غزة والمرحلة الثانية.. خطة ترامب.. غطاء أمريكي لجشع صهيوني لا يرتوي
- عثمان الحكيمي الأثنين , 29 ديـسـمـبـر , 2025 الساعة 1:05:40 AM
- 0 تعليقات

عثمان الحكيمي / لا ميديا -
في السياسة، كما في الفيزياء، لكل فعل رد فعل. لكن في الحالة الفلسطينية، يبدو أن الفعل ورد الفعل يصدران من المصدر نفسه: واشنطن تقترح، والكيان الصهيوني يعترض حتى على ما صيغ أصلًا لصالحه. «خطة ترامب» ليست مشروع سلام، بل عملية جراحية دقيقة لاستئصال إرادة المقاومة من الجسد الفلسطيني، لكن المريض (الكيان الصهيوني) يرفض التخدير، ويصر على إجراء الجراحة بنفسه وبأدواته الصدئة. ما نشهده ليس مجرد انسداد سياسي، بل مشهد سريالي يكشف عن الطبيعة النهمة للاحتلال، الذي لا يكتفي بالتهام الكعكة التي قُدمت له، بل يطالب بالطبق والشوكة والطاولة بأكملها.
«المرحلة الثانية».. وهم العبور إلى حقل الألغام
المرحلة الثانية من خطة ترامب تُسوّق كجسر يعبر عليه الفلسطينيون من جحيم الحرب إلى نعيم الإعمار. لكن هذا الجسر معلق في الهواء، وأعمدته ليست سوى شروط صهيونية مصممة كي لا تتحقق «نزع السلاح»، و»تدمير الأنفاق»، و»استعادة الجثة الأخيرة». هذه ليست بنود تفاوض، بل يراد منها تحويل المقاومة من فعل مشروع إلى جريمة تستوجب العقاب.
في هذا السياق، تكشف تصريحات المسؤولين الصهاينة خلال الأيام الماضية عن قلق داخل الحكومة الصهيونية من أن يفرض ترامب الانتقال إلى المرحلة الثانية دون استيفاء هذه الشروط، وهو ما يعتبرونه «خطًا أحمر». هذا القلق يعكس أن الكيان الصهيوني لا يخشى فشل الخطة، بل يخشى نجاحها قبل أن تُطبخ على نار ابتزازهم.
عقيدة نتنياهو.. الأمن كذريعة للهيمنة الأبدية
الموقف الصهيوني الحالي لا يمكن فهمه دون تفكيك «عقيدة الأمن» التي يتشدق بها رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو. هذه ليست استراتيجية دفاعية، بل فلسفة هجومية تهدف إلى إدامة السيطرة تحت قناع الخوف الوجودي. تصريحات نتنياهو ووزرائه تكشف رفضًا قاطعًا لأي قوة دولية في غزة، حتى لو كانت رمزية، معتبرين أن وجود حماس المسلحة يجعل أي قوة غير قابلة للعمل، بل يرفضون دخول قوات أجنبية، وهو ما يعكس رغبتهم في الانفراد بالقرار الأمني. هذا التشدد ليس مجرد تكتيك تفاوضي، بل استراتيجية لإدارة الصراع إلى ما لا نهاية، وتحويل غزة إلى مختبر أمني ضخم وسكانها إلى مجرد أرقام في تقارير استخباراتية.
خطة ترامب.. مسرحية السلام على مقاس الاحتلال
خطة ترامب تُقدَّم كصفقة اقتصادية أكثر منها مشروعًا سياسيًا. فهي تعرض على الفلسطينيين وعودًا براقة بإعمار غزة، لكنها تشترط نزع سلاح حماس، وهو شرط تدرك واشنطن والكيان الصهيوني استحالته في هذه المرحلة.
التحليلات تكشف أن الخطة ليست سوى نسخة جديدة من «صفقة القرن»، تهدف إلى فرض حل يكرّس الاحتلال تحت ستار «السلام الأمريكي». حتى هذه الصفقة، المصممة لتلبية الأهواء الصهيونية، تصطدم بجشع لا يرتوي؛ فالكيان الصهيوني يستخدم الغطاء الأمريكي ليس لتمرير الخطة، بل لابتزاز العالم للحصول على المزيد. وهكذا، تتحول الخطة من أداة للحل إلى وقود إضافي للصراع، وتكشف أن العراب الأمريكي نفسه فقد السيطرة على الوحش الذي أطلقه.
غزة والمستقبل.. بين مطرقة الشروط وسندان الصمت
مستقبل غزة يبدو معلقًا بين مطرقة الشروط الصهيونية وسندان الصمت الدولي. السيناريوهات قاتمة: إما جمود طويل الأمد يكرس الحصار ويقتل الأمل ببطء، أو جولة عنف جديدة أكثر وحشية من سابقاتها. أن الموقف الصهيوني المتشدد، المدعوم أمريكيًا، يضع المنطقة أمام انسداد سياسي كامل. رفض الكيان لأي انسحاب قبل نزع السلاح، ورفضه لأي دور دولي لا يخدم مصالحه، يؤكد أن أي حديث عن سلام عادل لا يزال بعيدًا. الحل لن يأتي من صفقات تُطبخ في منتجعات فلوريدا، بل من لحظة تاريخية يُجبر فيها المحتل على إدراك أن العدالة ليست وجهة نظر، وأن الشعوب لا تنسى حقوقها مهما تراكمت الوعود الاقتصادية أو تهديدات الطائرات.
رحلة البحث عن ضوء أخضر
لا ينبغي النظر إلى اجتماع فلوريدا المرتقب بين نتنياهو وترامب كمجرد لقاء دبلوماسي، بل كطقس ضروري لتقديم الولاء وتجديد التفويض. المسؤولون في الكيان الصهيوني لا ينتظرون من هذا الاجتماع «قرارًا» بقدر ما ينتظرون «مباركة» أمريكية لمواصلة سياسة التشدد. إن إعلانهم بأن القرارات الرئيسية ستُحسم هناك هو اعتراف صريح بأن مفتاح غزة ليس في «تل أبيب»، بل في منتجع مار-آ-لاغو. نتنياهو يذهب إلى فلوريدا ليس ليُقنع ترامب، بل ليطمئنه بأن «استثماره» السياسي في الكيان آمن، وأن أي تنازل ظاهري لن يمس جوهر الهيمنة. سيُعرض الاجتماع على أنه تنسيق استراتيجي، لكنه في حقيقته مسرحية لتقاسم الأدوار: ترامب يلعب دور «صانع السلام» العنيد، ونتنياهو يلعب دور «المتشدد» الذي لا يلين، وفي النهاية، سيخرج كلاهما بما يريد: ترامب يحصل على «صفقة» إعلامية، ونتنياهو يحصل على ضوء أخضر لترجمة شروطه إلى واقع على الأرض. إنه ليس اجتماعًا لحل الأزمة، بل لترسيم حدودها بما يخدم مصالح الطرفين، على حساب شعب غزة.
الوسطاء.. الغائبون الحاضرون على طاولة اللعبة
في خضم الصراع بين التشدد الصهيوني والغطاء الأمريكي، يجد الوسطاء الإقليميون أنفسهم في موقف لا يُحسدون عليه. مصر وقطر، على سبيل المثال، تبذلان جهودًا دبلوماسية متواصلة لإبقاء قنوات التفاوض مفتوحة، لكن هذه الجهود تبدو أشبه بمحاولات إطفاء حريق بقطرات ماء بينما أحدهم يصب الزيت على النار. فكلما تحرك الوسطاء خطوة نحو التهدئة، يرفع الكيان الصهيوني سقف شروطه، ويحوّل أي فرصة للتقدم إلى حقل ألغام سياسي.
الواقع أن أدوات الضغط المتاحة أمام هؤلاء الوسطاء محدودة، إذ يقفون أمام تواطؤ (أمريكي -صهيوني) يفرض إيقاعه على المشهد بأكمله. واشنطن تمنح الغطاء السياسي، والكيان الصهيوني يستثمره لتكريس هيمنته، بينما يظل الوسطاء محاصرين بين واجبهم الإقليمي وخشيتهم من انهيار الاتفاق وما قد يترتب عليه من فوضى أوسع.
هذا العجز لا يعكس ضعف الإرادة بقدر ما يكشف اختلال موازين القوى، حيث تتحول أي مبادرة إقليمية إلى مجرد محاولة لتجميل مشهد صُمم مسبقًا في واشنطن و»تل أبيب». وهكذا، يصبح الوسطاء حاضرون بأسمائهم وغيابهم في آن واحد: يشاركون في الطاولة لكنهم عاجزون عن تغيير قواعد اللعبة. وفي النهاية، تبقى غزة رهينة لعبة أكبر من قدرتهم على تعديل مسارها، فيما يستمر الاحتلال في فرض شروطه بلا هوادة.
في المحصلة، ما تسمى بـ»خطة ترامب» لم تكن يومًا مشروعًا للسلام، بل هي غطاء أمريكي لتطلعات الكيان الصهيوني. ومع ذلك، ورغم أن الخطة صيغت لتخدم أجندته، فإن التشدد الصهيوني يظل قائمًا، يطالب بالمزيد ويعرقل التنفيذ، ليكشف أن الاحتلال لا يرضى حتى بما يُفصّل على مقاسه. ترامب، الذي أراد أن يظهر بمظهر «صانع السلام»، لم يكن سوى سمسار سياسي يبيع الوهم، بينما نتنياهو يستثمر هذا الوهم ليكرّس هيمنته على غزة. النتيجة واضحة: لا حلول تُطبخ في منتجعات فلوريدا، ولا صفقات تُفرض من فوق الطاولة، يمكن أن تمنح الفلسطينيين حقهم في الحرية. العدالة لن تأتي إلا حين يُجبر المحتل على التراجع، ويُدرك العالم أن القضية ليست أزمة إنسانية تُدار بالمساعدات، بل صراع تحرر وطني لا يُحل إلا بإنهاء الاحتلال.










المصدر عثمان الحكيمي
زيارة جميع مقالات: عثمان الحكيمي