حرب بالأفيون!
 

وليد مانع

يطل من شاشة فضائية (العربية الحدث) أو (سكاي نيوز العربية)... ومن الرياض أو إسطنبول... وموصوفاً بالخبير الاستراتيجي... ليقول إن الحرب الدائرة اليوم في اليمن هي حرب لأجل الحرية!
لا بأس؛ ولكن أي حرية تقصد يا هذا؟! بل وما الذي يعرفه مثلك عن الحرية؟!
هل هذا الحشد وهذه القوات السعودية والإماراتية... وما تخوضه من حرب وقتال، وما تبذله من دماء وأموال، كل هذا لأجل حريتك؟!
بل أنا أقاتل لأجل حريتي، وهي تقاتل لأجل مصلحتها... والعدو مشترك.
حسناً؛ فما هي مصلحتها هذه التي تلتقي مع حريتك ولا تشكل تهديداً لها؟!
في ستينيات القرن الماضي، خاضت السعودية حربها في اليمن، لا في سبيل إعادة الإمام، الذي أطاحت به ثورة سبتمبر المجيدة، وإنما في سبيل إخضاع اليمن... ولقد تخلت المملكة عن الإمام وتصالحت مع اليمن الجمهوري الذي أعلن الخضوع لها عقب انقلاب 5 نوفمبر 1967، لتتوج حربها تلك بمصالحة العام 1970.
هل تلك إذن هي الحرية التي تقاتلون لأجلها؟! وهل الوطن الذي تقاتلون لأجله ليس سوى حريات أفراده؛ هذا على افتراض أنكم ستحصلون عليها فعلاً؟!
لعله أمر طبيعي أن نلمس هذا ومثله لدى أولئك المفتونين بالحداثة وما بعدها، والليبرالية والنيوليبرالية وغيرها من بضائع الفكر الغربي، الرأسمالي والكومبرادوري...
لكن أن نجد بين اليساريين، الثوريين والديمقراطيين، الأمميين والقوميين... من يجعل الحريات الفردية هي كل همه (تغدو الظواهر فوق ما نعتاد)(*)، فكيف إذن وهؤلاء يرون في النموذج الأشد وضوحاً وتطرفاً في امبرياليته ورجعيته وقروسطيته، وأقصد النظام السعودي، حليفاً جديراً بالانقياد له وتحت لوائه في حربه لأجل (حرية) اليمني، حتى وإن كان الثمن هو حرية اليمن!
أن يعجز أدعياء اليسار هؤلاء عن التمييز بين حرية اليمني وحرية اليمن، أو أن يقدموا الأولى على الثانية، فإن الأمر يغدو شبيهاً بالفكر الديني!
وإذا كان الفقهاء والمشائخ قد جعلوا الدين أفيون الشعب، فإن مشائخ القوى الرأسمالية الاستعمارية قد جعلوا الحرية أفيون النخب!
لا غرابة إذن، أن يطل آخر، من هذه الفضائية أو تلك... ومن الرياض أو القاهرة... وموصوفاً بالخبير... ليقول إنها حرب بين المسلمين وبين المجوس، أو بين العرب وبين الفرس!
(*) من قصيدة (أي كائن هو آخر القتلة)، للمرحوم الأستاذ أحمد قاسم دماج.


موقع لاء الأخباري / وليد مانع

أترك تعليقاً

التعليقات