الصين وأمريكا.. سباق المجهول
 

أمين العباسي

أمين العباسي / لا ميديا -
كان العالم كله ومازال واقفا على قدم واحدة؛ وشاخصة أبصار سكانه إلى مركز الفعل والسباق المحموم بين الصين وأمريكا؛ والذي بلغ حداً خطيراً تمثل ـكما هو واضح- في سباق استخدام السلاح البيولوجي؛ علاوة على التنافس الاقتصادي؛ وأدوات صراعاته، والذي ميز تنافس وتصارع الدولتين اللدودتين كقطبين؛ رغم بروز صراع عسكري فعلي على الأرض طرفاه روسيا وحلف الناتو بقيادة أمريكا؛ ومسرح عملياته الجغرافيا الأوكرانية.
اللجوء إلى جوهر الحياة؛ والتلاعب بالتركيب الكيميائي؛ والبروتينات، والأحماض النووية، لخلايا الفيروسات؛ مسألة غير آمنة الجوانب والعواقب؛ كما يقول بعض علماء المايكروبيولوجي؛ والكيمياء البيوجزيئية حيث سيقود المزيد من العبث بالتركيب الحيوي لتلك الكائنات إلى ما يمكن تسميته بالبرمجة التلقائية الذاتية التي قد تخرج بعض الفيروسات عن نطاق سيطرة الإنسان بما يمتلكه من علم ومعلومات وخبرات علمية خاصة وكثيفة. إن حدث ذلك فإن الإنسان نفسه يكون قد هيأ الظروف والأسباب لعوامل فنائه.
عدد كبير من الدراسات، والأبحاث، والتقارير، العلمية تشير إلى أن "COV.19" ومتحوراته هو نتيجة لهذا العبث؛ وهذا السباق المجهول في الصراع؛ على الرغم من أن جوانب صراع وتنافس أخرى كانت تعتمل بين الدولتين القطبين؛ أبرزها وأعمقها حضوراً هو الصراع الاقتصادي؛ وتفرعاته من أدوات كالدين العام، وحرب العملات، وإغراق الأسواق العالمية بشتى أنواع البضائع، والسلع، ومختلف المنتوجات، بما في ذلك أدوات الاستهلاك البذخي على تفاوت المعايير.
الآن وبعد مرور عام على اشتعال الحرب في أوكرانيا؛ واختفاء شبح جائحة كورونا؛ وظهور فجوات في نظام الدفاعات الروسية؛ واختلالات نسقية وبنيوية في الأطر الاقتصادية؛ والسياسية، والأمنية، وحتى الاجتماعية، في أوروبا؛ علاوة على تصاعد حمى المسيرات؛ ودخول تركيا وإيران على خط إنتاجها وبيعها للمتحاربين هناك؛ كل هذا وغيره من المستجدات؛ والطوارئ، وتنوع عناصر المفاجأة؛ يحتم على كل المتعاطين للشأن العالمي؛ إعادة النظر كثيرا في جل المسلمات التقليدية؛ والنصف حداثية أيضا؛ بغية الوقوف على حقيقة المآلات المحتملة لهذا الكوكب؛ من خلال الوقوف على أرضية صلبة من المنهجية العلمية المحايدة والموضوعية؛ بعيدا عن العاطفة الذاتية؛ ومنهج الرغبة الشخصية؛ في تمني سير الأحداث.
في هذه التناولة؛ سنعمد إلى تحليل موضوعي خاطف؛ لبعض جوانب، وأطراف الصراع، وأبعاده، الظاهرة والمستترة بين البلدين؛ وحلفائهما، وانعكاس تأثيرات ذلك على العالم أجمع؛ ما أمكننا إلى ذلك من سبيل.
في بنيان هرم الاقتصاد العالمي يعد الاقتصاد الأمريكي اقتصاداً مركزياً؛ حيث يحتل المركز الأول في البناء الهرمي لاقتصاد الكوكب؛ ومن ثم فهو عملياً، وموضوعياً، اقتصاد رئيسي؛ تدور حوله وترتبط به اقتصادات؛ فرعية، وثانوية، وهامشية، تشكل مجمل البناء الهرمي للاقتصاد العالمي. هذه المركزية ليست من فراغ؛ ولم تكن أو تقم بفعل الصدفة؛ بل نتيجة جهود عمل دؤوب وكبير لقرون خلت؛ قبل أن يصبح اقتصاد أمريكا على ما هو عليه اليوم؛ تفصله عن غيره الكثير من المستويات؛ والإمكانات، ومن ثم فإن أي اختلالات قد تصيب هذا الاقتصاد؛ ستنعكس بدورها حتماً ومباشرة على كل اقتصاديات العالم؛ كونها مرتبطة به ارتباطاً عضوياً؛ بما يشبه الدورة الدموية للكائن الحي؛ وهذا ما يوضحهُ ويفسره ظهور الفجوات المالية العالمية؛ كالتي هزت العالم في 2008؛ وأعاقت نمو كثير من مؤسسات الإنتاج في الغرب؛ وأوروبا، ما حدا بمسؤولي الدول المركزية كأمريكا وبريطانيا، دعوة دول العالم الأخرى للإسراع في المساهمة في ردم فجوة التمويل تلك؛ وهو ما تحملته دول العشرين؛ وبالذات النفطية منها وعلى رأسها السعودية.
ستُقرأ هذه الفقرة في سياق نظرية المؤامرة؛ وهذا صحيح، لكن صحيحاً آخر مستتراً؛ يتمثل في أن الاقتصاد الأمريكي يفترض به أن يكون قد اندثر من عقودٍ خلت؛ وغابت شمس أمريكا كما خبت قبلها أنوار الاتحاد السوفيتي؛ النقيض اللدود لأمريكا؛ لكن ذلك لم يحصل؛ والسبب هو مركزية الاقتصاد الأمريكي؛ الذي هُيّئَت له ظروف السيطرة والمركزية من قرون؛ بعد أن انتقلت آلة المال والإنتاج ليهود أوروبا إلى أمريكا؛ وشكلت الأخيرة غطاءً سياسياً، وإدارياً، لاقتصاد أخطبوطي مسيطر على العالم أجمع؛ من خلال مؤسسات نقدية ومصرفية، وكذا بورصات، وأسواق مال، وقطاعات إنتاجية متجددة، تتكاثر بصيغ كمية، ونوعية، فائقة؛ جعلت من "وول ستريت" مركزاً ونواةً للهيمنة تلك والتي يشكو منها الكثير من الأمريكيين أنفسهم بمختلف شرائحهم وتوجهاتهم، كما يشير إلى ذلك الدكتور "ديفيدغريبر" في كتابه "مشروع الديمقراطية".
عامل تساوي الدين العام مع الناتج العام الأمريكي؛ كفيل بأن يُصفّر الاقتصاد؛ إنما شبكة التغذية الراجعة؛ ومركزيته المسيطرة؛ أنقذتاه من ذلك؛ وجعلتاه إلى جانب عوامل أخرى؛ يحقق نمواً مضطرداً في كثير من السباقات؛ حفاظاً على، واستناداً إلى معادلة استراتيجية؛ هي أساس السيطرة في اعتقادي؛ والتي قسّمت جغرافيا الكوكب إلى شمال منتج، وجنوب مستهلك، مع استفادة الشمال من كل إمكانات الجنوب؛ في الموارد الطبيعية، والبشرية، وفتحه كأسواق استهلاكية متعددة؛ فائقة الاستهلاك أيضا.
هذه المعادلة هي ما تم التعامل بموجبه، ومن خلاله، مع مختلف دول العالم؛ أو بالأصح مع كل مربع جغرافي على سطح الأرض؛ بحسب "بريجنسكي" في كتابه: "رقعة الشطرنج الكبرى".
يعتقد البعض أن هذا التقسيم جغرافي؛ لشمال وجنوب الكوكب بحدود خط الاستواء. إلى حدٍ ما هذا صحيح؛ لكن في الواقع فإن أساس التقسيم هذا اقتصادي أولاً؛ وشبه جغرافي ثانياً؛ والدليل أن أستراليا جغرافياً جنوب؛ لكنها اقتصادياً شمال؛ وهذا الحال ينطبق كذلك، إلى حد ما، على اليابان؛ التي هي جزء أصيل، وأساسي في هذا التكوين؛ ومعادلاته، وآفاق سيطرته، الاقتصادية؛ وإن كانت سياسياً هامشية نوعاً ما.
قوة اليابان الاقتصادية، تأتي من حجم إنتاجها القائم على الابتكار؛ المستند على سباق المعرفة، والاستغلال الأمثل للعقل البشري على مضمار التنافسية؛ وهي بهذا ومن خلاله أصبحت أحد أعمدة اللجنة الثلاثية؛ التي تضم إلى جانبها أوروبا مجتمعة، وأمريكا الشمالية، بقطبيها كندا والولايات المتحدة.
هذه الثلاثية؛ هي إحدى أهم أدوات، ومرتكزات، النظام الرأسمالي الليبرالي العالمي للسيطرة على كل مقدرات العالم؛ شماله وجنوبه، وحتى غربه وشرقه، دون تفريق أو تفريط؛ بل سيطرة حد الإفراط؛ توازياً مع أدوات ووسائل ومرتكزات سيطرة أخرى؛ أبقت معادلة الشمال والجنوب مستمرة؛ ديناميكية، ونشطة، تعمل على تجديد مضامينها؛ بطرق نوعية وكمية مذهلة؛ دون تلكؤ أو مراجعة؛ سوى النظر إلى قائمة الأهداف المطلوب تحقيقها.
يجزم بعض المؤرخين، والمراقبين لمسار وحركات التطورات العالمية؛ على مدى عقود؛ أن أمريكا هي من خطط للحربين العالميتين أوائل القرن المنصرم، ودخلتهما متأخرة، وجنت منهما كل الأرباح وحيدة دون كل دول التحالف المنتصرة في تلكما الحربين.
قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها؛ وعلى مشارف انقضاء العام 1944؛ عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى جمع 44 دولة من دول العالم معظمها أوروبية.. ويشي الرقم 44 بدلالة معينة في ذهن اللاهوت الكامن خلف ذلك.. جلبت أمريكا تلك الدول؛ لتناقش معها أوضاع ما بعد الحرب؛ وكان المضمون اقتصادياً بحتاً؛ مؤتمراً شبه قسري؛ أسس لأرضية سيطرتها الصلبة على العالم؛ في ما عرف بعد ذلك باتفاقية "بريتون وودز"، تلك الاتفاقية التي جعلت من أمريكا مركزاً ومحوراً يدور حوله العالم كله سياسةً واقتصاداً وعسكرةً وأمناً. في هذا المؤتمر؛ ومن خلال تلك الاتفاقية ظهرت منظومة بريتون وودز الأخطبوطية؛ حيث تضمنت تلك المنظومة مشاريع أبرز أدوات السيطرة الأمريكية؛ متمثلة في الصندوق والبنك الدوليين ومن خلفهما الاحتياطي الفيدرالي، ووراء كل ذلك مظلة دولية مشرعنة لسيطرة أمريكا؛ جسدتها الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة؛ وبطرق وأساليب متنوعة ومتعددة كذلك. كل هذه الأطر والأساليب هيأت العالم لتقبل أن يصبح الدولار العملة المرجعية الأولى في تاريخ الاقتصاد الحديث؛ وغطاءً لحركة طباعة وتداول كل العملات العالمية؛ بدلاً عن الذهب كهدف استراتيجي؛ تبعه بنك أهداف استراتيجية أيضا؛ تمكنت أمريكا عبرها من السيطرة المطلقة على موارد العالم وربطها بآلة مؤسساتها الإنتاجية.
كانت قارة أوروبا أولى القرابين على مذبح النفوذ والسيطرة الأمريكية؛ الدرع الفولاذية لجماعة "وول ستريت"، حيث غلت اليد الأوروبية، بدأ بفصل جديد من فصول استنزافها من خلال مشروع مارشال الذي أوصلها فعلياً إلى محطة ومسمى "القارة العجوز".
أظنني أسهبت في توصيف حالة السيطرة الأمريكية وأخطبوط اقتصادها المتدفق من وإلى مانهاتن بعد عبوره آفاق الأرض كلها.
بالمقابل فإن الصين كديموغرافيا تاريخية تمثل فرس الرهان الجامح في محاولتها الوصول إلى نهاية المضمار؛ هدفها احتلال المركز الأول في اقتصاد العالم؛ كما يسهب في الإشارة إلى ذلك قادتها.
الصين إمبراطورية ذات حضور تاريخي يقدر بآلاف السنين مقارنة بأمريكا التي لم تكمل بعد نصف الألف الأولى من حضورها في التاريخ.
في محطات ودورات تاريخية وحضارية متعددة؛ برزت الصين كإمبراطورية عالمية ذات نفوذ وسيطرة سياسية واقتصادية وعسكرية متفوقة، غير أن تفوقها الحالي ومحاولة كسرها لهيمنة المركز الغربي له مذاقه وعذوبته الفريدة ووقعه الخاص لدى "تنانين" بكين وشنغهاي؛ فقد دشنت مرحلة الانطلاق الحالية من خلال مراحل تمهيدية بدأت أوائل القرن العشرين مع بزوغ نجم الشيوعية العالمية ممثلاً بثورة أكتوبر البلشفية في روسيا؛ واجتياحها للكثير من دول العالم؛ بما في ذلك الصين، حيث دلفت الأخيرة إلى المسرح الشيوعي بثوبها وزينتها ولغتها "الماندرينية" الخاصة، دون أن تنخرط أو تتماهى كغيرها في أتون النموذج السوفياتي؛ الذي يصفه جارودي في كتابه: "في سبيل نموذج وطني للاشتراكية"، بأنه -أي النموذج السوفياتي- أعاق إمكانية تطوير نماذج للاشتراكية متعددة المشارب والرؤى والأدوات في أكثر من بلد؛ غير أن الصين كانت الاستثناء الوحيد في سماء التجربة الاشتراكية حينها؛ فقد ظهرت منذ وهلتها الأولى كحالة ناضجة واعية وجادة لصياغة نموذجها الاشتراكي، عُرف في الأدبيات السياسية والاقتصادية بـ"الماوية" نسبة إلى "ماو تسي تونج" الزعيم الصيني الأحمر، صاحب مشروع الثورة الثقافية والوثبة الكبرى إلى الأمام وهما مشروعان سياسيان واقتصاديان متكاملان متضادان استطاع التنين الصيني أن يضغطهما في بوتقةٍ واحدة.

قفزة الصين الاقتصادية الحقيقية أو وثبتها القوية كانت في بداية العام 1978م، حيث صيغ مشروع الصين الجديدة، وبدأ تدريجياً إطلاق تنانينها الاقتصادية، الواحد تلو الآخر، على يد عالم الاقتصاد العراقي إلياس كوركيس، الذي جيء به من جامعة أوكسفورد البريطانية ليقود غرفة عمليات تحول الصين إلى ظاهرة اقتصادية صاعدة ومنطلقة، كما ورد في بعض التقارير عن الاقتصاد الصيني، رغم الاختلاف بين مؤرخي الاقتصاد حول هذه الجزئية بالذات، لكن المؤكد أنه وبعد العام 1978م بدأت حركة الابتعاث العلمية للدراسة في الغرب من قبل الحكومة الصينية تتضاعف، حتى بات وزراء الحكومة الصينية جلهم "تكنوقراط" بمؤهلات مختلفة من جامعات بريطانية وأمريكية وغيرها.
يوصف الاقتصاد الصيني بأنه اقتصاد شبكي متعدد ومتنوع المصادر والمستويات الإنتاجية، ففي الوقت الذي توجد في الصين مراكز إنتاج كبيرة وضخمة كما هو في أمريكا وأوروبا، يوجد أيضاً تسلسل بنيوي إنتاجي، تتفرع عن هذه المراكز والتجمعات أو تجاورها، حتى تصل إلى نمط الإنتاج المنزلي ونواصي الأرصفة. كما يُنعت بأنه اقتصاد السوق الاشتراكي، حيث يجمع بين اقتصاد السوق الحر والاقتصاد الموجه، وهو بهذا يعد اقتصادا مختلطا (Mixed Economy System) يجمع بين خصائص النظامين الاشتراكي والرأسمالي في صيغة دقيقة التوازن تخدم أهداف البلد الاستراتيجية.
ذاك التنوع والتعدد في الإنتاج يسند بناء الصين الاقتصادي بأسوار ومداميك متينة تجعله أكثر حيوية وتنوعاً، مصاحبةً للكم وكثيراً للنوع، بحسب الطلب.
من حيث الفلسفة النظرية الاقتصادية، هو اقتصاد اشتراكي رأسمالي، اشتراكي في قاعدة هرمه ورأسمالي في بناه الفوقية التالية، مع حضور الدولة مساهمة ومشرفة على مستويات الإنتاج والتخطيط والبرمجة من مصادر المواد الخام وحتى التصدير، مرورا بمراحل المعالجة والتصنيع.
كثافة العمالة ورخصها إلى جانب وفرة المواد الخام، أسهمت كلها في تحقيق ميزة الصين النسبية، وهي ميزة ذات مضامين اقتصادية نوعية في علم الاقتصاد تختلف وتتنوع من اقتصاد إلى آخر ومن بلد إلى غيره.
بحسب العديد من التقارير الاقتصادية الراصدة، وكذا مراكز البحث والخبراء التي تتابع الحالة الصينية، فإن الاقتصاد الصيني يعد أكبر اقتصاد نام خلال الثلاثين سنة الماضية حجماً ونوعاً، حيث تصل معدلات نموه إلى 10%، وهو نمو قياسي مقارنة بالكثير من الاقتصاديات العالمية الكبرى والمتوسطة أو ما دون ذلك.
كانت الصين تحتل المركز السادس في هرم الاقتصاد العالمي خلال الخمس السنوات الأولى للعقد الأول من القرن الحالي، لكنها استطاعت بمثابرة وعزمٍ فولاذيين أن تتجاوز كلاً من اليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، لتحتل في 2010 المركز الثاني مقصيةً اليابان ومتفوقة على كل الدول سابقة الإشارة دون تمييز. خلال عقد ونصف رفعت الصين حجم إنتاجها القومي إلى الضعف، حيث كان في 2008 عند عتبة الـ8 تريليونات دولار، ليستقر الآن عند 16 تريليونا بفارق سبعة تريليونات عن الولايات المتحدة التي مازالت في المستوى الأول عالمياً من حيث الإنتاج القومي العام.
في مضمار التنافس المحتدم بين قطبي الاقتصاد العالمي الصين وأمريكا، استطاعت الأولى أن تكسب خلال سنوات "الماراثون" الأخيرة بينهما العديد من المكاسب، منها على سبيل المثال: توسيع قاعدة حضورها في إفريقيا بصورة لافتة، حيث حققت توسعاً كبيراً ونوعياً مكنها من عقد اتفاقيات نوعية مع العديد من كبريات دول واقتصاديات إفريقيا، على رأسها دولة جنوب إفريقيا، التي أصبحت واحدة من دول مجموعة "البريكس" التي تقودها الصين، ويمثل معسكراً اقتصادياً وسياسياً ناهضاً يوازي الغرب، بعد انسحاب روسيا من جبهة صراع القطبين وتراجعها خطوات للخلف لتفسح المجال للصين كي تقود القطب الند شرقا.
إلى جانب ما سبق، حققت الصين إنجازاً اقتصادياً وسياسياً بفرض "اليوان" وإدراجه ضمن سلة العملات التابعة لصندوق النقد ولجنة السحب الخاصة بالصندوق، وهو تتويج لما عُرف وسمي بحرب العملات التي دارت بين الدولتين القطبين ودول أخرى طيلة عقدين ونيف أثمرت انتصاراً صينياً جوهرياً عزز حضورها السياسي في المنظمات والمؤسسات الدولية، بالذات المالية منها، ما جعل أمريكا تستدعي وتلوح بما يعرف لديها بالدين الإمبراطوري الصيني، وهو دين يقول الأمريكيون: إنه يعود لهم من العهد الإمبراطوري.
توازيا وتناظرا مع هذه الحرب، نشطت حروب أخرى اقتصادية المنشأ بمسميات مختلفة، أبرزها حروب التكنولوجيا، والتي لا أعتقد أن حرب الشرائح أو الرقائق الدقيقة ستكون آخرها، فقد سبقتها حروب تقنية طاغية ومعقدة، كحرب الـ"G5" بين شركة "هواوي" الصينية لتقنية المعلومات والاتصالات وكل شركات الاتصالات وتقنية المعلومات الغربية من أمريكا وحتى آخر نقطة في أوروبا.

حرب الشرائح، تصطف في مشهد الصراع الاقتصادي بين الصين وأمريكا جنبا إلى جنب مع حرب العملات، في توأمة متعاضدة استراتيجيا بلغت ذروتها في الفترة الأخيرة، حيث شكلت أزمة تايوان وحالة التوتر فيها عنوان هذه المواجهة التي كانت على وشك الاندلاع. لا يعلم الكثير أن تايوان كجغرافيا حاضرة في صميم هذه الحرب "حرب الرقائق" باعتبارها البلد الذي ينتج معظم هذه الرقائق، والتي تصمم أصلا في أمريكا.
الصراع من أجل الهيمنة على قطاع أشباه الموصلات سيعيد تشكيل الاقتصاد العالمي، كما يقول العديد من الاقتصاديين.
إذا كان النفط، وعلى مدى أكثر من قرن، قد أشعل حروبا وخلق تحالفات وأثار خلافات دبلوماسية بسبب التدافع من أجل الحصول عليه، باعتباره الطاقة الدافعة للتنمية، فما هو الحال الآن مع تصارع أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم بغية الفوز بمورد ثمين آخر هو أشباه الموصلات ورقائق السليكون، التي تشعل حياتنا اليوم حرفيا، وستظل كذلك حتى يقيض البديل؟
تقع هذه الأجزاء الصغيرة من رقائق السيلكون في قلب صناعة تبلغ قيمتها حاليا 500 مليار دولار، ستتضاعف في الأعوام القادمة. يتحكم بسلاسل صناعة هذه الشرائح وتوريدها شبكة من الشركات والبلدان التي تحمل مفتاح أن تكون قوى عظمى غير مسبوقة.
يرى كريس ميلر، مؤلف كتاب "حرب الشرائح" أن الصين وأمريكا منخرطتان في سباق تسلح من نوع آخر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لكنه يضيف: هناك المزيد في هذا السباق الذي يحدث في كل من المجالات التقليدية، مثل عدد السفن أو الصواريخ...
غير أن سباقا مختلفا، يدور بشكل متزايد، حول جودة خوارزميات الذكاء الاصطناعي "AI" التي يمكن توظيفها في التكنولوجيا العسكرية لإنتاج آلات ومعدات عسكرية متطورة جدا وذكية أيضا، بما يجعلها متفوقة جدا في أداء مهامها حد ابتكار الحلول وبدائل الخطط واتخاذ القرارات في الوقت والمكان الصحيحين وفي زمن قياسي فائق أيضا.
هناك شرائح سليكون دقيقة الصغر، وهي عبارة عن رقائق أصغر بكثير من خصلة شعر الإنسان، وهذه الرقائق الأصغر حجما هي الأكثر قوة بدخولها في أجهزة وبرامج وأنظمة أكثر قيمة وفاعلية في حياة البشرية التقنية حاليا، وعلى مدى المستقبل المنظور فيزيائيا، كونها العنصر الأساس في صناعة أجهزة الكمبيوترات العملاقة وبرمجة الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء.
استطاعت الصين وخلال فترة قياسية بناء منظومة "البريكس" في مواجهة منظومة "بريتون وودز" التي بنتها أمريكا منتصف القرن المنصرم، تحديداً في 1944، وتمكنت بها ومن خلالها أمريكا، إلى جانب تحصينات أخرى، من أن تسيطر اقتصادياً وسياسياً على معظم جغرافيا الكوكب وأغلبية نشاطه الإنتاجي وعلى الكثير من موارده الطبيعية.
وبحسب مراقبين فإن مجموعة "البريكس" التي تضم كلاً من: روسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، إلى جانب الصين وقيادتها للمجموعة، قد حققت إنجازات متقدمة في كبح جماح "بريتون وودز" وأخواتها إلى حدٍ ما، وظهرت كقطب مقاوم ومناوئ في كثير من التصرفات والمواقف والأفعال، على الرغم من حداثة تنظيمها وطراوة آلياتها وأطرها مقارنة بنظيرتها "بريتون وودز".
عسكرياً، تمكنت الصين من مضاعفة ومراكمة أسلحة ذكية ونوعية متطورة ومتقدمة، مستفيدةً مما تسرب لديها من معلومات وبيانات عن منظومات أسلحة غربية خلال العقود الثلاثة الفائتة، وهو ما تم مصاحبةً لتطوير وتنويع قاعدة الاتصالات وتقنية المعلومات الصينية، التي بلغت ذروتها مع تقنية الجيل الخامس، المشتمل على البنى التحتية وتطورها الملحوظ، وكذا البنى الفوقية الناتجة عن هذا التطوير والآيلة إلى تحقيق أهداف استراتيجية، تمثلت في جزء منها في حجم الذكاء الاصطناعي، الذي يعد خلاصة تجربة البشرية العلمية، على الأقل حتى الآن، معتمداً في صورته الجلية الأكثر ذكاءً على المزاوجة في العمل بين خلايا إلكترونية وأخرى حية، وسهولة تبادل المعلومات بينهما على نحو تلقائي طبيعي واعتيادي جداً حد الإبهار.
هناك تماثل بين الصين وأمريكا في بعض جوانب السباق والتنافس، وهناك اختلاف ملحوظ وبالذات للمتابعين والراصدين، يتمثل التشابه مثلاً: في مساحة البلدين، التي تصل إلى تسعة ملايين كيلومتر مربع، بزيادة نسبية ومختلفة لكلا البلدين، إضافة إلى حجم الموارد الطبيعية الخاصة داخل حدود الدولتين، إلا أن تفاوتاً ملحوظاً أيضاً مازال يتحكم في الفجوة الفارقة بينهما، يتمثل في أسبقية أمريكا في المنافسة والسيطرة على الموارد والثروات خارج حدودها، وبالذات في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا، وأخيراً محاولاتها الحثيثة لتعزيز حضورها في إفريقيا، بإنشاء ما عُرف بـ"أفريكوم" القوة العسكرية الأمريكية الخاصة في إفريقيا لمواجهة ومجابهة حضور الصين في هذه القارة.

عامل آخر، ذو أهمية استراتيجية في إبقاء الفجوة دون خلخلة كبرى، حاضر وموضوعي، هو عامل الكثافة السكانية، المتحكم بإجمالي الدخل العام، والمؤثر فيه سلباً وإيجابا، ففي الوقت الذي يصل فيه سكان الولايات المتحدة الأمريكية إلى ثلاثمائة وسبعين مليون نسمة تقريباً، بلغ سكان الصين ملياراً وأربعمائة وخمسة ملايين نسمة، وهي كثافة كبيرة تستهلك وتمتص جزءاً كبيراً من إجمالي الناتج القومي، وتؤثر في الدخل العام للأفراد كمعيار من معايير النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي، والذي بدوره ينعكس على جوانب عدة في قياس المؤشرات التنموية المختلفة، وما يتفرع عنها صعوداً وهبوطاً، حيث بلغت الكثافة السكانية في الصين ما يزيد على 139 نسمة/ كم2 مقارنة بما هو قائم في الولايات المتحدة والبالغ 34 نسمة/ كم2 أي بنسبة (1-4.3) تقريبا.
كما هو في العنوان فإن سباق الصين وأمريكا وتنافسهما اللدود من أجل السيطرة على الكوكب ومقدراته له مزاياه وعواقبه في خدمة البشرية من ناحية، والتعجيل بالتحضير المبرمج لعوامل فنائها من ناحية أخرى، وذلك من خلال التلاعب التقني بمكونات وتراكيب الدقائق الحيوية وعناصر وجزيئات المادة ودقائقها الداخلة في برامج وأنظمة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي فائق القدرة والأداء القياسيين.
تستند صيرورة هذا المجهول على قاعدة ضخمة ومهولة من البيانات والمعلومات والتصورات والأفكار والحقائق والظواهر العلمية المعلومة، التي ترسم وتصوغ ملامح ونماذج بنى المستقبل العظيم، وتحدد مضامينها التي تؤول إلى وتتمحور حول مجهول كوني فائق.
السلاح النووي بترساناته وآلياته الذكية الموجهة، معلوم يقود إلى مجهول حال استخدامه، وهذا ينسحب أيضا على علم الهندسة الحيوية للكيمياء البيوجزيئية وثورة المعلومات والاتصالات وثورة الكم التي تشكل وتصوغ دقائق المادة متناهية الصغر في حدود الجسيمات الأولية وما دونها، والتي بتعاضدها بدأ شكل المستقبل وخارطته البنيوية بالظهور التدريجي على مسرح الفعل، من خلال حدوده الكلية المتمثلة بالهندسة العكسية والواقع الافتراضي وتقنية النانو تكنولوجي وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، الذي بات ينمذج معظم ظواهر مجتمع العلم وأنشطته اليومية، موجها إياها نحو سوق الاستهلاك النموذجي النوعي.
هناك الكثير والكثير مما يمكن أن يقال ويكتب حول فضاء المستقبل وقواعد انطلاقه المنظورة، والذي يعد مسرحا يكتنف معظم تفاصيله الكثير من المجهول وتتصارع فيه دول وشركات وبرامج وعقول تعمل على صياغة المستحيل الذي بات يقترب من الصفر.
أواخر القرن المنصرم بدأت معظم معطيات ذاك الفضاء بالتبلور من خلال كتب وكتابات ومشاريع عمل نظرية وتطبيقية بشرت به، وكانت أغلب الأفكار المتضمنة في تلك الكتابات والمشاريع -حينها- ضربا من الجنون، وفي أفضل الأحوال إيغالا في المجهول جوبهت بالاستهجان والرفض من قبل نخب علمية، وبالذات في حقول الدراسات الإنسانية.
أشير هنا، إلى أبرز مؤلفين، دار حولهما نقاش كبير، أواخر العقد الأخير من القرن العشرين، هما: "عصر الآلة الذكية"، وكتب في العام 1990، و"عصر الآلة الروحانية.. عندما يتغلب ذكاء الحاسوب على ذكاء الإنسان"، وكتب في العام 1997 لعالم الفيزياء وتقنية الاتصالات والمعلومات الأمريكي "راي كريزول" والذي ألمح إلى أن المستحيل -انطلاقا من هذا الفضاء- يكاد يؤول إلى الصفر.
في هذين الكتابين دفق مهول من المعلومات والبيانات والحقائق العلمية حول مستقبل العلم وتقنياته التطبيقية وأهم ظواهره التي ستصوغ مستقبل البشرية برمته، أُنكر واستُنكر الكثير منها كما أسلفت، والسبب في اعتقادي نهوض بنيانها التطبيقي والبياني على قاعدة متينة من علمي الفيزياء والرياضيات المتقدمين جدا، واللذين لا يدرك ولا يسبر أغوارهما إلا صفوة قليلة من مجتمع العلم.
في هذين المؤلفين، تطرق كريزول -بقدر من التفصيل- إلى ما أشرت إليه آنفا، وعرف بالكليات الخمس لمستقبل العلم، وهي: تقنية النانو Nano Technology، الهندسة العكسية Reverse Engineering، الواقع الافتراضي Virtual Reality، الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence، إنترنت الأشياء The Internet Of Things.
بصورة مؤدية سأستعرض خلاصة مضمون الفكرة المتضمنة في الكتابين، والتي أججت النقاش وأثارته بصورة تحد وجودي غير مسبوق. استعرض الكتابان، كما أسلفت، فكرة ومفاهيم علوم المستقبل التي ستنشأ نتيجة لتعاضد ثورات ثلاث هي: ثورة الكم، وثورة الاتصالات وتقنية المعلومات، وثورة الهندسة الوراثية وجوهرها الكيمياء البيوجزيئية، والتي ستؤسس لعلم جديد يقوم على قاعدة توليفية من خلايا حيوية، وأخرى إلكترونية تتبادل فيما بينها المعلومات بيسر وفي فضاء مناسب، تصمم من خلاله روبوتات إلكتروحيوية تعتمد في آلية عملها على خاصية التكامل التوفيقي بين مدرستين، أو منهجين في صناعة الروبوتات، هما: من أعلى إلى أسفل، والعكس من أسفل إلى أعلى، في الأولى يتم تزويد هذه الروبوتات بقواعد مهولة من البيانات والمعلومات وقواعد السلوك المبرمج، بينما تعمل المدرسة الثانية على تدريب الروبوتات تلك تدريبا عمليا يكسبها قدرات خاصة على التعلم ومراكمة المعلومات والخبرات واستيعاب التجارب التي تتعرض لها باستمرار، ومن ثم الاسترشاد بكل هذا لاتخاذ قرارات إزاء ما تتعرض له من مواقف مستجدة وطارئة.

الفكرة الأخيرة بحاجة ضرورية لإسنادها بما تم التعارف عليه -في مجتمع العلم- بخاصيتي المنطق والاستدلال اللتين يمكن تزويد الروبوتات بهما لإكسابها قدرا من الذكاء وصف بالفائق، حيث ستعتمد الروبوتات على نفسها في تقدير المواقف واتخاذ القرارات المناسبة، كما أن هذه الفكرة تستهدف إقامة وبناء مجتمع "روبوتي" يضاهي الإنسان ويتفوق عليه من خلال محاكاة العقل البشري بطاقته القصوى، والتي لم يصل إليها الإنسان واستنهاض قدرات المادة المهولة والفائقة الكامنة في بنية الذرة ونواتها وجسيماتها الأولية، وهذا إن تم سيزاوج بين طاقتين كونيتين تمكنان من السيطرة المطلقة على كافة مقدرات الكوكب، وربما أبعد وأعقد من ذلك. وقد بدأت تباشير بعض أجزاء تلك الفكرة بالظهور مع بواكير بزوغ الذكاء الاصطناعي. أليس بحق أن المستحيل يكاد يؤول إلى الصفر؟ كما يؤكد كريزول، ويعاضده جمهور من العلماء، على رأسهم ستيفن هوكنج وماتشيو كاكو الذي ألف كتابا وعددا من الدراسات العلمية حول فيزياء المستحيل.
أراني كررت في ما سبق لفظة "الفائق" Absolute Hyper، وهذا مبرر باعتبار أن البشرية -كما هو معلوم للبعض- عرفت ومرت بما يمكن تسميته بعصور القوى العظمى (Super Power) في فترات مختلفة من مراحل تطورها، لكنها لأول مرة مع هذا التحول العظيم والجبار بدأت تشكل وتتماهى مع نوع جديد ومختلف تماما من القوة، يمكن وصفها بالقوة المطلقة (Hyper Power or Absolute Power) قسمت العالم إلى مستويين، أو قيمتين "أوج وحضيض".
في الأيام القليلة الماضية عجت وسائل الإعلام بالعديد من الأخبار حول تبادل الصين وأمريكا إجراءات بينهما تتعلق بفرض قيود متبادلة على بعض أنشطتهما الاقتصادية المتبادلة بين الطرفين الخصمين، حيث فرضت أمريكا قيودا على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين، بالإضافة إلى فرضها قيودا صارمة على الشركات الصينية المستخدمة للحوسبة السحابية، مقابل فرض الصين قيودا على تصدير معدني الجاليوم والجرمانيوم إلى أمريكا، واللذين تتحكم الصين بإنتاجهما وإمكانية معالجتهما، حيث تنتج ما نسبته 80% من الجاليوم و60% من الجرمانيوم، مردفة إعلانها ذاك بفرضها فحصاً أمنياً على تطبيقات الذكاء الاصطناعي الواردة إليها من أمريكا.
تلك الإجراءات ليست الأولى من هذا النوع، فقد سبقتها العديد من الإجراءات المتبادلة بين البلدين تصب في ذات السياق الرامي إلى محاولة البلدين الخصمين حصار بعضهما، ووضع قيود وشروط ومعايير ضريبية وجمركية على استيراد وتصدير سلع بعينها بين الدولتين العظميين.
خاتمة المناورات، ما سربه إعلام أمريكي حول تراجع الاستثمارات الصينية من 100 مليار دولار إلى 20 مليارا خلال هذا العام، وهو العام الذي كانت الصين أعلنته عام الاستثمار. وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن الاستثمارات الأجنبية هربت من الصين بسبب أجندة بكين المتخوفة من الخارج، وكذلك إجراءات الرئيس الصيني السياسية. وهنا تكمن ضرورة مراعاة أن مصدر التسريب هو الإعلام الأمريكي، وهو طرف غير محايد على الأقل، يسترعي من المتلقي أخذ الحيطة تجاهه في قضايا كهذه، رغم أن هذا التسريب قد يكون صحيحا، كون مختلف البلدان لديها مشاكل وإخفاقات اقتصادية، وحتى ديون، والصين واحد من هذه البلدان، غير أن الخبر المنقول عبر هذه الصحيفة أورد في ذات السياق أن سياسة الصين غامضة، وهو أمر يلقي كثيرا من الشكوك حول مضمون الخبر رغم إمكانية حدوثه. الحرب الإعلامية لا تقل أهمية وأثراً عن رفيقاتها السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية.
روسيا هي الأخرى دخلت مضمار السباق التكنولوجي، حيث قامت مؤخرا شركة "Spire" الروسية للتكنولوجيا بإنشاء روبوت خاص بالمحادثة يسمى "غيغا تشات" مقابل "تشات جي بي تي" روبوت المحادثة الأمريكي، الذي قامت بإنشائه شركة (Open AI) كما أن شركة جوجل (Google) قامت بإطلاق روبوتها الخاص المسمى "بارد" Bard. تعتمد كافة روبوتات المحادثة تلك اعتمادا كليا على تقنية برامج الذكاء الاصطناعي، وهذا يعني أن اصطفافا عالميا كبيرا بين قطبي الصراع يحاول أن يثب آخذاً كافة احتياطاته وأدواته اللازمة لخوض تلك الحرب.
هناك مخاوف مهولة في أوساط المراقبين الأوروبيين بالذات من دخول روسيا مضمار سباق الذكاء الاصطناعي، خشية أن ينتقل استخدامه إلى ترسانة السلاح النووي الروسي، الذي قد ينذر بكارثة إنسانية مع تصاعد وتيرة الحرب الأوكرانية الروسية، وإرسال أمريكا للذخائر العنقودية إلى أوكرانيا، كل هذا بتواتر إيقاعاته السريعة يؤكد على اقتراب البشرية من حافة المجهول المحتوم، إذا لم يكن للعقل منطقه في تسوية مختلف الصراعات التي تمر بها حتى اللحظة.

أترك تعليقاً

التعليقات