محمد محمد السادة

السفير/ محمد محمد السادة  / لا ميديا -
تأتي زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة العربية، والتي تُعد الأولى منذ توليه الرئاسة، في إطار محاولة إعادة تكريس المصالح الأمريكية في المنطقة، والحد من ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً جراء وقف روسيا إمداداتها من الطاقة لأوروبا على خلفية تداعيات عملياتها العسكرية في أوكرانيا، لاسيما وأن واشنطن قد فشلت في تعويض النقص في إمدادات الطاقة العالمية عبر دول مثل فنزويلا وإيران. وتُعد زيارة بايدن إلى السعودية هي المحطة الأهم في جولته، التي شملت كيان العدو الصهيوني المحتل والضفة الغربية، حيث تكشف زيارته للسعودية زيف ادعاءات الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي تسقط دائماً أمام المصالح الأمريكية، حيث تراجع الرئيس بايدن عن موقفه الرافض للقاء أو الحديث مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالإضافة لتراجعه عن تهديداته للنظام السعودي التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية للرئاسة، التي قال فيها إنه سيجعل السعودية تدفع ثمن عملية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، التي يُعد فيها ولي العهد محمد بن سلمان المسؤول الأول وفق نتائج التحقيقات المنشورة للاستخبارات الأمريكية، كما وصف بايدن السعودية  بأنها منبوذة.
تهديدات بايدن لم تصمد كثيراً، فقد اضطُر قُبيل زيارته للمنطقة لكتابة مقال في الصحيفة التي كان يكتب فيها خاشقجي، وهي صحيفة "واشنطن بوست"، موجهاً مقاله للداخل الأمريكي في محاولة منه لتبرير موقفه الجديد من النظام السعودي وتأكيد التزامه بتعهداته الانتخابية على صعيد ملفات السياسة الخارجية، لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية النصفية المزمع انطلاقها في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، والتي ستكون بمثابة استفتاء على أداء إدارة الرئيس بايدن، ومستقبل بقائه في البيت الأبيض، في ظل تراجع شعبيته وفق استطلاعات الرأي الأمريكي، نظراً لفشله في إدارة عدد من القضايا، مثل مواجهة تفشي وباء كورونا (Covid-19)، ومعدلات التضخم التي وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ 40 عاما، حيث بلغت 9 بالمائة، ومع ارتفاع الأسعار...
البيان الصادر عن البيت الأبيض عشية اليوم الأول لزيارة الرئيس بايدن للسعودية كشف عن النتائج المُعلنة للزيارة، التي جاءت متوجة لعدد من التفاهمات والاتفاقات المشتركة بين البلدين، التي سبقت الزيارة، وهي توحي بدور إقليمي أكبر للسعودية. ولعل أبرز التفاهمات هو التعاون في مجال أمن الطاقة والتزام السعودية بدعم توازن سوق النفط العالمية، وتصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بزيادة إنتاج السعودية من النفط إلى 13 مليون برميل. كما حققت الزيارة مزيدا من التطبيع والتقارب السعودي مع كيان العدو الصهيوني في إطار المساعي نحو دمج وقبول هذا الكيان في المنطقة العربية، حيث سبق زيارة بايدن للسعودية زيارة وفد يهودي أمريكي ضم رجال أعمال وشخصيات يهودية مطلع الشهر الجاري تموز/ يوليو، مع موافقة السعودية على فتح مجالها الجوي أمام رحلات الطيران من وإلى كيان العدو الصهيوني، ليكون بايدن أول رئيس أمريكي يتجه في رحلة جوية مباشرة من كيان العدو الصهيوني إلى السعودية.
وفيما يخص إيران، وبالتزامن مع تصريحات المبعوث الأمريكي إلى المحادثات النووية روبرت مالي بأن إيران تملك من اليورانيوم ما يكفي لصنع قنبلة نووية خلال أسابيع، أبدا الرئيس بايدن خلال زيارته تجاوباً مع مخاوف وهواجس حلفائه في المنطقة، وفي مقدمتهم كيان العدو الصهيوني والسعودية والإمارات من إمكانية التوصل لاتفاق في الملف النووي الإيراني، حيث أكد بايدن التزام الولايات المتحدة بالدعم الكامل لتمرير مقترح كيان العدو الصهيوني الذي يستهدف محور المقاومة وفي مقدمته إيران، عبر تشكيل حلف دفاع إقليمي يدمج الدفاعات الجوية لعدد من دول المنطقة المتحالفة مع العدو الصهيوني الذي أصبح أكثر استعداداً  لتزويد دول عربية بأنظمة دفاع جوي صهيونية مثل نظام الليزر المُسمى "الشعاع الحديدي"، وذلك في إطار إقامة منظومة إنذار جوي مُبكر، وهو الأمر الذي يُمهد لإمكانية قيام العدو الصهيوني بعمل عسكري ضد إيران ومنشآتها النووية بتنسيق مع حلفائه.
وفي ملف اليمن يعتبر الرئيس بايدن أن تأسيس الهدنة القائمة في اليمن هو إنجاز دبلوماسي أمريكي، وامتداداً لذلك فقد تضمن بيان البيت الأبيض حول نتائج زيارة بايدن للسعودية التزام البلدين بتقديم كل ما هو ممكن لتمديد الهدنة القائمة في اليمن، ودعم الوساطة الأممية للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار والانتقال للعملية السياسية، مع تأكيد التزام واشنطن بمساعدة المملكة لحماية أراضيها وتقديم الدعم العسكري في مجال أنظمة الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة.
تدرك واشنطن والرياض أن الفشل في تمديد الهدنة في مثل هذا التوقيت تهديد مشترك لكلا البلدين، كونه يُمثل فرصة سانحة لقوات صنعاء لتكرار عملياتها النوعية براً أو بحراً، من خلال ضرب منشآت النفط السعودية وتعطيل إمدادات الطاقة العالمية، وهو ما يقتضي أن تكون صنعاء جزءاً من الاتفاق السعودي - الأمريكي الذي تم بشأن إمدادات الطاقة، وذلك في إطار توظيف صنعاء للمعطيات الراهنة التي قد لا تتكرر على المستويين الإقليمي والدولي، من خلال الدفع بإنهاء العدوان والحصار على اليمن، لاسيما وأن تسوية ملف اليمن يُعد أحد تعهدات بايدن للناخبين الأمريكيين، كما يُعد ورقة أمريكية مهمة لإعادة ثقة الرياض بواشنطن. ضف إلى ذلك أنه لا ضمان بعدم تأثر إمدادات الطاقة السعودية بكمياتها الحالية للسوق العالمية دون اتفاق مع صنعاء، ناهيك عن مطالبة واشنطن للرياض بضخ كميات إضافية من النفط، الأمر الذي إن تم سيكون له أثر إيجابي في إعادة ثقة الناخب الأمريكي بالرئيس بايدن وحزبه، لاسيما خلال الانتخابات النصفية القادمة.
يُدرك الرئيس بايدن، الذي يطمح لفترة رئاسية ثانية، أن إخفاقاته الاقتصادية، أو تراجعه عن تعهداته في ملفات السعودية واليمن وإيران، ستكون محل توظيف الحزب الجمهوري خلال الانتخابات النصفية، لذا فإدارة بايدن بحاجة لتحقيق إنجازات تُخفف وطأة الأعباء الداخلية التي تواجهها، وبالتالي يُمكن أن يُشكل إنهاء ملف الحرب على اليمن مدخلاً أمريكياً لتجاوب سعودي جاد مع طلبات بايدن، لاسيما ما يخص إمدادات الطاقة، مع ضمان صنعاء عدم استهداف تلك الإمدادات، وهذا يُحقق مصلحة أمريكية، ومن شأنه أيضاً استعادة شعبية بايدن وتجنيب حزبه الديمقراطي خسائر الانتخابات النصفية.
كما أن إنهاء الولايات المتحدة الحرب على اليمن من شأنه إعادة التحالف الاستراتيجي بين واشنطن والرياض إلى المسار الجديد الذي تريده واشنطن، كما يحد من استمرار التقارب السعودي - الصيني، لاسيما عسكرياً، حيث يمنح إدارة بايدن مشروعية استئناف صادرات السلاح إلى الرياض، بما فيها الأسلحة الهجومية التي سبق أن تعهد بايدن بوقف تزويد السعودية بها، وهو الأمر الذي دفع الرياض للتوجه عسكرياً نحو الصين التي أصبحت أكبر مستورد للنفط السعودي مع احتمال التوجه نحو دفع الصين لفاتورة النفط السعودي باليوان الصيني بدلاً من الدولار.
ختاماً: لا شك أن طريقة المصافحة الخاطفة بين محمد بن سلمان وبايدن تختزل الكثير من الفتور في علاقات البلدين، وإن كانت نتائج الزيارة إيجابية على المستوى الإعلامي، فمن غير المتوقع أن تحصد الإدارة الأمريكية ثمار الزيارة بالشكل الذي تُريده، فجدية الرياض في تجاوبها مع طلبات واشنطن تعتمد على مدى جدية واشنطن في تلبية مطالب الرياض، لاسيما في الملفين اليمني والإيراني، وسيتضح ذلك أكثر خلال المرحلة القادمة. ومهما يكن حجم الصفقة الفعلية بين الرياض وواشنطن، هل تنجح الرياض بألا يكون ذلك على حساب مصالحها المتنامية مع بكين وموسكو، وأن تتعاطى بحذر مع إدارة بايدن التي سبق أن خذلتها عسكرياً وسياسياً في ملفي اليمن وإيران؟!

أترك تعليقاً

التعليقات