عملاء.. وبالمجان!
 

وليد مانع

وليد مانع / #لا_ميديا -

كثيراً ما زعمت وتزعم الولايات المتحدة الأمريكية أنها «راعية الديمقراطية في العالم»؛ بل كثيراً ما يردد هذا بعض المفتونين بالزيف الأمريكي، من العرب وغيرهم!
«راعية الديمقراطية» هذه لم تتورع يوماً في دعم كل الأنظمة الدكتاتورية في العالم مادامت خادمة لمصالحها!
«راعية الديمقراطية» هذه لم تتورع حتى في إخضاع مكالمات الأمريكيين أنفسهم للرقابة!
«راعية الديمقراطية» هذه تضيق حتى بتغريدة في «تويتر» أو منشور في «فيسبوك»!
الحقيقة أن «رعاية الديمقراطية» ليست الزيف الأمريكي الوحيد. «الجيش أو القوة العسكرية التي لا تقهر» هي أيضاً زيف... من فيض!
لعل «المستنقع الفيتنامي» هو الحرب العسكرية الحقيقية الوحيدة التي خاضتها الولايات المتحدة. عدا ذلك، ورغم ما تمثله فيتنام بالنسبة للأمريكيين، فإن الولايات المتحدة لا تقاتل إلا من وراء جُدُر.
غالباً، لا تخوض الولايات المتحدة إلا إحدى معركتين: إما معركة شبه محسومة بدءاً كما حدث بغزو العراق، وإما معركة (صارت) شبه محسومة كما في الحربين العالميتين.
لقد انتظرت الولايات المتحدة حتى أُنهِكت أطراف الحربين العالميتين، أما قبل ذلك فانتهزت الفرصة لتجمع ما يقارب نصف ثروة العالم، مما كانت القوى المتحاربة قد نهبته من شتى أنحاء البسيطة.
وفي غزو العراق، كان نظام صدام حسين أضعف كثيراً من أن يصمد، سواء بالنظر إلى وضعه الداخلي، أم بالنظر إلى وضعه في محيطه الإقليمي. وفوق ذلك، حرصت الولايات المتحدة منذ البداية على ألا تخوض تلك المعركة وحيدة، بل بتحالف دولي عالمي شمل قوى عظمى إلى جانبها.
قبل ذلك كانت الثورة الإسلامية الإيرانية (1979)، وكان أحد أبرز توجهاتها التحرُّر من الاستعمار الغربي بكافة أشكاله (المباشر، أو بالوكالة التي مثّلها نظام الشاه). لذا فقد كان حتماً للثورة الإسلامية أن تصطدم –أول ما تصطدم– مع القوى الاستعمارية بزعامة الولايات المتحدة؛ فكانت الحرب العراقية الإيرانية (1981-1989)، إحدى الحروب بالوكالة، التي خاضتها الولايات المتحدة بغيرها.
لم ينقضِ الكثير من الوقت بعد حرب السنوات الثماني تلك، التي انجرَّ إليها نظام صدام حسين ضد الثورة الإسلامية الإيرانية، حتى انجرَّ إلى حرب أخرى؛ لكن هذه المرة كانت فخاً نارياً أمريكياً التهم النظام العراقي، والعراق ذاته، بل أكثر من ذلك.
كان غزو الكويت هو الفخ، وكان مبرراً كافياً في البداية. أما بعد ذلك فقد كان على الولايات المتحدة اختلاق ما يبرر لها احتلال العراق.
نقلت (CNN) عن «شاهدة عيان» بعض «شهاداتها» على ممارسات الجنود العراقيين في الكويت، قائلة: «لقد رأيتهم يضربون امرأة ويقتلونها، بقروا بطنها وأخرجوا جنينها، ألقوه بعنف على رصيف الشارع حتى تهشمت جمجمته»!
كان ذلك كافياً لتوفير غطاء من الرأي العام الغربي المؤيد لحرب إسقاط نظام متوحش يسمح لجنوده بمثل هذه الممارسات، وفوق ذلك يمتلك «أسلحة دمار شامل»!
عدة سنوات بعد ذلك واعترف سياسيون أمريكيون بأن «أسلحة الدمار الشامل» تلك لم تكن سوى أكذوبة أمريكية غربية لتبرير الحرب على العراق واحتلاله. أما «شاهدة العيان» فلم تكن إلا «بنت السفير الكويتي في واشنطن، التي لم تكن قد عرفت وطنها منذ طفولتها» (روجيه جارودي: العولمة المزعومة، ترجمة: د. محمد السبيطلي).
بإسناد من دوائر إعلامية عربية (وخليجية على وجه الخصوص)، كانت الآلة الإعلامية الغربية قد شنت حملة شعواء لإقناع الجميع بوحشية النظام العراقي وما يمثله من خطر على المنطقة والعالم. تم احتلال العراق، وإسقاط نظامه، وحل جيشه، وإباحته لمرتزقة الشركات الأمنية الأمريكية والصهيونية والغربية...
جميعها كانت أراضي عربية –خليجية غالباً– تلك التي انطلقت منها الآلة العسكرية الغربية لاحتلال العراق. وأعلنت إيران منذ البداية موقفها الرافض للحرب الأمريكية على العراق.
وبعدها بثلاث سنوات فقط، خاضت المقاومة اللبنانية معركة ضروساً ضد الاحتلال الصهيوني، حققت فيها نصراً قومياً ابتهجت به الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.
هنا تولدت الحاجة إلى حملة إعلامية جديدة، ولكن في الاتجاه المعاكس. وهذه المرة لم يكلفهم ذلك سوى مسرحية هزيلة، إخراجاً وأداءً، تعرض لحظات إعدام صدام حسين.
مقطع الفيديو ذاك لم يجعل من صدام حسين بطلاً قومياً عروبياً فحسب، بل منح الاحتلال الأمريكي صك براءة من دمه ومن دماء العراقيين! لقد كان كافياً لتغشية العيون، ولتتجه أصابع الاتهام نحو إيران وحلفائها (المقاومة اللبنانية تحديدا)!
ربما كان المؤسف في الأمر أن ينطلي ذلك كله على «النخب» العربية، الثقافية والإعلامية والسياسية؛ لكن الحقيقة المرة التي كشفتها تلك الأحداث أن «النخب العربية» لم تكن سوى أكذوبة، بل أمريكية.
لم ينتبه الكثيرون لهذه الحقيقة التي كان قد نبه إليها محمد حسنين هيكل منذ وقت مبكر؛ حين قال إنه في خضم الصراع العربي - «الإسرائيلي» قدّم العرب من التنازلات أكثر مما كانت أمريكا و»إسرائيل» تتوقعان.
اليوم نلمس أكثر من كل ذلك، في مواقف «النخب العربية»، المتشددة من جهة مع كل محاولة لمعارضة أو مقاومة الامبريالية العالمية بزعامة واشنطن، والمؤيدة من جهة أخرى، أو المتواطئة على الأقل مع كل ما من شأنه خدمة المصالح الغربية الأمريكية والصهيونية... وبالمجااااااااااان!

أترك تعليقاً

التعليقات