القراءة.. الكتابة.. الدلالة
 

أمين العباسي

أمين العباسي / لا ميديا -
القراءة مقرونة بالكتابة، وبين السياقين يستقيم بناء الدلالة شامخاً، حيث نشأت القراءة بعد اكتشاف الكتابة، وهذه جدلية وجود فكري، بمعنى أن العمليتين مرهونتان ببزوغ فجر التفكير الإنساني الأول الذي بدأ تلمس طريق المعرفة بغية تحليل الظواهر المحيطة بالإنسان نفسه، وكذا الذات الإنسانية، ومكنوناتها كإحدى الظواهر المزمع فهمها. جدلية القراءة والكتابة هي بمعنى ما جدلية الذات والموضوع، حيث تعد القراءة عملية ذهنية صرفة، بيمنا الكتابة تجمع بين النشاطين الذهني التجريدي والعضلي الحسي.
الكتابة بناء رمزي عميق يستند معماره وينهض على قاعدة موضوعية جاهزة تتمثل في بنية الحرف كوحدة بناء أساسية للمفردة التي بدورها تشكل وحدة بناء الجملة، وهكذا ينمو علم الدلالة من خلال وحدة وجود بنيتي الحرف والمفردة.
الأساس في عمليتي القراءة والكتابة هو هذا البناء الرمزي المشار إليه في الفقرة الآنفة، حيث يبدأ الفعل الدلالي من بنية الحرف من خلال شكله المرسوم وإيقاعه الصوتي، فكل حرف في كافة اللغات المقعدة ذات البناء الأبجدي يقوم على جذري الشكل والصوت، وهو أول مستويات الدلالة، لكن المعنى مضمر هنا.
يتجسد المعنى شكلا ومضمونا في بنيان المفردة، حيث تشكل هذه الأخيرة محصلة فعلية لمجموع الشكل والصوت لمختلف الحروف المكونة لها. فمثلا لفظة «وردة» تتكون من أربع وحدات بنائية هي نفسها الحروف المكونة لها (و + ر + د + تاء مربوطة) والحرف الأخير في هذه اللفظة المفردة، المتمثل بالتاء المربوطة، له مضمونه الدلالي الإضافي في اللغة العربية، باعتبار أنه ناتج عن الأصل (ت) لكن يختلف شكله كليةً، ويختلف نطقه نسبياً في منزلة متأرجحة بين الهاء والتاء حسب حركة النطق النهائية الواقعة عليه. بالعودة إلى بناء هذه المفردة يتضح عمليا أنها تتكون من المحصلة الإجمالية لأشكال وأصوات الحروف المكونة لها دلاليا، والمفضية إلى المعنى مضمون هذا البناء الدلالي. الوردة هنا وحدة كلية يحيل ذكرها ذهنيا إلى دلالة تجسيدية خارج حدود البناء الرمزي للحروف المكونة لها، فأول ما يتبادر للذهن عند سماع لفظة «وردة» هو شكل الوردة ولونها أو ألوانها المختلفة وكذا رائحتها وما يرتبط به من ذكريات خاصة بكل شخص متلقٍّ. وفي هذا السياق الأولي تختلف قدرة كل فرد على التعاطي الفكري مع الظواهر والمعارف باختلاف ثقافته وتحصيله العلمي الأساس... منهجية القراءة تعكس منهجية الكتابة، فالشخص الذي يمتلك منهجية خاصة في القراءة تتجسد من خلال مساق منهجي تدريجي في الإلمام المعرفي في كل فرع من فروع المعرفة، على شكل قراءة مكثفة ومركزة في ذلك الفرع المعرفي، يمتلك قدرة منهجية على عكس ذلك في الكتابة، من خلال البناء والتفكيك والتحليل المعرفي لكل محصلاته العلمية السابقة، وصياغتها في قراءاته الكتابية التالية والخاصة به ككاتب، وربما كباحث، ومنظر إن جاز التعبير.

أترك تعليقاً

التعليقات