خطأ كارثي مستمر
 

خليل العُمري

خليل العمري / لا ميديا -
مازلت عند موقفي بأن القبول بالمبعوث الأممي كوسيط بيننا وبين السعودية خطأ كارثي مستمر، لأن مهمته كما هو منصوص عليها في قرار تسميته عام 2011 هي رعاية التسوية بين الأطراف اليمنية وليس التوسط بيننا وبين السعودية التي لم يبدأ النزاع معها إلا بعد 4 سنين من صدور القرار.
إن قبولنا بهذا الدور للمبعوث الأممي وفر للعدو فرصة الانسحاب السلس من موقع العدو الذي أشعل الحرب وكان المبادر إليها وسببها الأول إلى موقع الوسيط الذي يتلقى الشكر على لسان المبعوث في كل مناسبة وحتى من غير مناسبة على ما يسميه دعم جهود التسوية والتقريب بين الطرفين.. لاحظوا «الطرفين»!
لقد اتضح منذ وقت مبكر أن مبعوثي الأمم المتحدة ليسوا أكثر من مدراء تسويق للأجندة السعودية في اليمن، ولا أدري لماذا واصلت صنعاء ومازالت تواصل التعاطي معهم كوسطاء مع الرياض رغم أن ذلك، وبحسب الأعراف الدولية، يقع خارج مهمتهم، وأكثر من ذلك يلحق ضررا بالغا بالمصلحة الوطنية من حيث إنه يمنح العدو في المحصلة النهائية وأمام العالم كله، صفةً (وسيط) غير صفته (طرف) وصك براءة من دماء اليمنيين.
وإذا تتبعنا بيانات الأمم المتحدة على ألسنة مبعوثيها من بداية العدوان سنجدها تتجاهل الإشارة إلى انسحاب القوات الأجنبية أو إعادة الإعمار ودفع التعويضات حتى لو تم بحث هذه البنود على طاولة التفاوض وتضمينها مشروع الاتفاق، لأن الإشارة إليها لا تخدم هدف السعودية في الظهور بمظهر الوسيط، بل والراعي للتسوية.
إن بيان المبعوث الأممي هذا، ترمومتر خبيث لقياس نبض صنعاء وقابليتها لالتقام الطعم ومن ثم جرها من فضائها السياسي والعسكري الواسع الذي اقتحمته مؤخرا إلى حفرة ضيقة وانتكاسة فاضحة تنحدر بها في عيون أمتها العربية والإسلامية وقبل ذلك في عيون شعبها الصامد، من موقع البطل الذي حاصر «إسرائيل» ومنع سفنها وجميع السفن الذاهبة إلى موانئها من المرور في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، بل وبرز لمنازلة أمريكا وغيرها من القوى الكبرى إن هي حاولت حماية السفن «الإسرائيلية»، إلى موقع المتسول الصغير الذي يستجدي من السعودية السماح لعدد أكبر من سفن الوقود والبضائع بالوصول إلى موانئه، كما هو مثبت في خارطة الطريق التي تحدث عنها المبعوث الأممي والتي من بين بنودها كما قال «مواصلة تخفيف القيود عن مطار صنعاء وميناء الحديدة».
بل إنه وإمعانا في الإهانة والتبني الكامل للخطاب السعودي لم يتحدث عن رفع فوري لجميع القيود المفروضة على حركة السفن إلى ميناء الحديدة، وهو ما كان سيقدم مخرجا يحفظ للرياض ماء وجهها، وإنما يحاول هو والسعودية إراقة ماء وجوهنا بالحديث عن استعداد العدو لـ»مواصلة» التخفيف من القيود المفروضة.. لاحظوا «مواصلة»! أي برنامج من خطوات طويلة لا نعلم متى ستكتمل، يعيد الرياض إلى كرسي المتصرف المانح، ويرجع صنعاء إلى موقع المنتظر المسترحم.
إن أي قبول بأي بيان أو تصريح أو خارطة طريق يندرج فيها ميناء الحديدة كبند للتفاوض، هو قبول قبيح وساذج وانهزامي بالتضحية بكل المنجزات والمكاسب التي انتزعها شعبنا وقواته المسلحة ومجاهدوه في التصنيع العسكري بكل حنكة واقتدار، واستجابة سخيفة وغير مبررة لرغبة مرضية عند عدو جبان في مواصلة إذلال شعبنا العظيم والتسلط عليه، ستأتي على كل ما حققته صنعاء من مكانة سامية في قلوب أبناء اليمن وأحرار العالم، بل وستقوي وتؤكد مزاعم الأعداء وأذنابهم التي ما انفكوا يرددونها بأن عمليات صنعاء العسكرية ضد الكيان الغاصب التي تنفذها في البحار «ليست أكثر من ضجيج فارغ» و«عنطزات مسرحية» يسعى بها الأنصار إلى تلميع صورتهم وكسب التعاطف في أوساط السذج من العرب والمسلمين، وها هم بعدما أزبدوا وأرعدوا زاعمين أنهم قد أقفلوا البحار في وجه إسرائيل يولون وجوههم شطر الرياض مستعطفين بأن تفتح للسفن طريقا إلى موانئهم، لأن من يزعم استعداده لمنازلة أمريكا وغيرها من القوى العظمى في سبيل كسر الحصار عن الغزاويين لا يعجز أو يتهيب منازلة من هو أضعف منها لكسر الحصار موانئه.. أليس كذلك؟! بلى.
من هنا فإن السكوت عن تصريح المبعوث أو القبول بأي خارطة طريق يندرج ميناء الحديدة فيها كبند للتفاوض يجب ألا يكون أبدا، فالحصار البحري على موانئنا قد انطوت صفحته تلقائيا وتجاوزته الأحداث، وننتظر من صنعاء رسالة مختصرة وواضحة وقاطعة إلى العدو: «ميناء الحديدة لم يعد بندا في أي مفاوضات، وفي حال اعترضتم أي سفينة قادمة إليه، سنقصف سفنكم العسكرية والتجارية وكل سفينة مبحرة إلى موانئكم، خاصة ميناء جدة الذي تستقبلون عبره 75% من وارداتكم».

أترك تعليقاً

التعليقات