ما بين ضربة صنعاء الأمنية ومناورات الرياض البحرية.. من يمتلك زمام المبادرة؟..رسائل متبادلة أم مواجهة مؤجلة؟
- عثمان الحكيمي السبت , 15 نـوفـمـبـر , 2025 الساعة 12:14:49 AM
- 0 تعليقات

عثمان الحكيمي / لا ميديا -
لطالما كانت العلاقة بين الحرب والدبلوماسية جدلية، والمناورات العسكرية هي الجسر الذي يربط بينهما. فليس من قبيل الصدفة أن تظهر القوة العارية حين تجمد الحلول السياسية؛ فالمناورات هي لغة القوة التي تهدف إلى كسر الجمود على طاولة المفاوضات. لكن هذه اللغة "المناورات" قد تكون أحيانًا مجرد صدى صوت، استعراض إعلامي فارغ لا يحمل في طياته أي مضمون حقيقي، وهنا يكمن التحدي في اختبار فطنة المراقب، فالقدرة على قراءة ما وراء ستار الدخان مهمة جدًا. في إطار العمل الاستراتيجي للقوة، لا تعني كل طبول تُقرع أن الحرب قادمة، ولا يعني كل سكون أن الأيادي ليست مشغولة بتهيئة المسرح في الخفاء.
وفي هذا الصدد، وقبل الخوض في تشريح موضوع المقال تحديدًا، يجب أن نتوقف عند العاصفة التي سبقت ذلك. فقبل أيام قليلة، فجرت صنعاء قنبلة استخباراتية، معلنةً عن تفكيك "شبكة تجسس أمريكية -سعودية -إسرائيلية"، وصرحت الجهات المعنية أن غرفة عملياتها المشتركة كانت تقبع في قلب المملكة. هذا الإعلان ألقى بظلاله الثقيلة على المشهد بشكل كبير. وهنا، وبالدخول مباشرةً إلى موضوع المقال، تناولت العديد من وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية خبر إجراء مناورات عسكرية في قاعدة بحرية بمدينة جدة غرب السعودية، بمشاركة ست دول ومراقبين، بهدف "تعزيز أمن البحر الأحمر"، اختتمت الخميس الماضي.
الأهداف المعلنة للمناورة
في صباح الأحد، التاسع من نوفمبر الجاري، أُسدل الستار على مشهد صامت، لكنه يبدو مشحونًا بالرسائل أيضًا: انطلاق مناورات "الموج الأحمر 8". بيان وزارة الدفاع، الذي اتخذته وكالة "واس" واجهة رسمية، بدا للوهلة الأولى وكأنه يرسم لوحة لـ"تحالف إقليمي" يضم السعودية ومصر والأردن والسودان وجيبوتي، ومعهم تمثيل لما يُسمى بـ"الحكومة الشرعية اليمنية". اللافتة الرسمية كانت براقة ومصقولة بعناية: "توحيد الجهود لتعزيز أمن البحر الأحمر، حماية المضائق الاستراتيجية، وضمان حرية الملاحة وخطوط الإمداد العالمية"، لكن، هل يمكن أن تكون كلمات اللواء منصور الجعيد والعميد عبدالله العنزي عن "التعاون" و"التطور النوعي" أكثر من مجرد ضجيج محسوب؟ وهل الوقائع على الأرض لا تحكي قصة مختلفة تمامًا؟ فهل هذا الحشد البحري والجوي والبري الذي ظهر في جدة مجرد تمرين اعتيادي، أم أنه مسرح عمليات مُعدّ لرسائل استراتيجية بالغة الدقة؟
هل مناورات "الموج الأحمر 8" في حقيقتها تغطية لصفعة استخباراتية تلقتها الأجهزة الأجنبية في اليمن؟ أم أنها محاولة يائسة لإعادة هيبة اهتزت في حرب الظل الطويلة؟ لنذهب أبعد من ذلك، ونطرح السؤال: هل تخفي المناورات رغبة في تهدئة النيران أم في تأجيجها؟ بعدما طالبت صنعاء بإنهاء الحصار والضغوط ورفضت استمرار الوضع بصيغته الراهنة، هل تأتي هذه المناورات العسكرية كدعوة مفتوحة لإعادة التوازن، لكن بأي ثمن؟ وهل تدرك السعودية ما ينتظرها في حال الأخطاء بالحسابات؟
هل للمناورات صدى في صنعاء؟
في السياسة كما في الحرب، لا تُقاس النوايا بصفاء القول، بل تُقاس كل حركة بميزان الريبة ومجهر التحليل، خاصة إذا تسللت في عباءة أمنية تحمل في طياتها أكثر مما تُظهر. فكيف لصنعاء، التي اعتادت قراءة الخرائط تحت ضوء القذائف، أن تفسر مناورات "الموج الأحمر"؟ هل تراها تدريبًا دفاعيًا بريئًا، أم استفزازًا صريحًا على بعد خطوات من سواحلها التي تعرف رائحة البوارج؟ هل تضع هذه المناورات صنعاء أمام مفترق حاد: تجاهل أم رد؟ أم أن الرد قد كُتب قبل أن تُرفع المناورة؟
تفكيك شبكة التجسس المرتبطة بالأمريكان والصهاينة والسعوديين، والذي تم قبل أيام على يد الأجهزة الأمنية، لم يكن مجرد إنجاز استخباراتي، بل كانت ضربة قاسية تقول: "نحن نعلم، ونتحرك، ونسبق". لذلك، يبدو أن صنعاء لا تنتظر لترد. بهذا السياق، تبدو المناورات الحالية محاولة متأخرة لاستعادة هيبة مفقودة علنًا، في حين يعتقد منطق صنعاء أن الرد الأهم قد تحقق بالفعل، وأن الكرة الآن في ملعب من يسعى لترميم صورته المكسورة وسط مخاطر جمة ضمن حسابات تتسم بالحذر الشديد.
في نهاية المطاف، يبدو أن "الموج الأحمر 8" هي فصل جديد في حرب الإرادات والرسائل الاستخباراتية أكثر منها إعلانًا لحرب وشيكة. إنها محاولة متقنة لفرض معادلة في أحد أكثر ممرات العالم توترًا. خاصة على ضفاف باب المندب، حيث يمكن لخطأ واحد في الحسابات أو لطلقة طائشة أن تحول استعراض القوة هذا إلى مواجهة حقيقية تغير وجه المنطقة. فبينما تواصل السفن تحريك أمواج البحر الأحمر في عروضٍ محسوبة، يبقى السؤال الأكبر معلقًا في سماء المنطقة: مناورات لمن؟ ولأي غاية؟ وهل حقًا يُخيف البحرُ من تعلّم السباحة وسط العواصف؟










المصدر عثمان الحكيمي
زيارة جميع مقالات: عثمان الحكيمي