مشهد يمني مضطرب.. و«انتقالي» يتمدد.. وكيان صهيوني يروي تفاصيل اللعبة...لعبة إقليمية تُحاك في الظل.. إذا لم تتحرك صنعاء الآن، فمتى؟
- عثمان الحكيمي السبت , 13 ديـسـمـبـر , 2025 الساعة 12:12:58 AM
- 0 تعليقات

عثمان الحكيمي / لا ميديا -
شهدت اليمن في الأيام الأخيرة سلسلة تطورات متداخلة ألقت بظلالها الثقيلة على المشهد، حتى بدا أعقد بكثير مما تسمح به العناوين السريعة. وكل اقتراب من الصورة لا يزيدها وضوحاً، بل يفتح باباً لأسئلة أخرى تنمو في الظل وتتشعب مع كل محاولة للفهم. فمع تقدّم قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» وسيطرتها على حضرموت والمهرة بلا مقاومة تُذكر، بدا المشهد كأنه رياح تعيد ترتيب الرمال فوق مسرحٍ تتقاطع عليه خطى اللاعبين الإقليميين. ارتفعت رايات «الانتقالي» فوق المقرات، وامتد ظلّه حتى تخوم عُمان، فيما انسحبت «قوات الشرعية» تاركة فراغاً يتسع، وترافق ذلك مع اعتصامات تُلوّح بمطلب إعلان دولة الجنوب. وسط هذا التزاحم بين الانسحاب والتمدد تبقى الحقيقة معلّقة بين ما يُقال وما يجري فعلاً على الأرض.
قراءة في مواقف الأطراف الإقليمية والدولية
في خضم ردود الأفعال المتضاربة على التطورات الأخيرة، يطلّ موقف ما يسمى بـ«مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة التابعة له كاشفًا عن وهنٍ فاضح واعترافٍ غير معلن بالهزيمة؛ فكيف يصفون خطوات «الانتقالي» بـ«الأحادية»، وهو جزء أصيل مما يسمونه «الشرعية»، دون أن يسمّوها «انقلابًا»؟ أليس هذا التوصيف الهزيل يحمل في طياته الكثير من التعبير عن ضعفٍ وانكشاف؟ أهو خوفٌ من الحقيقة، أم إدراكٌ متأخر بأن «الشرعية المزعومة» التي بين أيديهم لم تعد سوى ظلٍّ يتلاشى؟
وعلى الضفة الأخرى، تبدو السعودية كمن يمشي فوق خيطٍ مشدود: هل تحاول الرياض فعلًا احتواء الموقف من خلال الجمع بين التهدئة ومنع فرض الأمر الواقع، أم أنه تبادل أدوار حقًا؟ هنا تتكاثر الأسئلة حول حقيقة موقفها: إذا كانت السعودية ليست ضد «الانتقالي» بالمطلق، فهل ستسمح أن يفرض واقعًا جديدًا ويولد شرقٌ جديد لا يشبه خرائطها؟ يبدو أن الهدف هو ضبط الإيقاع، بحيث لا يكون هناك انهيار كامل لما يسمى بـ»الشرعية»، ولا انفلات كامل بيد «الانتقالي». فالسعودية تدور وتلف وتريد إطار «شرعية موحدة» يمكن استخدامها في التسويات الدولية كإطار صورة يُعلّق في قاعة المفاوضات، بينما حربها كلها مجرد محاولة لـ»إعادة الشرعية»، كمن يطارد ظلّه ولا يمسكه.
أما الإمارات، فدعمها لـ»المجلس الانتقالي الجنوبي» واضح، والتقارير الدولية تصف عملياته العسكرية وتمددَه نحو حضرموت والمهرة بأنه جزء من مسعاها لهندسة هادئة لواقعٍ جديد. يبدو أن هذا التحرك يركز على تمكين قوى جنوبية حليفة لها في مناطق أوسع. وفي زاوية أخرى، تنظر عُمان بقلق إلى وصول «قوات الانتقالي» إلى تخوم حدودها في المهرة، بحكم حساسيتها من أي وجود عسكري مدعوم من أطراف خارجية. فهو قلقٌ لا يُقال في البيانات، لكنه يطفو في التحليلات كظلٍّ طويل.
دوليًا، هل بيان طهران المشترك بين إيران والسعودية والصين، الذي أكد دعم الحل السياسي الشامل، يمثل تحولًا حقيقيًا؟ دعوة واشنطن إلى خفض التصعيد وترحيبها بجهود التهدئة، مع تأكيدها على دعم ما يسمى بـ«الحكومة الشرعية» والتحذير من الإجراءات الأحادية، ما سببها؟ هل تخشى واشنطن ارتداداتٍ تمس أمن البحر الأحمر أكثر مما تخشى انهيار المشهد نفسه؟ أم أنها تفضّل الضغط من خلف الستار بدل إصدار إداناتٍ صريحة؟ وبريطانيا، التي تدعو إلى التهدئة أيضًا، هل تفعل ذلك لأنها جزء من ترتيبات أمن البحر الأحمر، أم لأنها لاعبٌ يعرف جيدًا أين يضع قدميه في الجنوب في الخفاء؟ بينما يكتفي الاتحاد الأوروبي بتكرار مواقفه القديمة، كمن يقرأ بيانًا لا علاقة له بما يجري على الأرض.
وفي زاوية أخرى من المشهد، تقف صنعاء بموقفٍ لا يحتاج إلى كثير شرح؛ فسنوات الحرب الطويلة كشفت أن موقفها الأوضح هو رفض تمزيق اليمن، وقد صدرت تصريحات في هذا الشأن خلال الأيام الماضية من بعض القيادات هناك، ولكن ولليوم الذي نكتب فيه هذا المقال لا يوجد ردٌّ فعلي قوي ونهائي حول ما حصل. فهل هذا يعني أن صنعاء اليوم في انتظار اللحظة المناسبة؟ أم أنها تقرأ المشهد ببرودة ليتفكك من تلقاء نفسه؟
الاحتلال يشرح تفاصيل اللعبة
بينما ينشغل اليمنيون بالغوص في تفاصيل التحليل، كان الاحتلال قد رسم المشهد كاملًا وشرحه بثقة من يظن أن الأرض ملك يديه. العدو الصهيوني يراقب بصمت، أجهزته تلتقط كل حركة، وفي الظلال تُكتب خطط بعيدة لا يراها أحد. ثم يظهر الصوت «الإسرائيلي» كراوٍ خفيّ، يصف المشهد كما لو كان يتحكم بالكاميرا والإضاءة، ويقدّم روايته كخبير جغرافيا يشرح خريطة لا تمتّ إليه بصلة.. لكنه يتعامل معها كأنها إرثه القديم.
يقولها بلا تردد: ما جرى هناك هو «نجاحات عسكرية بارعة» و»عبقرية خلقتها الإمارات». يتحدث عن «استراتيجية الكماشة»، ويصف قوات صنعاء بأنها «محاصرة»، ويضيف أن «إسرائيل تسيطر على السماء والبحر» منذ 2023. ثم يمد يده إلى الجنوب ليعيد تشكيله كما يشتهي، فيسميه «حصنًا جنوبيًا علمانيًا» جاهزًا للانضمام إلى «الاتفاقات الإبراهيمية». وكأن الجنوب مشروع هندسي ينتظر توقيعه فقط. بعدها يفتح الخريطة وكأنه يراجع مخطط بيته، يحدد الممرات والموانئ وكأنها غرف يحتاج لإعادة ترتيبها: خط من سقطرى إلى حضرموت، موانئ مضاءة، طرق مرسومة، والبحر الأحمر يتحول إلى «حاجز منيع». كل شيء محسوب بدقة. وفي النهاية، يلقي جملته التي تكشف كل شيء: «اتفاقات إبراهيم الثانية ليست حلمًا؛ بل هي انتصار»، وأن الإمارات -كما يقول- «تحرر الولايات المتحدة من عبء الاستقرار الأمني في الشرق الأوسط». ثم يذهب أبعد من ذلك، ليربط ما يجري في اليمن بامتدادات تصل إلى بونتلاند في الصومال، و»ليبيا حفتر»، وحتى قوات الدعم السريع في السودان، فهل المنطقة كلها مسرح واحد تُدار إضاءته من غرفة واحدة؟
وفي ضوء هذا المشهد المتشابك، تتقاطع التحليلات والسيناريوهات عند نقطة واحدة: اليمن يقف اليوم على حافة مرحلة جديدة لا تشبه ما قبلها. فالمسارات الكبرى تتزاحم في الأفق؛ إمّا استمرار الوضع الراهن بما يحمله من فوضى منضبطة واستمرار حالة «اللاحرب واللاسلم»، أو تصعيد واسع يعيد خلط الأوراق، أو تسوية سياسية بطيئة تُدار من الخارج أكثر مما تُصنع في الداخل.










المصدر عثمان الحكيمي
زيارة جميع مقالات: عثمان الحكيمي