تخطيط الثقافة رؤية عامة
 

أمين العباسي

أمين العباسي / لا ميديا -
تنبني صياغة المشهد الثقافي العام لأي بلد ومجتمع على دور المؤسسات الثقافية المختلفة رسمية وغير رسمية (بحثية، علمية، مهنية، إنتاجية، خدمية، أخرى) والذي بدوره ينبني على وعي العاملين بهذه المؤسسات بمهنيتهم تجاه بناء وصياغة المشهد الثقافي بكلياته وجزئياته.
وحتما فإن كل ما سبق يقف بناؤه على قاعدة تعريف علمي شامل وجامع للثقافة، مستلهم لتفاصيل دقيقة في حيثيات أنشطة أي مجتمع يروم صياغة مشهده الثقافي بطريقة علمية، يرتب أولوياته وأدواته من خلالها. في آخر تحديث لتعريف الثقافة الذي تصوغ مضامينه عادة منظمة اليونسكو بصورة دورية، هناك ما يربو على خمسمائة تعريف تلخص باستمرار مفهوم الثقافة محاولة منها أن يكون التعريف جامعا، ومستلهما لكل جزئيات النشاط البشري العام.
الوقوف على الخلاصة لمفهوم شامل جامع ومانع للثقافة -بحسب الاصطلاح الفقهي- هو نوع من محاولة لمغالبة تيار متدفق لعكس مساره أو حتى الانحراف به جهة معينة، وعلى هذا الأساس فإن مختلف التعريفات لمفهوم الثقافة وما يتصل به من سياقات ودلالات ما هي إلا تقريب تكتيكي لتذليل الفهم المشترك تجاه المسألة الثقافية وأسئلتها الشائكة. إن ذلك الكل المركب والمتواشج من العادات والتقاليد والأعراف والقيم والأخلاق وأنماط التفكير والسلوك والنظم الاجتماعية بأبعادها السياسية والاقتصادية والقانونية والمعرفة العلمية بمضامينها الحيوية التفاعلية المنجزة على مداميك الجغرافيا ومساقات التاريخ، الناظمة لذات الفرد والمجتمع ومحيطهما الوجودي، هي ما يستشعر ويدرك من مفهوم الثقافة. في ذات الدلالة التي تعتبر الثقافة من خلالها تراكما لتجارب وخبرات وقدرات وأدوات ومناهج الماضي، إنجازا وإخفاقا هي كذلك صياغة وإدارة للحاضر ورؤية واستشراف للمستقبل بتفاصيلهما الممكنة المرتبطة ببناء الإنسان بناءً تكوينيا نوعيا على مختلف صعد الحياة المتفاعلة كما ونوعا وحركة، قياسية الإنجاز والأهداف.
 * محددات الخطة
- بناء مضامين هذه الخطة على أساس صلب ومتين من الهوية الوطنية كقاعدة بناء للهوية العربية الإسلامية الجامعة، باعتبار درجة ونوعية التحصين اللذين تؤكدهما وتعمل من خلالهما هويتنا الوطنية الراسخة.
- الخلوص إلى مفهوم شامل للثقافة يستوعب مختلف معطيات الفعل والنشاط العام البسيط والمركب للمجتمع اليمني، في كافة مناحي الحياة، في فضاء ممتد من الجغرافيا والتاريخ، يصوغ مفهوم الهوية، ويوازي دلالة الوجود الإنساني للمجتمع اليمني.
- الإقرار المسبق بأن الثقافة معطى حيوي عام يشترك في رسم معالمه وتكوين فضائه المجتمع كله، من خلال منطلقات وأدوات وإجراءات مختلفة متنوعة، متعددة، متكاملة على بعدي الشكل والمضمون، وأن وزارة الثقافة ما هي إلا ضابط إيقاع أو منسق عام لهذا الحراك التفاعلي الواسع.
- إن هذا التصور العام للخطة سيوزع برنامجيا على مستويين:
زمني؛ لعقود، سنوات، أشهر، أسابيع، ومكاني على مستوى المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة ومكاتب المحافظات، وكذا كافة المؤسسات الفاعلة في صياغة المشهد الثقافي الوطني العام لليمن، ومن ثم فإن البرنامج العام لهذه الخطة سيتدفق في مسارين “استراتيجي وتكتيكي” يتعلق الأول بإنجاز المشاريع الثقافية الكبرى طويلة الأجل والإجراءات كالمؤسسات والأجهزة الفنية اللازمة لتطوير وتنظيم الحراك الثقافي العام، بينما يتعلق الثاني بالبرامج الثقافية متوسطة وقصيرة الأمد كورش العمل والمؤتمرات والندوات والمحاضرات الفنية النوعية في مختلف معطيات الحياة الثقافية، والفعل الثقافي النوعي.
 - يتم أولا دراسة جزئيات هذا التصور (الخطة) مع كل جهة على حدة، من الجهات الملحقة بوزارة الثقافة كلٍ بحسب وظيفتها ودورها الفني التخصصي، بما في ذلك النقاش حول ميزانيات تنفيذ البرامج المتعلقة بتلك الجهات وتصوراتها لآليات التنفيذ الفنية البحتة.
* اتجاهات الخطة
1. اتجاهات عوامل النهوض المشترك للأمة: وهي: اتجاه الهوية، اتجاه اللغة، اتجاه العادات، اتجاه التراث، اتجاه التاريخ، اتجاه الجغرافيا.
2. اتجاهات بناء الذات والشخصية اليمنيتين: اتجاه الفرد، اتجاه المجتمع، اتجاه الذاكرة الجمعية.
3. اتجاهات المجال العام والمشترك الإنساني الرحب: السلام والأمن الدوليين، التعايش والتنوع الإثني، الحقوق المشتركة والإرث الإنساني الجامع.
* مسارات الخطة
1. تشخيص المشهد الثقافي العام في البلد، من خلال تشكيل مجموعة مهنية من مؤسسات ثقافية رائدة مختلفة (تابعة لوزارة الثقافة ومستقلة عنها) تقوم بذلك، يصدر عنها تقرير علمي مهني ومتوازن في مختلف أبعاده (مدخلات، معالجات، مخرجات) يسمى “التقرير الثقافي التشخيصي” يعمل على مختلف مسارات وأطر ومؤسسات الفضاء الثقافي العام. على أن يصدر تقرير ثقافي سنوي عام وشامل “دارس ومحلل وموصف” للمشهد الثقافي للبلاد، بمهنية علمية وموضوعية، تحكم العقل وتنأى عن العاطفة.
2. العمل على تشخيص واقع المؤسسات الثقافية التابعة للوزارة كلٍ على حدة، بغية الوقوف على برامج تنشيط وتأهيل مهني خاص بكل جهة، من خلال إشراك موظفيها في مختلف الإجراءات الهادفة إلى تفعيل دور تلك الجهة.
3. العمل على إنشاء مبادرة ريادة الأعمال الثقافية، تهدف إلى تشجيع الاستثمار في المجال الثقافي في مستوياته المختلفة وبالذات الفنون الأدائية (السينما، المسرح، الموسيقى، التشكيل... وغيرها) وحتى الفنون القولية، يمكن أن ينسحب عليها مثل تلك المبادرات.
4. تقييم وتفعيل نظام الملكية الفكرية، والعمل على تأصيله وتطويره محليا.
5. السعي لإنشاء المكتبة اليمنية، المبنية على مرتكزين أو مسارين تأطيريين، على النحو التالي:
- ما كتب عن اليمن، ويتضمن كل ما كتب عن اليمن من قبل الآخرين.
- ما كتب من اليمن، ويشمل كل ما كتبه يمنيون في مختلف نواحي المعرفة، على أن تستند على قاعدة نوعية في أدائها، على مستويات الشكل والمضمون والإجراءات والخدمات.
6. المساهمة مع كل الفاعلين الثقافيين بإنجاز ما يمكن تسميته الدراسات الاجتماعية اليمنية، وبالذات الجامعات التي يجب التوافق معها لتأسيس أقسام أو وحدات دراسات كهذه، تؤسس وتؤصل لعلم اجتماع يمني صرف، بمسارات أنثروبولوجية وإثنوجرافية تاريخية وجغرافية على كامل الرقعة الحضارية اليمنية إنسانا ومادة.
7. إعداد تصور للفعاليات الدينية والوطنية، والسعي إلى تقديم تلك المناسبات بصور وسياقات مختلفة عن السائد والمألوف التقليدي.
8. المساهمة الفاعلة في تنفيذ أنشطة مشتركة على المستويات الإقليمية والإسلامية والدولية، كيوم الشعر والقراءة ويوم المخطوط العربي على سبيل المثال، وأية فعاليات ثقافية إنسانية مشتركة أخرى. على أن يعد تصور لإقرار وتحديد أيام وطنية يمنية خاصة على غرار الأيام العالمية تلك، والعمل على إنجاز مبادرة يمنية بأيام خاصة ببعض الأنشطة اليمنية البحتة، كيوم المدرجات الزراعية مثلا، وهي مسألة غاية في الأهمية لما لتلك المدرجات من بصمة على حياة اليمنيين قديما وحديثا، وهكذا في مجالات أخرى.
9. تعزيز أفق ومضامين ثقافة السلام، من خلال التركيز على بناء قدرات المجتمع المدنية والسعي لإعداد برنامج خاص بالعائدين من جبهات القتال لدى طرفي الصراع، بغية دمجهم في بنية المجتمع المدنية وعدم تركهم عرضة لأفكار وبرامج الاستقطاب المتبادل، أو تحت تأثير حماس الجبهات، كون ذلك سيجعلهم في صراع مستمر مع المجتمع باعتبار دفاعهم عنه سابقا، حسب فهمهم، وهذا يستلزم في حد أدنى إتاحة الفرصة لهم لتقييم وتقويم حركة المجتمع حسب وعيهم.
10. إعداد تصور مستقبلي دقيق وتفصيلي لإنشاء بيوت ثقافة على مستوى المديريات، ضمن مشاريع حقيقية وجادة لرؤية وطنية استراتيجية.
11. التوافق الرسمي على تشكيل مجموعة عمل ثقافي من جهات مختلفة ومتعددة رسمية، وجهات غير رسمية، يصدر بها قرار من رئيس الحكومة، بناءً على تصور فني مبرّر من وزير الثقافة، تحدد فيه بدقة وموضوعية مهام تلك المجموعة ودورها في تشخيص وتخطيط وتحليل وصياغة وتوصيات ومشاريع قرارات وتقارير مهنية تتعلق بالمشهد الثقافي ومتفرعاته.
12. السعي لإقرار مبادرة الاستثمار الثقافي وتخطيط المواقع الثقافية على مستوى المديريات متكاملا وإنشاء بيوت الثقافة، ضمن تصور واضح ومتكامل يستهدف تحقيق المشروعين.

أترك تعليقاً

التعليقات