فقاعات إنسانية لتدمير الوجود
- إيهاب زكي الأحد , 1 يـونـيـو , 2025 الساعة 2:34:50 AM
- 0 تعليقات
إيهاب زكي / لا ميديا -
سيفشل مشروع الفقاعات الإنسانية، كما فشل مشروع الجسر الأمريكي العائم؛ لأنّ المسألة في العقل الفلسطيني تخطت فكرة الحصول على الطعام. لقد أصبح الطعام مقابل التنازل عن البقاء والوجود، وهذه معادلة لا يستطيع الفلسطيني تمريرها في منطقه أو ضميره، حتى لو أراد.
ليس التجويع سياسة جديدة يمارسها العدو على قطاع غزة، بل تعود إلى ما قبل معركة «طوفان الأقصى»، حين كانت المواد الغذائية التي يسمح العدو بإدخالها إلى القطاع تُحسب بالسعر الحراري، قياساً إلى عدد السكان. لكنها، ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، اتخذت منحى تصاعدياً، حتى وصلت الذروة بعد عودة العدو إلى العدوان في آذار/ مارس الماضي.
إنّ الإغلاق التام للمعابر كلها، والمنع النهائي لكل المواد التموينية والدوائية، على مدى ثلاثة أشهر، حتى أصبح الحصول على رغيف خبز معجزة لا يستطيع كثير من الناس تحقيقها، وأسعار ما تبقى من مواد غذائية يتجاوز 700 ضعف، فالعائلة المكونة من خمسة أفراد، ستتناول وجبة واحدة يومياً، وجبة عدسٍ مثلاً، سيكلفها ذلك مئة دولارٍ أو يزيد.
منذ البداية، كنا نقول إنّ الحصار والتجويع هو أحد أهم أسلحة العدو في حربه الإبادية لإخضاع غزة وأهلها ومقاومتها. والمفارقة أنّه سلاحٌ عربي، منحه العرب للكيان من دون مقابل، كما منحوا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التريليونات بلا مقابل. قرارٌ عربيٌ واحد، تنفيذاً لمخرجات القمة العربية، كفيلٌ بسحب أهم أسلحة العدو.
يُستخدم هذا السلاح، في محاولة هندسة الجوع، للوصول إلى مرحلة التغيير الجغرافي والديمغرافي والاجتماعي، تمهيداً لمشروع التهجير، وذلك عبر الفقاعات الإنسانية المكونة من أربعة مراكز لتوزيع المساعدات، بإشراف شركة أمريكية مشبوهة المنشأ والسلوك والتمويل، وهي عملياً شركة «إسرائيلية»، وقد هيكلها ووضع خطتها ضباط احتياط صهاينة، مع ضباط استخبارات أمريكية سابقين.
تهدف العملية، بشكلٍ رئيسيٍ، إلى دفع الناس نحو تلك المراكز، تحت ضغط الجوع والحاجة، ما يعني إعادة تشكيل الجغرافيا، وما يسمى بـ»المناطق الآمنة»، فضلاً عن الأهداف الأمنية التي ستتراوح بين الاعتقال والإعدام والإسقاط. كما ستُحدث شروخاً مجتمعية هائلة، حيث تُزرع الشكوك بين المجتمع، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، بين من سيذهب ومن لن يذهب؛ ليقينٍ مسبق بأنّ من سيذهب سيقدّم معلومات، حتى لو كانت معلومات عامة، عن عدد أفراد أسرته وأسمائهم مثلاً.
كذلك هو مشروعٌ يهدف إلى امتصاص الضغط الذي ترزح تحته حكومة العدو، فقد أصبح الواقع الإنساني في قطاع غزة عبئاً أخلاقياً على الغرب ومنظماته الدولية. لذلك، يحاول العدو صرف الانتباه عن سياسة التجويع غير المحتملة أخلاقياً، عبر هذه الفقاعات الإنسانية، والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، بل هي حرب تجويعٍ يحاول العدو تشريعها وقوننتها.
هذا المشروع يعطينا شاهداً إضافياً عن طبيعة العدو بما هو «مجتمع» (أكاديمياً لا ينطبق مصطلح «مجتمع» على هؤلاء المستوطنين)، وليس فقط حكومة وجيشاً، إذ هناك تظاهرات للمستوطنين وقطع طرقات أمام بعض الشاحنات الشحيحة التي تحاول الوصول إلى المعابر. كما أنّ هناك قراراً قضائياً من المسمّاة «المحكمة الإسرائيلية العليا» بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، رداً على طلبات قدمتها بعض المنظمات الإنسانية إلى هذا «القضاء»، فرُفضت الدعوى بذريعة وصول المساعدات إلى حركة حماس.
كما رصد استطلاع للرأي أنّ 82% من المستوطنين الصهاينة يؤيدون تدمير غزة وتهجير سكانها. وكثيرة هي الشواهد والقرائن على استحالة التعايش مع وجود هذا الكيان، مهما قدم الفلسطينيون أو العرب من تنازلات؛ لأنّ التنازل في العقلية الصهيونية يعني تحصيل المزيد من التنازلات.
مع ما يحدث في غزة اليوم، لا يوجد عربي واحد لا يشعر بالإهانة، إهانة العجز. ومن لا يشعر بالإهانة هو عربيٌ ميت، وهو العربي الذي تستجيده «إسرائيل» وتحبه، فبالنسبة إليها «العربي الجيد هو العربي الميت»، وهذا هو من يرى كل ما يحدث من إبادةٍ، قتلاً وتجويعاً، ولا يشعر بأنّه مهان.
في النهاية، سيفشل مشروع الفقاعات الإنسانية، كما فشل مشروع الجسر الأمريكي العائم؛ لأنّ المسألة في العقل الفلسطيني تخطت فكرة الحصول على الطعام. لقد أصبح الطعام مقابل التنازل عن البقاء والوجود، وهذه معادلة لا يستطيع الفلسطيني تمريرها في منطقه أو ضميره، حتى لو أراد.
المصدر إيهاب زكي
زيارة جميع مقالات: إيهاب زكي