جنوب وبعد!
- توفيق هزمل الثلاثاء , 30 ديـسـمـبـر , 2025 الساعة 6:29:44 PM
- 0 تعليقات

توفيق هزمل / لا ميديا -
السيطرة الإماراتية على جنوب اليمن جزء لا يتجزأ من مخطط («إسرائيلي» -أمريكي) أكبر يطلق عليه «الشرق الأوسط الجديد». والمقصود بـ»الجديد» هنا هو إعادة صياغة معادلة الأمن الإقليمي بالمنطقة العربية، والتي كانت تعتمد بالأساس على التواجد العسكري الأمريكي الكثيف الذي يطوق المنطقة.
ومع تراجع النفوذ الأمريكي، خصوصاً في الجانب الاقتصادي لصالح قوى جديدة على رأسها الصين، قررت أمريكا إعادة صياغة استراتيجيتها العسكرية على المسرح الدولي، بحيث تركز على تأمين الأمريكيتين لمنع تغلغل النفوذ الصيني بها، وكذا تأمين محيط الصين وتطويقها عسكريا.
هذا الأمر يتطلب إعادة صياغة معادلة الأمن الإقليمي في «الشرق الأوسط» لإيجاد معادلة جديدة تضمن استمرار الهيمنة الأمريكية بدون تواجد عسكري أمريكي كثيف، هذه المعادلة ترتكز على إسناد الدور العسكري والجيوسياسي في السيطرة على المنطقة إلى الكيان الصهيوني، ونتيجة إشكالية الديموغرافيا «الإسرائيلية» وعدم توفر أعداد كبيرة من الجنود، وكذا عدم قدرة الكيان على نشر قواته في المنطقة بسبب الحساسية التاريخية أو العداء المتجذر لدى شعوب المنطقة تجاه «إسرائيل»، برزت الحاجة إلى إيجاد وكيل للكيان ليكون الغطاء للتحرك الصهيوني، وجرى اختيار الإمارات للعب دور الوكيل للكيان الصهيوني.
وكانت استراتيجية التحرك قائمة على استثمار نتائج «الفوضى الخلاقة» و«الربيع العبري»، والتي ولدت نزعات انفصالية وحزازات قبلية ومناطقية. وفي حين أسندت عملية تفجير المنطقة وتفكيكها إلى جماعة الخونج المتأسلمين فإن عملية استثمار نتائج التفجير يجب أن تدار بشكل مباشر عسكريا واستخباراتيا من قبل الكيان الصهيوني المتدثر بالعباءة الإماراتية.
لذا نشطت الإمارات في أفريقيا واليمن لضمان إحاطة وتطويق المنطقة والسيطرة على المنافذ البحرية والممرات التجارية بها، من خلال استراتيجيتين، الأولى: تشكيل وتدريب مليشيات انفصالية. والثانية: السيطرة على الموانئ عبر بوابة الاستثمار.
حتى الآن نجحت «إسرائيل» في بناء طوق عسكري شبه كامل حول المنطقة يبدأ من ليبيا غربا مرورا بالسودان وتشاد وإثيوبيا وحتى الصومال إلى جزيرة سقطرى وجنوب اليمن، وفي الشمال تمت السيطرة على سوريا، ولم يتبق سوى بؤر صغيرة تتمثل في السيطرة على لبنان وإريتريا وإسقاط أو تطويع سلطنة عِمان.
الأزمة الحالية بين المملكة والإمارات هي مجرد انعكاس للخلافات بين السعودية و«إسرائيل»، حيث كانت المملكة تسعى للعب دور الشريك الاستراتيجي للكيان في تأمين المنطقة تمهيدا للانسحاب الأمريكي، وكانت بوابة الشراكة تعرف بـ»صفقة القرن».
لكن الكيان تملص من إعطاء المملكة دور الشريك، وقرر أن يلعب دور شرطي المنطقة منفردا باستخدام الغطاء الإماراتي.
الآن، المملكة في وضع لا تحسد عليه بعد أن بذلت جهودا كبيرة واستثمارات هائلة مع إدارة ترامب لإعطائها دور الوصيفة الثانية على الأقل في معادلة الأمن الإقليمي، ولكنها خرجت بخفي حنين عندما فشلت في دفع أمريكا للضغط على قوات «التدخل السريع» في السودان، فلجأت إلى باكستان لاستقطاب خليفة حفتر في ليبيا وفشلت المحاولة، وإذا بها تتلقى صفعة في جنوب اليمن بسيطرة «الانتقالي» على الجنوب.
السعودية لا تملك ترف الدخول في صدام مباشر مع وكلاء «إسرائيل» في جنوب اليمن، فمهما كانت علاقتها قوية بإدارة ترامب فلن تكون أغلى عند الأمريكان من «إسرائيل».










المصدر توفيق هزمل
زيارة جميع مقالات: توفيق هزمل