صعـــــــدة
- عبدالباسط السلامي الجمعة , 1 يـونـيـو , 2018 الساعة 12:10:59 AM
- 0 تعليقات
عبدالباسط السلامي / لا ميديا
سوى الله في عليائه.. وسوى أدخنة الحرائق تتصاعد أعلى وأعلى لتسدّ كلّ أفقٍ بأمواج ليلها الحالك البهيم، وسوى ألسنة لهبٍ هنا وهناك تزركش جسد المكان بانتظام، وتشقُّ طريقها وسط جبال لدخان/ الغبار/ الظلام... ولا تغادرُ رُكناً في المدينة ولا زاويةً في المكان، ولا تؤجّلُ أو تستثني متراً واحداً مربعاً في جغرافيا المحافظة - بكل مديرياتها وعُزلها وأحيائها - من نواثير النار ومواقد الفحم البشريّ الطارئ أو المنسيّ، كمظلومية صعدة، وعذابات صعدة، وأحزان صعدة، وإنسان صعدة.. وكل وجع الكون المتململ هنا بكلّ كبرياء صعدة.. فلا يوازيه ولا يدانيه سوى هذا الحقد الكوني، والهمجية الكونية، والتوحش الكوني، والتحالف الكوني، والجحيم الكوني المصبوب على صعدة!
سوى الله في عليائه.. و... لا شيء يلوح في أفق صعدة.. ولا بارقة تتراءى في فضاءاتها المخنوقة وسمائها الموصودة والمرصودة والمسدودة بأمهات سقر وبنات السعير وغربان الحضارة المطعون في شرف إنسانها ومُخْرجاتها ومراكزها، والمشكوك -على طول الخطّ- في انفلاتها عن عصور الحجر وعقول التّتر وآكلي لحوم البشر.. وركوعها نُظُماً وأنظمةً لنزوات وشره وصفاقة وخواء مسوخٍ بلغوا أدراك توحشِهم بعلوم المادة وأعلى الشهادات العلمية، وآخرين بلغوها لأنهم لم يبارحوها فازدادوا فيها سقوطاً وعمىً وعنصريةً وتعالياً..
سوى الله، لا رجاء لبشر صعدة أن يلمحوا في اتجاه السماء غيمةً أو قمراً أو حمامة سلام..
وفي أفق عيون أطفال صعدة لا أفق ولا سماء ولا سحاب ولا سقف بيتٍ ولا لحظة هدوءٍ ليتطلّعوا أو يحدّقوا أو يروا أو يتلمّسوا..
تعاضد خزيُ الدنيا، ليُطْبق الوجومُ المدوي على هذا الحيز وهذه المساحة من جغرافيا اليمن، ولاحق أهلها وأبناءها حيثُ ذهبوا..
صبوا عليها أحقادهم وعنصرياتهم وحصارهم وخرابهم ودمارهم واستعلاءهم، وأعلنوها محافظةً مُدانةً وجريمةً بكل ما هي ومن فيها وما عليها.
ما أكثر وأعمق جراحاتها، ولا يُسمعُ لها أنين! فما أصمّ خصومها! وما أغفل المصطفين معها في معركة الصمود اليماني عن موازاة آلامها.. وهي لا تكاد تئن أو تكاد تبين!
أسهم كبرياء أهلنا فيها في اعتيادنا القفز على جروحها واللامبالاة لاختناقها.. كما أسهمتْ ثقتُنا في عظمة المحافظة وجدارة تأكيد رمزيتها، ويقينُنا في إخلاصها وتساميها عن الاستجداء وعن طلب الأجر من أحدٍ ولو بالثناء مقابل تضحياتها...
وأسهم استهداف المعتدين الممنهج والمتكالب إعلاماً وتصريحات وبألسنة المسترزقين بدم وحضارة وأرض وعرض اليمن من أبنائه اليمنيين الذين باعوا أنفسهم للشيطان وللعدوان...
ولكن هذا التجاهل يتجاوز حدود التعريف، ويفوق قدرات التعليل..
فسلام لك يا صعدة الصبر والصمود والتضحية والكبرياء..
و... صعدة تعرف أكثر من خصومها ومن أحبابها، أن جرح اليمن واحد، وهدف العدوان كتم أنفاس البلد، كل البلد، وذبح روح وحياة اليمن كل اليمن.
(ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
المصدر عبدالباسط السلامي
زيارة جميع مقالات: عبدالباسط السلامي