الثورة والثورجيون
 

عبدالملك المروني

عبد الملك المروني / لا ميديا -

سألني منذ فترة غير قصيرة سياسي مخضرم كان صديقاً لي قبل أن يبحث عن المال والبنون في دهاليز محمد بن سلمان ويهاجر إلى ما هاجر إليه. 
سألني بخبث اكتسبه من مكر عمرو بن العاص عن الفائدة التي حصلت عليها من ثورتي 26 سبتمبر 1962، و21 سبتمبر/ أيلول 2014م، وأجبته بسذاجة أبي موسى الأشعري: اكتسبت التهمة!
وطلب تفسيراً لذلك، فقلت له: اتهمنا من قبل ثوار ٢٦ سبتمبر بالذكاء والتربص، واتهمت من قبل ثوار سبتمبر/ أيلول بالبلادة والتملص! وبالطبع فإنني لم أكمل له وأضف أننا دفعنا الثمن الجائر للتهمتين، واكتفيت بأن وعدته بالإشارة إلى هذا الموضوع في مقالة أكتبها في وقت لاحق. 
وها أنذا أرد على صديقي بعد عام أو عامين بعد أن وجدت سببا لذلك، وثمة محدثات أثارت لدي خاطر المشاغبة والتذكير بأننا جميعنا أبناء وطن واحد وثورات متعددة. والحق أننا في الحدث الأول دفعنا ثمن التهمة، راعي الأسرة وكبير المنطقة والدي العلامة الشهيد علي علي المروني الذي اتهمه البعض بأنه ادعى لنفسه الإمامة ورفع عصاه بوجه الجمهورية الناشئة، وهو كيد ثورجي كاذب وتهمة مسيسة أفضت إلى إعدامه وتشريد أسرته غداة أن تم تدمير بيتنا وإخرابه وإلحاق تهمة الملكية والرجعية بهذه الأسرة حتى اليوم.
وبعد نصف قرن من الزمن عشت خلاله تهمة ما برحت تطاردنا ليل نهار، أشرقت في الأفق اليمني ثورة جديدة قادها المستضعفون والفقراء والمقهورون وإدركنا الأمل في تجاوز التهم والعبور على أشرطة الماضي وبشكل مباشر وغير مباشر، وجدتني بعضا من هذا الحدث وخصلة من شعره وشعاره. 
غير أن التهمة كانت قد سبقت الثورة وفلسفتها بوقت غير قصير، ووجدتني متهماً من جديد على لسان الثوار الجدد. والتهمة هذه المرة ليست الذكاء ومشتقاته، بل الغباء وآثاره. وحيثيات التهمة الجديدة تقوم على أساس أنني لم أختط خط والدي الشهيد في رفض الظلم ولم التزم منهجه الدعوي ولم أفكر بالثأر له والنيل من أعدائه، وبالغ البعض في التأنيب واللوم فقالوا إنني اتخذت من المضلين عضدا و... الخ.
والمهم أن تهمة جديدة حلت، ومعاناة ثورجية محدثة هبطت، وبات لسان حالي أقرب إلى لسان بعض قوم موسى عليه السلام "ظلمنا من قبل أن تأتي وظلمنا بعد أن أتيت"، مع الفارق طبعا في الحالتين. والحق أنني لست ممن يشتكي ويشعل مباخر الحزن والأسى، لكن أسجل على ذمة صفحتي الخاصة وهامشي الوطني بعض المفردات الشخصية عوضا عن الحديث عن آخرين اعتدنا أن نتحدث عنهم حين يسكننا حزنهم.
اليوم قطفت غصناً صغيراً من جسد شجرة كبيرة، وسكبت عليه قطرة حبر واحدة لا أبغي من ورائها غرضا ولا التمس فيها فائدة، بل خاطر عبث برأسي وددت لو سمح له البعض بالمرور من أمام نوافذهم محكمة الإغلاق، ورسالة قصيرة لأصغر أولادي أعلمه فيها أن والده لم يستكن يوما ولم ينكفئ على ذاته بانتظار ثورة جديدة يجد لنفسه مكانا في سفنها، بل جاهد وعارك وناضل منفردا وقاد لوحده ثورات وأحداثاً عظاماً خلال أربعة عقود مضت. وذات يوم قريب أحدثك وأحدثهم جميعا كيف فعلت ذلك وكيف يجب أن تفخر به.

أترك تعليقاً

التعليقات