سلام عليهم فـي عليين
 

مرتضى الحسني

مرتضى الحسني / لا ميديا -
قف على الأطلال وانظر من مرّ من حولك، وانظر آثار دماءٍ تقطر في الأرض كبرياءً ومجداً لا يُمحى ولا يُبلى، وتنبيكَ عن عظيم تضحياتٍ بُذلت في سبيل حقٍّ إلهيٍّ لا يزيغُ عنه إلا هالك، تضحياتٍ سطّرتها أرواحٌ زكية لا تبغي شيئاً سوى مرضاة الله ورسوله والناس الذين ظُلموا في أرضه.
عامٌ جديدٌ يُميطُ شهداؤنا عن محياه دياجير الحلكة، وذكرى خالدة لعظمائنا متجددة على غرةِ دهرٍ خلقته مشيئتنا ونفخت روحه عزائمنا التي ما كبت، وسيّرته قوافلٌ من خيارنا دون تخاذلٍ أو وهن، بل تجرّ في ركابِها أفواجاً من أُباتنا الذائدين عن حمانا المحمية بتضحيات أبطالنا الشهداء.
سنون تروح وتأتي، تتجانس فيها التضحيات وتتماثل مع بعضها البعض، ثم تضمحلُّ أمام تضحيات الشهداء الذين كانوا بنبلِ قيمهم وسموِّ أخلاقهم شهباً في عتمةِ لياليها الموحشة، وببأسهم وبسالتهم رعوداً قاصفةً في غوائل أيامها المكفهرة. عشرون عاماً من التضحية والشهادة تغضّنت قسماتها لجلالِ إيماننا، ومؤامرات جبّارة نكست لجبروت صبرنا وإبائِنا، وترساناتٍ عملاقة ركع عنفوانها على أقدام عزتنا وتضحياتنا الباذخة التي ضبطنا على إيقاعها ساعات النصر ودقائقه.
نصرٌ خطّته دماء الشهداء الذين قهروا الموت بشموخٍ وعبروه هازئين وفرحين بـ»أحياء عند ربهم يرزقون»، ولم ترهبهم آلاف الغارات ومئات الآلاف من المرتزقة والمأجورين، ولم يُخفهم تكالب الكلاب من تحالفاتٍ وتجمعات وفرض حصاراتٍ خانقةٍ، إنما زادتهم عزماً، فعبروا المليون موت وموت باستشهادهم إلى فلوات الخلود في جناتٍ عدن عند مليكٍ مقتدر.
بوعيٍ وبصيرة مضى الشهداء دون التفاتٍ إلى ما خلفهم من إرجافٍ مجتمعي لقصيري الوعي ومعدومي البصيرة، أو خضوعٍ لمرابي الرأسمالية وعملائهم من مشائخ النفط ومشيخاتهم، ولم ينتظروا مقايضات قيم الإنسانية لذوي البجعات السود في أروقة المجالس والاجتماعات التي تبيع وتشري دماءنا في بورصة اللاإنسانية والتلفظ بنجيع جراحنا وأشلاء أطفالنا ونسائنا، لينتعلوا وجوههم المبهرجة باصطلاحات التحضر الزائف والمدنية الكاذبة، ونسفوها في كل موضع لقاء، ليُعبّدوا بذلك طريق الحرية والكرامة الذي بذل الأعداء الغالي والنفيس لتدميره.
بعظمتهم وتضحياتهم كانوا -فعلاً- لأرضنا سماءً، ولسمائنا أنجماً وكواكبَ، فلم يذلِّوا يوماً ولم ينكصوا ولم يبغوا، بل لم يتركوا موقع نخوةٍ إلا وخاضوه أو برحوه إلى موقع شرفٍ آخر. فحقيقٌ على السنين أن تتيه في فضاء تاريخ رسموا ملامحه واجتازوا سماواته بروقاً وغيثاً ومطراً خطروا فيه صحائف بيضاء من شرفٍ وجبالاً من عنفوان لا تتزعزع ولا تلين. فسلامٌ عليهم في عليين.

أترك تعليقاً

التعليقات