الوظيفة العامة الخيار الأخير
 

أحمد العماد

أحمد العماد / لا ميديا -
الملاحظات:
في استعراض بسيط لنسبة موظفي القطاع العام من عدد سكان أكبر اقتصاديات العالم (الولايات المتحدة)، نجد عدد السكان (333) مليوناً، منهم (3,361,942) موظف قطاع عام، أي نسبة (1%) من عدد السكان. بينما في الجمهورية اليمنية عدد السكان (31,773,686) للعام 2023، منهم (2,265,447) موظف قطاع عام، أي نسبة (7%) من عدد السكان!
هذا مع تجاوز فارق الموارد والاقتصاد بين الحكومتين والبلدين، اللذين ليسا محل مقارنة بأي حال من الأحوال، إذ تنبئك هذه النتيجة المفجعة -غير الدقيقة أصلاً- بأنه حتى لو بلغنا -بمعجزة إلهية ما- نسبة (1%)، فمازلنا في ظل النسبة غير المنطقية وغير الصحيحة.
هذا الوضع هو الوضع غير الصحيح منذ ستة عقود يستفحل عقداً بعد آخر، وهو في عهد العدوان والحصار أكثر استفحالاً، والوظيفة العامة بوضعها الإجمالي المكلف للحكومة، وعائدها الفردي المجحف للموظف، السبب الرئيسي الماضي والحاضر لكل شكل من أشكال الفساد المالي والإداري والفني... إلخ، وهو المستقبل إن ظل الوضع كما هو.
وهذه إيرادات الدولة بأفضل أوضاعها (عدا نزرا يسيرا مبالغا في أثره: عائدات النفط والغاز)، ويشكل القطاع الخاص الفرصة الرافعة الوحيدة، مهمل ومتروك هدفاً لسياسات الجبايات والرسوم العقيمة المتعاقبة منذ عقود ستة لا تسمن أو تُغني من جوع، لم يُلتفت من قبل الحكومات اليمنية المتعاقبة لما يمثله من فرصة اقتصادية تنموية مهملة، وموقعه بجانب الحكومة المفترض والصحيح، كشريك فاعل في صناعة القرار الاقتصادي وسياساته حتى تحقيق الأهداف الوطنية التنموية.
لا يصح أن تستمر النظرة التقليدية القاصرة للقطاع الخاص وكأنه غريب عن هذا الوطن وترابه، وتركه هدفاً لجبايات ورسوم لا جدوى تتحقق منها، دون تفعيل دوره الحيوي التنموي كرافعة اقتصادية محلية ناجحة، تملك من الخبرات المتنوعة والمتراكمة والقدرات المالية ما يؤهلها لتحقيق قفزات تنموية غير مسبوقة فيما لو وضع بموضعه الصحيح اللائق بالدور الوطني المفترض له.
يقول السيد العلم في محاضرته الرمضانية بتاريخ 11 رمضان 1440هـ: "التعليم بحاجة إلى تطوير. التعليم غير مُجدٍ. إقبال الشباب على المعاهد المهنية ضعيف. النظرة العامة توجه نحو التوظيف الإداري. شعب بأكمله يريد شبابه أن يكونوا في المكاتب إداريين".

التوصيات:
الإصلاحات الإدارية التي تجري هنا أو هناك بأي تسمية كانت في دهاليز حكومتنا "الرشيدة"، بعيدةٌ عن مسار رأب الفجوة الصحيح.
فالمعادة المختلة في الأساس هي الإيرادات الحكومية المتواضعة، (ناهيك عن الهدر والإسراف، وتكلفة العدوان والحصار، التي يُفترض مقابلتها بترشيد الإنفاق) أمام تكلفة تشغيل أجهزة ووزارات الدولة وكادرها الوظيفي الفلكي نسبة لعدد السكان وحجم الموارد، ناهيك عن تكاليف الصيانة والمشاريع الجديدة ونحوها... إلخ.
الدولة بحاجة إلى ترشيد الإنفاق والهيكلة الرشيقة لأجهزتها ووزاراتها وكادرها الوظيفي، حتى تنضبط المعادلة بنسبها ووضعها الصحيح الملائم، ولن يتأتى لها ذلك بمواردها المتواضعة أصلاً حتى في زمن السلم، إلا بالتحالف والشراكة الفعلية مع القطاع الخاص الوطني بدءاً بصناعة القرار الاقتصادي وسياساته، وحتى إفساح المجال للقطاع الخاص ببناء مشاريع التنمية في إطار موجهات وطنية جامعة متفق عليها، لاستيعاب الكادر الوظيفي الفائض في تلك المشاريع التنموية.
أقول: تحالف شراكة فعلية وإفساح المجال بترك الخبز لخبازه، في إطار موجهات وطنية متفق عليها تُرسي مبدأ التنافس العادل وتفسح المجال للجديد وتأخذ بيد الاقتصاد الاجتماعي نحو النجاح والتطور. غير هذا مجرد خبط عشواء وتكرار لتجارب أثبتت فشلها في اليمن تحديداً، ناهيك عن التجارب العالمية.
لا بُد أن تصبح الوظيفة العامة آخر خيار يُمكن أن يُفكر فيه الخريج، لكثرة خياراته المتاحة في القطاع الخاص. هذا وهذا فقط خياركم الوحيد (كما نص المنطق). إعقلوها أو تخبطوا ما شئتم. لن يتم إلا به، طال الأمر أو قصر، بكم أو بغيركم.
وبالله التوفيق.

أترك تعليقاً

التعليقات