فلسطين سيناريوهات غير متوقعة
 

أمين العباسي

أمين العباسي / لا ميديا -
على كثـرة وتنوع وتعدد السيناريوهات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، سرها وجهرها، يبرز للمتتبع الحصيف سيناريو مواز يتعلق بعنصر المفاجأة الذي تحدثه المتغيرات غير المأخوذة في الحسبان كثيرا.
على مدى عقود من صراع الوجود العربي -الصهيوني هناك فجوات وحلقات مفقودة في كلا المعسكرين، حيث استطاع الصهاينة بمساعدة أوروبا وأمريكا توظيف فجوات الصف العربي وخلخلته لصالحهم طيلة فترة الصراع، بينما لم يتمكن العرب من إحداث أي ثقوب أو شروخ في جسد الجدار الصهيوني القائم على مداميك «أوروأمريكية» إلا لماما، في فترات متباعدة وذات آثار محدودة.
يستند ذلك الصراع إلى مجمل أسباب لدى كلا الكتلتين المتصادمتين اللدودتين، كانت ومازالت عوامل قوة وصعود للمعسكر الصهيوني، وعوامل ضعف وتراجع للجبهة العربية، وإن شئت قلت «الإسلامية» بما يقرب من مليارين من السكان وقدرات كبيرة من الجغرافيا والتاريخ والاجتماع والموارد والإمكانات البشرية والطبيعية المهولة، على عكس الكيان اللقيط الذي تم تجميعه وإدراجه في ذات الجغرافيا المنتخبة من قبل الاستغلال الأوروأمريكي ليكون جدار عزل وفصل بين ضفتي الوطن العربي الشرقية والغربية بإحكام، بغية الإبقاء والحفاظ على الحضور الاستعماري ودوره في المنطقة، حسب ما أشرنا إلى ذلك سابقا وفي أكثر من تناولة.. أنا هنا لا أبدع أو أبتكر جديدا، فالحقائق واضحة وجلية، إلا لغير ذي بصيرة، وفي هذا التعاطي مع الفكرة والموضوع محاولة يسيرة للفت فكر القارئ تجاه حقائق قد يشوبها شيء من لبس.
قوة الصهيونية تأتي من قدرتها على تنظيم ذاتها واستغلالها لأدنى الإمكانات المتاحة والفرص المتوفرة شبه المعدومة، ونشاطها غير المنقطع في عرض وتوظيف مظلوميتها الخرافية والوهمية عبر التاريخ وفي كل المحافل، وليس أدل على ذلك من توظيفها لـ«السامية» و«الهولوكوست» المزعومتين، وسردياتهما ومروياتهما تطوفان أرجاء العالم بمختلف ثقافاته ومعتقداته.
ضدا لذلك يقف العرب والمسلمون عاقدي أيديهم وراء ظهورهم يفكرون بعمق في حلول ومبادرات مرضية للأطراف، ولا ندري هل هي أطراف صناعية خاصة بالعجز وفقدان القدرة على توظيف الكم المهول من الإمكانات والأدوات والوسائل السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، أم هي أطراف غير معنية يحسب لها العرب والمسلمون حسابات خاصة بكل طرف وبلد ومذهب وحزب؟
في المشهد العام للصراع هناك قوى وكيانات ومؤسسات وأفراد داعمة وقفت وتقف خلف كل طرف من أطراف الصراع «الصداع» العربي -الصهيوني. سنة من سنن أي صراع أو صدام كهذا أن تبرز تحولات ما لدى أيٍ من تلك القوى الداعمة لصالح طرف آخر، وهو بالفعل قائم ومستمر، استطاعت الصهيونية توظيف التحولات الناشئة في بنيان النظام العربي الرسمي وغير الرسمي لصالحها، ومستوى وحجم التطبيع الذي أنجزته مع بعض الدول والكيانات العربية خلال فترة معينة خير دليل وشاهد.
بينما لم يستطع معسكر المقاومة العربية إنجاز إلا اليسير من توظيف بعض التحولات تلك في نسيج النظام الصهيوني ولذات الأسباب التي أشرت إليها والمتمثلة في إهدار العرب لكل الفرص المواتية والتي كان يمكن البناء عليها، وكما يقول آبا إيبان؛ نائب رئيس وزراء الكيان ووزير خارجيته الأسبق: «إن العرب لا يفوتون فرصة في تفويت الفرص».. وإن كان ساخرا إلا أن في العبارة قدرا كبيرا من الحقيقة.. وعلى النقيض من ذلك يحفر صهاينة الكيان الصخر من أجل إرساء مداميك وتشييد دعائم نظامهم الغاصب والمتطرف الذي باعتراف كثير منهم لن يستمر وسيؤول إلى زوال، بناءً على عديد مؤشرات خاصة بهم.
إن الموقف العربي الإسلامي المتراكم والمتخاصم على مدى قرون يعيق بل يقوض موقف المقاومة تاريخيا، بينما يمهد الصعاب ويذلل الظروف أمام تمدد الكيان السياسي الاقتصادي.
خلال ستين عاماً تمكنت الدولة اللقيطة من بناء منظومة علاقات اقتصادية وسياسية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وحتى في المنطقة العربية مع الكثير من «كانتونات» النفط الخليجي وصلت حدودا متقدمة جدا في تطبيع العلاقات، والاستثمار المخطط والموجه من قبل الكيان لتحسين شروط حضوره في المنطقة، وتمكين مستثمريه من الداخل الصهيوني أو الخارج الأوروبي الأمريكي من وضع اليد على ما توافر من موارد تلك البدان، وهناك كم من التقارير الاقتصادية المحايدة المؤكدة لذلك.
خلال ما يقرب من مائة سنة من الحقبة النفطية العربية لم يتمكن العرب ومن خلفهم المسلمون من بناء علاقات استراتيجية مع بعض القوى الدولية مثل روسيا والصين، وحتى بعض دول أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا، لم تتمكن دول «النفط» الخليجية من صياغة موقف موحد واستراتيجي مع فنزويلا ودول «أوبك» من أجل حقوق مشروعة وتاريخية في بيع وشراء سلعة النفط، التي يمكن أن تحسن شروط حضورهم الدولي، ومن ثم مواقفهم في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل مصالحهم أولاً ومصالح شعوب المنطقة ثانياً، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني.
لقد قلبت التكنولوجيا العصر وأفرزت المواقف وأظهرت الحقائق حد أن الفضاءين المفتوحين الواقعي والافتراضي المرتبطين بشبكة المعلومات الكونية قد تمكنا من صياغة مواقف وبناء تحولات أدت إلى خروج المئات من المظاهرات والمسيرات المؤيدة لقضية الشعب الفلسطيني في كل قارات العالم بما في ذلك أمريكا الشمالية وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما لم يتمكن العرب من الإتيان به أو حتى البناء عليه واستثماره.
هناك تأييد تاريخي مهم تشكل في فترات مختلفة من فترات الصراع العربي -الصهيوني، لم يتمكن العرب من التقاط خيوط فعله ونسجها وتوظيفها لصالحهم كذلك، على سبيل المثال كتابات وموقف وصوت «أرنولد توينبي» المؤرخ البريطاني الشهير الذي كتب ملاحم دفاع عن قضايا العرب ومنها القضية الفلسطينية كقضية محورية في الصراع، وأيضاً «نعوم تشومسكي» أحد كبار رجالات الفكر الإنساني العالمي، والذي نافح بقوة فائقة عن القضية الفلسطينية في مؤلفات عدة له، حد نعته بالمعادي الأول للسامية من قبل هراطقة الكيان، وتشافيز الزعيم اللاتيني الكبير الذي جاهد مرارا كي يلقي أحجارا في مياه العرب الراكدة عله يلقى عقلا يفكر ويدا تمتد لتلتقط المبادرة، دون جدوى.
القائمة والأحداث طويلة ومرهقة، والقراءة والرصد والتحليل خناجر ومدى تنغرز في الحلق والخاصرة مع كل لفظة ومعلومة وبيان، إنما في اعتقادي وهجسي أن سيناريوهات غير متوقعة ستعتلي المشهد وتضع حدودا لهذا العبث السافر والمقيت حد الغثيان والقبح.

أترك تعليقاً

التعليقات