قبل أن تحتضر الثورة
 

يوسف صلاح الدين

يوسف صلاح الدين / لا ميديا -
تعيد إدارة الدولة بالشللية إنتاج مراكز قوى جديدة أو ترث المراكز القديمة بوجوه وأسماء جديدة، فهي تعمل -في البدء كجزر معزولة- على مراكمة النفوذ والمزايا السلطوية وتتغربل بالصدامات البينية منتجةً هرمية سلطوية تتربع على رأسها النخبة الأقوى وتأتلف مكوناتها في طور متقدم حول «عقد اجتماعي» غير منظور ولا معلن ينظم علاقاتها ببعضها البعض ويحدد حصص وأحجام النفوذ والسيطرة في ما بينها.
هكذا تتحول الدولة من دولة للشعب إلى دولة للسلطة ومن قوة بيد الشعب ضامنة لمصالحه وحامية لسيادته على ترابه وثرواته إلى سلطة عليه ضامنة لمصالح طبقة السيطرة -المؤلفة من مراكز القوى- وحامية لها ولثرواتها المتراكمة باحتكار وسائط القوة والإخضاع الرسمية ويصبح الفضاء العام الذي يفترض أن يُحكم بعقد اجتماعي توافقي «دستور»، فضاء خاصاً قوامه سلطة النخبة المهيمنة على الدستور والقانون بالتعطيل وبالتأويل، فلا تعود هناك قيمة للفرد كمواطن ولا لمجموع الأفراد والشرائح الاجتماعية كشعب، عدا قيمة نسبية افتراضية مرهونة بذوبان الفرد والمجموع في دوائر العصبويات المسيطرة كقوة مضافة معززة لسيطرتها، وفي كل الأحوال فإنهما يظلان قوة فائضة لا قيمة حقيقية ثابتة لها فرداً ومجموعاً.
في مناخ كهذا ينشط سُعار الجباية وتضيق دورة رأس المال وتتمركز الثروات صعوداً في هرمية السيطرة بينما تتسع دوائر الفاقة والعوز في البناء التحتي حيث تتكدس الغالبية كموضوع للجباية خارج حقول الإنتاج وحظوظ الرفاه!
هل يحدث هذا في يمن الثورة...؟!
لا يمكن القطع بأنه قد حدث بالفعل لكنه في طريقه إلى أن يحدث ويتخلق مجهزاً على كل أمل في التغيير وضارباً عرض الحائط بكل التضحيات وموغلاً بنِصال وسواطير الأمس الذميم ملكياً وجمهورياً في لحم الغد المأمول!
يقول العلماء إن اكتشاف الأورام في طورها الباكر يعزز فرص الخلاص والتعافي منها.. وترتيباً على هذه الحقيقة العلمية نزعم أن ما سبق هو تشخيص مبكر لحوصلة سرطانية آيلة للنمو والاستشراء في اللحم الغض للثورة وقلوب شعب أثخنتها أورام عقود من الوصاية وعسف العصبويات الحاكمة وبيادات سلطة الغلبة وصولاً إلى العدوان والحصار وسبعه العجاف قيد ثامنة نأمل أن تكون مبتدأ لخلاص المقهورين لا استمراراً لنكوص رؤوسهم قهراً بعد رِفعة ثورية مرقوبة وانكسار قلوبهم الموجوعة خيبةً بعد أمل.

أترك تعليقاً

التعليقات