«الزمن الجميل».. هل كان جميلا حقا؟! الحلقة 3
- مروان ناصح الأحد , 24 أغـسـطـس , 2025 الساعة 1:22:30 AM
- 0 تعليقات
مروان ناصح / لا ميديا -
الأغنية.. أول أشواق الروح!
في الزمن الجميل، لم تكن الأغنية مجرد مطرب وصوت ولحن، بل كانت مناسبة وجدانية، وطقساً جماعياً، وخيطاً سرّياً يربط القلوب.
كان الناس ينتظرون بثّها كمن ينتظر رسالة من حبيب بعيد. وكانوا يرددونها كمن يستعيد نفسه من الضياع.
لم تكن الأغنية تملأ الفراغ، بل كانت تملأ الروح، وتُهذّب الذائقة، وتُربّي القلب على الإيقاع والمعنى.
زمنٌ يُغنّي.. لا يصرخ
في زمن كانت فيه الحياة قاسية أحياناً، كان الغناء مَهرباً نبيلاً، لا إلى اللامعنى، بل إلى الجمال. كلمات الأغاني كانت تُنتقى بعناية، والمعاني تُحترم، والألحان تُبنى كقصور من الصبر والتأني.
كانت القصيدة تُلحَّن بعد أن تعيش في ذهن الملحن شهوراً، ويُعاد توزيعها أكثر من مرة، حتى تخرج كما تُستخرج الجواهر من جوف الأرض.
الصوت.. حين يكون وطناً
في المذياع، في حفلات الأعياد، في المقاهي، كانت أسماء: عبد الحليم، أم كلثوم، فيروز، نجاة، وديع الصافي... تُذكر كما تُذكر أسماء الأوطان.
لم تكن الأصوات مجرد طرب، بل كانت تمثّل أحلام أجيال، ومرآةً للعصر، وتوثيقاً غير مكتوب للحالات العاطفية والاجتماعية. كانت فيروز -على سبيل المثال- تغني صباحاً للأمل، وفي المساء للحنين، وفي الحصار تغني "سنرجع يوماً"... فتصبح صوت العودة الذي لا نملك سواه.
الكلمة أولاً.. اللحن لاحقاً
الأغنية في الزمن الجميل لم تبدأ من الإيقاع، بل من الكلمة. والكلمة لم تكن عبثية أو سوقية، بل كانت تمضي من دواوين الشعر، أو من معجم العشاق، إلى فم المغني، محفوفة بالاحترام.
كان المستمعون يعرفون أسماء الشعراء، ويبحثون عن المعنى، ويطربون للبلاغة كما يطربون للصوت.
الأغنية والسياسة..
صوت الشعب أحياناً
لم تكن الأغنية معزولة عن المجتمع، بل كانت أحياناً لسان حاله. ظهرت أغنيات سياسية ووطنية تلهب المشاعر، وتلخّص المعارك والهزائم والانتصارات.
وفي زمن الكبت، كانت الأغنية أحياناً نافذةً على الحلم. وحين يُمنع القول في الصحافة، كانت الأغنية تقول ما لا يُقال.
حين يُفتقد المعنى.. وتبقى الأشواق
أما اليوم فقد تغيّرت الأذواق، وتحوّلت الأغنية إلى منتَج سريع: كلمات تُكتب في ساعة، لحن يُرَكَّب بالحاسوب، وصوت يُعدَّل رقمياً حتى يفقد أيّ صلة بالصدق.
لم يعد الناس يحفظون الأغاني، بل يحذفونها من هواتفهم بعد أيام. والمفارقة أن التكنولوجيا، التي جعلت الموسيقى في متناول الجميع، أفقدت الأغنية قدسيتها.
من الغناء إلى الاستهلاك الصوتي
في الزمن الجميل، كانت الأغنية تُسمع مراراً وتُتداول بأمانة. كان للشريط قيمته، وللمغني هيبته، وللكلمة احترامها.
اليوم، في عصر "الفيديو كليب" و"الترند"، صارت الأغنية مشهداً بصرياً أكثر منها تجربة وجدانية. وصار الصوت يُرافق الصورة ولا يسبقها. صرنا نسمع كثيراً؛ لكنْ نطرب أقل.
خاتمة: الأغنية في الزمن الجميل لم تكن ترفاً، بل كانت لغة الروح، وأول باب إلى الشعر، وكانت تُربّي الأذن على الذوق، والقلب على التوق، والعين على الدمع.
قد لا يكون الزمن الماضي مثالياً؛ لكننا فيه -على الأقل- كنا نغني، ببطء، بإخلاص، وبجمال لا يُقلَّد.
المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح