محمد محمد السادة

السفير محمد محمد السادة / لا ميديا -

قد يكون من السهل على الإدارة الأمريكية (الديمقراطية) التي أعطت الضوء الأخضر لتحالفها لشن العدوان على اليمن أن تُعطي الضوء الأحمر لإيقاف العدوان لاسيما بعد فشلها الذريع عسكرياً، ولكن سيكون من المستحيل على الإدارة الأمريكية فرض حلول سياسية لا تتسق مع معطيات الواقع الجديد الذي فرضته صنعاء، فما لم يتمكن تحالف العدوان من تحقيقه على مدى 6 سنوات مستخدماً آلته العسكرية المدمرة وجحافل المرتزقة وفرضه حصاراً شاملاً، سيكون من المستحيل عليه تحقيقه عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية.
مثَّل الدفاع عن النظام السعودي جوهر إعلان الحرب على اليمن، وكذا إعلان إيقافها، فما طرحه الرئيس بايدن من توجه لوقف الحرب على اليمن مع الالتزام بالدفاع عن النظام والشعب السعودي، لا يختلف كثيراً عن طرح إدارة الرئيس السابق أوباما التي شنت العدوان على اليمن عام 2015 بدعوى الدفاع عن السعودية وشعبها الذي لم يطلهُ من اليمن أي أذى، فكم عدد المدنيين السعوديين الذين قتلوا أو جرحوا جراء العمليات العسكرية التي قامت بها «قوات صنعاء» رداً على جرائم التحالف السعودي ـ الأمريكي؟ فيما كان ما تدعيه الإدارة الأمريكية من دفاعها عن السعودية وشعبها على حساب تدمير اليمن، وحياة الآلاف المدنيين اليمنيين الذين سقطوا كشهداء أو جرحى جراء الصواريخ والقنابل الأمريكية التي طالتهم في الأسواق والمدارس والمستشفيات والطرقات، بالإضافة لحصار الملايين ومنع دخول الغذاء والدواء والمشتقات النفطية، والتسبب بأسوأ كارثة إنسانية، كل ذلك بدعوى الالتزام بالدفاع عن النظام السعودي وحماية شعبها! وبذلك يكون كلا الرئيسين بايدن وأوباما وجهين لسياسة أمريكية واحدة، وإن صح توجه إدارة الرئيس بايدن لتصحيح مسار السياسة الخارجية الأمريكية لإدارة ترامب، إلا أن هذا المسار الجديد يبدو مُتسقاً مع المسار الذي تبنته الإدارة الديمقراطية للرئيس السابق أوباما والتي عمل فيها بايدن كنائب للرئيس.
لم يمتلك النظام السعودي أكثر من ترحيبه بإعلان الرئيس بايدن العمل على إيقاف الحرب على اليمن، إذ يوفر هذا التوجه مخرجاً للنظام السعودي من مستنقع اليمن الذي استنزفه عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، حيث يمر النظام السعودي اليوم بمرحلة هي الأضعف منذ تأسيس المملكة، فهو مهزوم عسكرياً ومُتعسر اقتصادياً، وأصبح ذا سُمعة سيئة سياسياً، كما يمتلك سجلاً قذراً حافلاً بأسوأ انتهاكات حقوق الإنسان تجاه مواطنيه، وارتكاب أبشع الجرائم الإنسانية بحق الشعب اليمني، مقدماً بذلك أسوأ نموذج للسقوط القيمي والأخلاقي في التاريخ الحديث للبشرية.
كما أن التزام بايدن بدفاع الولايات المتحدة عن السعودية جاء مُعبراً عن عُمق علاقات التحالف بين الطرفين، ومراعياً لظروف المهمة المحورية الحالية المُوكلة للنظام السعودي في قيادة المنطقة نحو عملية التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وتسخير طاقاته وعلاقاته لدفع الدول العربية والإسلامية للتطبيع، وتحويله الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى مجرد مظلة لشرعنة التطبيع، بالإضافة لجهوده في عملية البناء لتحالف جديد في المنطقة بقيادة «إسرائيل» لاستهداف محور المقاومة عبر سياسة الاحتواء والتطويق، وملء الفراغ الناجم عن التوجه الأمريكي لتقليص تواجده العسكري المباشر في المنطقة.
مصداقية الالتزام الأمريكي بحماية السعودية وأمنها أصبحت محل تشكيك، فصنعاء وفي إطار انتقالها لمرحلة الردع الاستراتيجي أثبتت أن لا ضمان لأمن السعودية إلا بأمن اليمن، وما الضربات بالصواريخ الباليستية والطيران المُسير على الأهداف العسكرية والحيوية في العمق السعودي إلا شاهد يدحض مزاعم الحماية الأمريكية، ويؤكد ضعف كفاءة منظومة دفاعات الباتريوت في التصدي لتلك الضربات؛ كضربة «أرامكو» عصب الاقتصاد السعودي، التي أوقفت أكثر من نصف الإنتاج السعودي من النفط، كما أن الحدود السعودية المترامية مع اليمن شاهد آخر على الانكشاف الأمني وهاجس سعودي مؤرق، كونه ورقة بيد صنعاء التي أثبتت قواتها قدرات وتكتيكات عسكرية فائقة للتوغل في العمق السعودي، حيث تروي مشاهد حُطام الكثير من دبابات الإبرامز ومدرعات البرادلي الأمريكية المتناثرة في العمق السعودي بطولات المقاتل اليمني الذي لا يُقهر، فالخسائر السعودية في العديد والعتاد تتجاوز الإحصائيات المُعلنة بأضعاف كبيرة لدرجة يبدو معها أن الرياض باتت تخشى أن تفرض القدرات العسكرية المتنامية لصنعاء واقعاً جغرافياً وسياسياً جديداً مستقبلاً.
توجه إدارة بايدن لإلغاء تصنيف مُكون أنصار الله كمنظمة إرهابية لا يعدو عن كونه انتصاراً للمصالح الأمريكية بعيداً عن أكذوبة الوضع الإنساني الكارثي وتأثر عمل المنظمات الدولية، وتدفق المساعدات لشعب مُحاصر منذ 6 سنوات بقرار أمريكي، فقرار التصنيف الذي يُعد مخالفاً لمعايير التصنيف الأمريكية للمنظمات الإرهابية، وقُوبل برفض وتحفظ دولي، هذا القرار جاء في إطار القرارات الارتجالية غير المدروسة، والكيد السياسي لإدارة الرئيس ترامب المهزوم في الانتخابات الرئاسية ضد الإدارة الجديدة لبايدن.
كما أن إلغاء التصنيف سيسمح للمبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركنج المُعين مؤخراً بالتواصل مع «حكومة صنعاء» التي يقودها مُكون أنصار الله والتي يقع تحت إدارتها 70٪ من سكان اليمن، كما يعكس تعيين ليندركنج كمبعوث خاص عدم وضوح الرؤية المُفصلة للإدارة الأمريكية في تعاملها مع الملف اليمني، ويُثير التساؤلات عن طبيعة مُهمة المبعوث الجديد في ظل وجود البريطاني مارتن غريفيتث كمبعوث أممي لليمن وجهوده التي أفشلتها دول تحالف العدوان.

صنعاء وسقف التنازلات لإحلال السلام
تضمن خطاب بايدن دعم الولايات المتحدة للوقف الفوري لإطلاق النار في اليمن من قبل مختلف الأطراف وفتح قنوات العمل الإنساني، وهو الأمر الذي لا بد أن يرافقهُ صدور قرار دولي من مجلس الأمن يدعو لرفع الحصار الشامل غير المبرر، وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، ويستوعب المعطيات الجديدة ويُمهد لخوض المفاوضات، وهذا هو المحك الحقيقي الذي يُترجم الدعم الأمريكي الذي أكده بايدن.
في الوقت الذي أصبح تحالف العدوان بقيادة النظام السعودي، وكذا المجتمع الدولي أكثر استيعاباً للمعطيات الجديدة التي فرضتها صنعاء عسكرياً وسياسياً، لاتزال عقلية الرئيس المنتهية ولايته هادي وحكومته الضحلة رهينة لمرجعيات أضحت غير قابلة للتطبيق لإحلال السلام في اليمن، كقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، ومحادثات الكويت، أو المرجعيات التي تستند على الوضع قبل العام 2015، كما أن توجه الأمم المتحدة لإشراك مزيد من الأطراف الداخلية في عملية المفاوضات التي تقودها يهدف لتعقيد الوضع من خلال خلق اعتراف بحقوق ومصالح غير مشروعة لتلك الأطراف الجديدة كـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي يُطالب بتمثيله في المفاوضات بوفد يُمثل توجهاته الانفصالية، الأمر الذي سيُصعب عملية التوصل لاتفاق نهائي.
صنعاء التي رحبت بشكل حذر بالتوجه الأمريكي تؤمن أن إنهاء العدوان والحصار، وتحمل دوله مسؤولية عدوانها والجرائم التي ارتكبتها في اليمن، بالإضافة لالتزامها بإعادة الإعمار لما دمرتهُ، وتقديم التعويضات وجبر الضرر، هو المدخل المُنصف لأي مشروع سلام تنعم به اليمن وجيرانها، كما تؤكد صنعاء أن الشعب اليمني هو صاحب الكلمة الفصل لأي اتفاق سلام في اليمن من خلال الاستفتاء عليه، ولن تسمح بتمرير أي مشاريع تتحدى إرادة الشعب اليمني مثل التقسيم أو الانفصال، لاسيما وأنها تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي التي تؤكد على وحدة اليمن.
التوجه الأمريكي المباشر نحو صنعاء يُمكن قراءتُه بأنه توجه استراتيجي لتجزئة ملفات المنطقة لمحاولة تحقيق اختراق أكبر في كل ملف على حدة، مع محاولة استغلال وجود أي نوع من تقاطع المصالح بين مختلف الملفات، وإن صح مثل هذا التوجه، فالربط أو فك الارتباط بين الملف اليمني والملف النووي الإيراني على سبيل المثال لن يُضعف الموقف التفاوضي لصنعاء أو طهران، وسيصطدم بالمواقف الثابتة والمستقلة.
ختاماً، ستظل صنعاء تمُد يد السلام العادل والمشرف الذي يُلبي تطلعات ملايين اليمنيين، ورغم أنها لا تثق بالإدارة الأمريكية الجديدة ومصداقية قراراتها المتأخرة لإنهاء العدوان والتوجه نحو جهود إحلال السلام في اليمن، إلا أنها تتعامل بإيجابية مع دعوات السلام بغض النظر عن مصدرها، مع إيمانها بأن الصمود واستكمال استعادة ما تبقى من مناطق محتلة في مأرب والحديدة وتعز وبقية المناطق اليمنية هو الرهان الحاسم لوقف العدوان وطموحاته في الالتفاف على مشروع العزة والحرية والاستقلال، لذا فهي تخوض معركة النفس الطويل التي بإذن الله سينتصر فيها اليمانيون بأصالتهم وثقافتهم وحضارتهم الضاربة جذورها في أعماق التاريخ على أولئك الأعراب الطارئين على التاريخ، وأسيادهم الأمريكان الطارئين على المنطقة.

أترك تعليقاً

التعليقات