من «المخطط الأمريكي» إلى «القوة الدولية»: الهندسة الجيوسياسية في «الشرق الأوسط»
- فهد شاكر أبو راس الأحد , 16 نـوفـمـبـر , 2025 الساعة 12:07:43 AM
- 0 تعليقات

فهد شاكر أبوراس / لا ميديا -
في خضم الضبابية التي تُغلف المشهد في غزة، تبرز زيارة كوشنر وويتكوف إلى «تل أبيب» بوصفها منعطفاً جديداً قد يحمل في طياته إعادة رسم للتحالفات الاستراتيجية في المنطقة.
لا تبدو المسألة محصورة في ملف مجاهدي القسام في رفح، الذي يبدو هامشياً في المعادلة الأوسع، بقدر ما تتمحور حول المشروع الأبرز وهو إنشاء «قوة دولية» يُراد لها أن تكون الأداة التنفيذية لإدارة المرحلة المقبلة.
هذا التحرك لا ينفصل عن السياق التاريخي للمشاريع الدولية في المنطقة، التي غالباً ما تأتي مغلَّفة بخطاب يحمل شعارات براقة تخفي تحتها صراعات النفوذ. وكما تشير بعض الأدبيات السياسية التاريخية، فإن ما يُقدم اليوم تحت تسميات مختلفة قد يكون امتداداً لمخطط أمريكي قديم يهدف إلى إعادة ترتيب المنطقة وفق رؤية وهيمنة تحالف معين، إذ كانت مقالات تاريخية من سبعينيات القرن الماضي تتحدث عن «المخطط الأمريكي» الذي تحاول فيه القوى العظمى إعادة هندسة التحالفات لصالحها.
على وقع هذا التطور، تأتي مذكرات التوقيف التركية بحق بنيامين نتنياهو وعدد من المسؤولين «الإسرائيليين» لتشكل عنصر ضغط قانوني وسياسي غير مسبوق.
الرد «الإسرائيلي» كان متوقعاً، وهو التجديد المتصلب لرفض وجود أي جندي تركي على أرض غزة. وهذا الرفض ليس مجرد رد فعل عابر، بل هو تعبير عن معضلة استراتيجية عميقة.
فمن جهة، تُصر «إسرائيل» على احتكار الأمن في قطاع غزة وتوجيه العملية السياسية فيه بما يخدم روايتها الأمنية بشكل منفرد، ومن جهة أخرى، تدرك أن تركيا، بوصفها أحد الضامنين المحتملين لأي اتفاق مستقبلي، لا يمكن استبعادها بسهولة من المعادلة. وهذه المعضلة تضع واشنطن في موقف الحكم، أو بالأحرى المهندس الذي يجب أن يجد حلاً لهذا التناقض الصارخ بين حليفين استراتيجيين.
الدور التركي هنا محوري ومتناقض في آن واحد. فأنقرة، التي لعبت دوراً بارزاً خلال مرحلة ما قبل صدور خطة ترامب للسلام، ترى نفسها شريكاً لا غنى عنه.
إنها لا تتطلع فقط إلى لعب دور الوسيط، بل إلى تأمين مصالحها الجيوسياسية والإقليمية المباشرة، وهو ما تؤكده تحليلات حديثة حول كيفية منح التطورات الحالية في المنطقة تركيا أفضلية استراتيجية على حساب إيران.
وهذا الطموح التركي لا يقع خارج الحسابات الأمريكية، بل على العكس، يبدو أن الدور التركي هو نفسه جزء منسجم ضمن المخطط الأمريكي الأوسع لإدارة الملف الغزي.
فالولايات المتحدة، وهي تراقب تنافس القوى الإقليمية، قد ترى في تركيا أداة فعالة لتحقيق نوع من الاستقرار المحدود، أو على الأقل لموازنة نفوذ قوى أخرى معادية في المنطقة.
إنها لعبة إمبراطورية تقليدية قائمة على استخدام التحالفات المتشابكة والمتنافسة أحياناً لضمان عدم هيمنة قوة واحدة، وبقاء الجميع تحت المظلة الأمريكية.
الاجتماع المنتظر في «تل أبيب» بين كوشنر وويتكوف، والمسؤولين «الإسرائيليين»، وعلى خلفية المذكرات التركية، يستدعي -إذن- حضوراً أمريكياً فاعلاً بل وموجهاً.
فواشنطن ليست مراقباً محايداً، بل هي الطرف الذي يملك خريطة الطريق ويوزع الأدوار. ليست مراقباً محايداً، بل هي الطرف الذي يملك خريطة الطريق ويوزع الأدوار.
والحل للمعضلة («الإسرائيلية» - التركية) لن يأتي من خلال فض النزاع لصالح طرف على حساب الآخر، بل من خلال صيغة مبتكرة تمنح «إسرائيل» الضمانات الأمنية التي تتطلبها، وفي الوقت نفسه تفتح للأتراك باباً للنفوذ السياسي والاقتصادي يرضي طموحاتهم، ويحول دون انزلاقهم الكامل نحو محور معادٍ.
مثل هذه الصيغة قد تتجسد في إطار «القوة الدولية» المقترحة، إذ يمكن أن يُمنح الجنود الأتراك غطاءً دولياً يخفف من حدة الرفض «الإسرائيلي» المباشر، أو أن يُحدد دورهم جغرافيا أو وظيفياً بطرق لا تهدد السيادة الأمنية التي تصر عليها «إسرائيل».
بالتالي، فإن المشهد القائم هو مشهد لإعادة تشكيل التحالفات تحت مظلة الاستراتيجية الأمريكية. فالمخطط لا يهدف بالضرورة إلى إقصاء أي طرف، بل إلى دمج جميع الأطراف في شبكة مصالح يكون الخروج منها مكلفاً، وتكون واشنطن هي العقدة المركزية فيها. فتركيا بطلباتها الإقليمية، و»إسرائيل» بهواجسها الأمنية الوجودية، جميعهم يتم احتسابهم في هذه المعادلة المعقدة.
وفي النهاية، فإن الصيغة التي ستخرج بها «القوة الدولية» من رحم هذه المفاوضات، ستكون التجسيد العملي لهذا المخطط: قوة تحمل شرعية دولية ظاهرية، لكنها في حقيقتها أداة لترسيخ هيمنة جديدة، وتكريس واقع التقسيم تحت شعارات الإدارة الدولية.










المصدر فهد شاكر أبو راس
زيارة جميع مقالات: فهد شاكر أبو راس