فعلهم لذةُ الانتصار حين الجريمة وإعلاء الصرخة حين تصاعد الدخان، جاعلين منها محط سُخريةٍ وإجرام وظلم؛ إذ هي انطلقت لتُعبّر عن مظلومية أمة ووجع شعب، ولم تُرفع إلا حيث مواقع البأس في الدفاع عن هؤلاء المستضعفين ومقارعة رؤوس المستكبرين وكسر شوكة المحتلين والبُغاة.
الحل كل الحل في العدل والإنصاف وتطبيق شرع الله الرادع لهذه الأفعال المُشينة، وإصلاح مؤسسات الدولة الفاسدة ومعالجتها بالكوادر الشريفة ذات الكفاءة التي تضبط سيرها ومسيرها، وبعدها تعود الدولة لجبر الضرر للناس وتعويضهم خير تعويضٍ؛ وإلا فالجريمة بحق المواطنين في رداع -إذ ليست هي الأولى- لن تكون الأخيرة، بل ستكون دافعاً للسيئين في الاستمرار، وستزيد الدولة خبالا، وللشعب زيادةً في فوران غضبه وتزيده حقداً عليها، وهناك من يرقبون مشكلات كهذه يتخذونها كحصان طروادة لإحراز مكاسب فشلوا في تحقيقها سنين من الحرب والبطش والحصار بحق هذا الشعب الصامد الصابر.

أترك تعليقاً

التعليقات