احذروا «البهلوانات»!
 

عبدالملك سام

عبدالملك سام / لا ميديا -
يقول شوبنهاور: «كل الأوغاد -للأسف- مؤنسون ولطفاء المعشر!». هذا الكلام، وإن بدا غريباً، إلا أن تاريخنا مليء بهؤلاء (الأوغاد) الذين وُجدوا دائما بقرب الحكام والوزراء وكبار المتنفذين في كل عصر ودولة، وسوّدوا بأفعالهم صفحات التاريخ، وإن كانت تلك الأفعال ارتبطت بأصحاب السلطة أكثر مما ارتبطت بهم؛ كون تلك الأفعال تذكر وتنسب لزمان «فلان» دون ذكر من أشار أو أثر فيها. ومن هؤلاء الأوغاد من كان ظريفاً، كسعيد قراقوش، ومنهم من كان شيطاناً، كالحجاج الثقفي.
هناك من سيسأل عن ماهية الخطأ في وجود هذه النماذج طالما وهم يتصفون بالظرف كما ذكرنا سابقاً! والإجابة على هذا السؤال يا سادة يا كرام تكمن في الاطلاع على تاريخهم المليء بظلم العباد، والنتائج الكارثية التي أدت فيما أدت إلى نكبات كبرى في مسيرة الحياة. فهؤلاء الظرفاء استطاعوا أن يكونوا قريبين من صاحب القرار المستأنس بهم؛ ولكنهم كانوا قساة على الرعية، وبسبب قربهم من الحكام والولاة استطاعوا أن يمرروا أحكاما أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها «عوجاء» وظالمة، أدت إلى ضياع الحقوق، وضياع الثروات، وضياع صاحب السلطة «المقعّي» أيضا!
الملفت للنظر أن معظم هؤلاء «البهلوانات» عاصروا أكثر من حاكم ودولة؛ فمثلا: يذكر أن قراقوش -الذي يُضرب به المثل في أكثر الأحكام المعوجة اعوجاجا- أنه عاصر دولتين (الفاطمية والأيوبية)، وقرابة الستة حكام! كما أنهم جريئون، وسريعو البديهة، ويبدون واثقين من أنفسهم، ولديهم قدرة كبيرة على الإقناع، لذا ارتبطت أسماؤهم بمشاريع «كبرى» في شكلها؛ ولكن هذه المشاريع البراقة هي نفسها التي أدت لانهيار الدول، بسبب تكاليفها الباهظة، وآثارها المدمرة على البلاد والعباد! وخير مثال حاضر اليوم مشروع «الترفيه» الذي يديره «الظريف» تركي آل الشيخ في مملكة بني سعود، ولو بحثنا في أي دولة ظالمة لوجدنا هذه النماذج موجودة بكثرة!
باختصار، ما أود قوله مخلصا صادقا، لكل مسؤول أو صاحب قرار: أبعدوا مهرجيكم عن اتخاذ القرارات، وتوخوا الصدق والعدل في قراراتكم بعيدا عن تأثير هؤلاء، واتخذوا بطانة من الصالحين وإن كانوا ليسوا ظرفاء كهؤلاء البهلوانيين؛ ففي كل مشروع، أو شركة أو مؤسسة أو وزارة، ستجدون نماذج مصغرة لهؤلاء الظرفاء الذين يسعون للتقرب منكم، ثم لن يلبثوا أن يقربوا لكم البعيد، ويبعدوا عنكم القريب؛ فهم كاذبون خبثاء انتهازيون... لن تصلح البلاد ويرتاح العباد إلا بالعدل والصدق والتناصح والتعاضد، ويكفينا ما نراه من مصائب دهماء بين الحين والآخر بسبب هؤلاء الظرفاء المؤنسين المضحكين! والله من وراء القصد.

أترك تعليقاً

التعليقات