هياط سياسي!!
 

مرتضى الحسني

مرتضى الحسني / لا ميديا -
الهياط كلمة منتشرة خليجياً تُطلق على المتبجحين أو من يُعطون أفعالهم أكثر من حجمها، وهي أيضاً فصيحة وأصلها «هايط»، وهايط الرجل أي ضجّ. هذه المرة ومن الخليج ذاته جاء الهياط؛ ولكن في المجال السياسي، من الإمارات والإماراتيين واتباعهم للمشروع المُصوّت عليه قبل يومين في مجلس الأمن؛ إذ كان بدايةً مشروع وقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات ثم أفرغته أمريكا وبريطانيا حتى غدا قرار إدخال مساعدات إنسانية برقابة أمنية صهيونية على كل الشحنات المفترض إيصالها لغزة وأهلها.
غزة تعيش وضعاً فوق الكارثي منذُ بدأ عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي نتيجة العدوان الهمجي الصهيوني والمبارك من دول العالم الأول، دول الحضارة - كما تسمي أنفسها؛ بذريعة دفاع «إسرائيل» عن نفسها وشماعة الحفاظ على السامية التي لا تُحافظ إلا بلبس البردعة وركوب الصهاينة على الظهور، وإلا فأنت لست سوى حيوان بشري تتعامل معك قوات الاحتلال وجيش أمريكا كما قال وزير الدفاع اليهودي بداية المعركة.
تقديرات الحرب تشير إلى أنّ ما يوازي قنبلتي هيروشيما وناجازاكي قُصفت بها غزة، وما يعادل دمار ألمانيا في الحرب العالمية الثانية دمرت بها غزة، وهذا خلافاً للفترة، فما تلقته غزة كان في شهرين والفترة مستمرة والتدمير مستمر. أما إحصاءات الضحايا فالشهداء أكثر من 20 ألفا والجرحى أكثر من 54 ألفاً، وكلٌّ يتنامى مع زيادة القصف وتعاظم الحصار.
هذا الوضع المأساوي من القصف والدمار يسبقه حصارٌ على غزة جعلها أكبر سجنٍ مفتوحٍ في العالم برقعة لا تتجاوز 365 كم، وتزاحمٍ سكاني يتجاوز مليوني نسمة يحتاج تحركاً حقيقياً من العالم أجمع حفاظاً على ما تبقى من الإنسانية الزائفة. لذلك عندما يقال إنّ غزة تحتاج شيئاً من الجدّية فلندع الهياط جانباً، وليضغط كلٌّ بقدر ملكه، وأقل الجود كف الأذى عن شعب فلسطين يا دولة الإمارات، فدبلوماسيتكم صنفت المقاومة بداية «طوفان الأقصى» وبمجلس الأمن ذاته بأنها إرهاب في وجه الصهاينة، جعلت من الضحية جلاداً ومن الجلاد ضحية، وعند اتخاذ اليمن موقفاً عسكرياً بقطع الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر وصلتم خط اتصال بري من دولتكم إلى دولة الكيان ينقل بضائعه تجنباً من هجماته.
الدبلوماسية ليست تقديم مشروع قرارٍ فاشل إلى مجلس الأمن، خصوصاً مع كيان الاحتلال، أكبر نموذج للتمرد على قرارات المجلس والجمعية، وعشرات القرارات تشهد بذلك، ففي قانون الدبلوماسية فإنّ أبسط قرار وأجدى نسبياً هو طرد السفراء وتخفيض البعثات الدبلوماسية أو قطع العلاقات الدبلوماسية، والإمارات المطبعة لم تنظر أياً من هذا، بل وأكدت استحالة استخدام أيٍّ من ذلك، ناهيك عن تخفيض التصعيد الاقتصادي، بل وحتى إدانة المجازر اليومية التي يتلذذ بارتكابها المجرم الصهيوني.
أروقةُ السياسة دائماً ما تخبئ الغموض، فمثلاً عرفنا أنظمة، ماضية وحاضرة، تظهر لشعبها غير ما تُبطنه؛ لكن ما يحصل حالياً كشف كل نظام على حقيقته، والإمارات خير مثل، فإبّان زايد كانت تُسمى إمارات الخير والعروبة والعرب والأصل العربي، ومع بروز جيل جديد من الحكام، لاسيما محمد بن زايد انكشف المستور وضربت الإمارات أنصع أمثلة الانبطاح للصهيوني حتى صارت تهايط بتصهينها وانسلاخها من كل أواصر العروبة وقيم الإسلام الحنيف، ولبست عباءة الخيانة والغدر لكل شعوب المنطقة العربية، تنهش لحم المسلمين وتتلهف شوقاً للقضاء على الجميع تودداً للأمريكان والصهاينة عسى ألا يصل منزلتها خائنٌ أو غدار.
غزةُ المكلومة وفلسطين المحتلة تحتاج يداً من حديد تشدُّ أزرها، تريد فعلاً قبل القول، ولن يتأتّى هذا إلا بمن يتوقد الدين بين ضلوعه، وتقدس القدس بين جوارحه، لا ناطحات السحاب وحضارة الزجاج. التحرير يتطلبُ أيادي فوقها يدُ الله لا تنشد إلّاه، فالذي يجدي على أرض الواقع هو الجهاد لا الهياط.

أترك تعليقاً

التعليقات