ما السر الذي تخفيه الطلعات الأمريكية -البريطانية المكثفة فوق خليج عدن والمياه اليمنية؟.. أجنحة التجسـس تحلّق بصمت
- عثمان الحكيمي الثلاثاء , 21 أكـتـوبـر , 2025 الساعة 1:06:04 AM
- 0 تعليقات
عثمان الحكيمـي / لا ميديا -
في قلب العالم، حيث تتلاقى القارات وتتصارع المصالح، يقع "الشرق الأوسط"، تلك الرقعة الجيوسياسية التي كانت وما زالت مسرحاً لتحولات كبرى، في هذه المنطقة التي تتشابك فيها خيوط الأمن والتاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد، تبرز سماء اليمن ومياهها الإقليمية كمسرح جديد لتصعيد عسكري محتمل يثير القلق ويفتح أبواب التكهنات على مصراعيها، حيث تتوالى الأنباء عن تحليق مكثف لطائرات التجسس والاستطلاع الأمريكية والبريطانية فوق خليج عدن والبحر الأحمر، بينما تطلق صنعاء تحذيراتها النارية، ملوحة بالرد العنيف.
يتضح أن هناك مؤشرات على مرحلة جديدة قد تحمل في طياتها تحولات خطيرة. فما الذي يدور خلف الكواليس؟ وما هي الرسائل التي تحملها أجنحة هذه الطائرات؟ وما مدى جدية التحذيرات اليمنية؟
أجنحة التجسس تحلق فوق المياه المضطربة
لم يكن تحليق الطائرات البريطانية في مطلع أكتوبر 2025 مجرد نشاط روتيني في الأجواء، بل بدا كحلقة ضمن سلسلة تحركات استخباراتية متصاعدة تشهدها المنطقة في الآونة الأخيرة. فقد أقلعت الطائرات من قاعدة "العيديد" الحيوية في قطر، واتخذت مساراتٍ مدروسة فوق المياه الجنوبية لليمن وخليج عدن، في مهمة يُعتقد أنها تتجاوز الطابع الاستطلاعي المعتاد، رغم غياب أي توضيح رسمي بشأن أهدافها الفعلية الا أن التزامن الزمني بين هذا النشاط ورصد طلعات أمريكية في المجال نفسه، يوحي بوجود تنسيق عملياتي عالي المستوى بين القوى الغربية، على نحو يشير إلى مراقبة دقيقة لمسرحٍ إقليميٍّ يشهد تحولات أمنية حساسة.
الرحلات الطويلة والمستمرة فوق خطوط الملاحة ومداخل البحر الأحمر توحي بأن ما يجري ليس مجرد جمع معلومات، بل رصد متعمق لأنماط الحركة والتواصل في واحدة من أكثر النقاط توتراً على خريطة الملاحة العالمية. وبينما تلتزم العواصم الغربية الصمت، تبدو الأجواء هناك ملبدة بتساؤلات حول طبيعة "التهديدات" التي تستدعي مثل هذا النشاط المكثف، أو ربما -وهو الاحتمال الأرجح- رغبة في استباق حدثٍ لم يُعلن بعد، في منطقة اعتادت أن تخفي نذر العواصف تحت هدوء البحر.
قراءة أمنية في بيان المنتدى الأمريكي
عند قراءة بيان "منتدى الشرق الأوسط الأمريكي"، لا يبدو مجرد تحليل عابر، بل صفارة إنذار صادرة من غرفة تقدير موقف، تحمل بين سطورها إشارات ما قبل التحرك الكبير.
الحديث عن فشل الضربات الأمريكية في اليمن هل هو فعلاً اعتراف بالقصور؟ أم أنه تمهيد لمسرح أكبر، ورسم ستارة دخان تسبق الفعل القادم؟ المطبخ السياسي يغلي على نار هادئة، يطهو خياراتٍ أوسع من حجم الضربة العسكرية المباشرة، لتظهر في الفصل القادم من الرواية الإقليمية.
المنتدى لم يكتف بالمراقبة التقليدية للأفق، بل طرح خريطة طريق بديلة، كأنها أمر عمليات مُقنّع. وهنا تكمن النقطة الجوهرية: عبارتا "حكم مركزي موحد" و"أمن البحر الأحمر" ليستا مجرد كلمات، بل أوتاد استراتيجية تُدق في الأرض، إيذانًا ببدء مرحلة إعادة التثبيت والترتيب في المنطقة. في لغة الأمن، حين تتقاطع مؤشرات التهديد المحلي مع الضغوط الاقتصادية الدولية وتوسع النفوذ الإقليمي، يبدو المشهد كـ"لوحة" يُعاد رسمها خلف الستار.
اليمن لم تعد مجرد مساحة جغرافية، بل بؤرة مراقبة واختبار ضمن شبكة القوى الكبرى، حيث تُفكك التحركات ويُعاد تركيبها وفق حسابات دقيقة، وكل تصعيد محتمل يحمل إشارات مشفرة للنوايا الخفية. أما الحديث عن "حملة منسقة" بثلاثة أبعاد (عسكري، اقتصادي، سياسي)، فيشير إلى أن المسألة تجاوزت مجرد مراقبة حركة السفن، لتصبح إعادة تشكيل للخارطة المائية للبحر الأحمر، تحت لافتة "الأمن الدولي"، وكأن المنطقة على أعتاب ترتيبات جديدة.
الأسئلة هنا أكثر من الإجابات: هل نحن أمام مرآة استخباراتية تعكس الواقع، أم مجرد غطاء سياسي لإعادة التموضع والانتشار؟ ولماذا تحديدًا يُرفع الستار عن هذا الملف الآن، بهذه اللهجة التحذيرية المتعمدة؟ البيان، بكل ما حمله من صمت مدوٍّ ولهجة قلق محسوبة، لم يُكتب ليُطمئن أحدًا، بل ليقول: "الرماد تحت الجمر يوشك على الاشتعال، والمرحلة القادمة ستقص الحكاية كاملة".
المشهد تحت المراقبة
اليمن والبحر الأحمر هما نقطة الغليان ومحور اختبارات دقيقة لـ"كسر العظم". المؤشرات المتصاعدة لم تعد مجرد "ضوضاء خلفية"، بل هي إشارات مشفرة عن حركة خفية؛ فهناك رسائل مبكرة لاختبار الردود واستشراف التحولات القادمة، ورسائل تحمل بين سطورها إشارات حول التوجهات الاستراتيجية للجهات الفاعلة الكبرى.
المرحلة القادمة لن تكون مجرد استمرار لما سبق؛ بل هي فصل درامي قد يحمل تحولات جذرية ومفاجئة. والنجاح هنا لا يعتمد على حجم القوة، بل على دقة القراءة الاستخباراتية للرسائل الخفية. فالأمر كله مرهونٌ بمن سيفهم "ما وراء الخطوط" أولاً، قبل أن يتحول الموقف إلى معادلة "صفرية" لا رجوع عنها، لترتيب إقليمي جديد.
خلاصة القول، المرحلة القادمة تتطلب قراءة دقيقة، تحليلا مستمرا، واستشرافا لكل مؤشرات التغيير، لأن التأخر في التعامل مع هذه الإشارات قد يحول الرماد إلى نار يصعب السيطرة عليها.
المصدر عثمان الحكيمي
زيارة جميع مقالات: عثمان الحكيمي