محمد عز

محمد عز / لا ميديا -
على مدى ما يقارب سبعين عاماً، اعتمد "الإسرائيلي" استراتيجيةَ الردع تجاه خصومه، من أجل ترسيخ أسطورةِ الأمن في العقل الصهيوني؛ تلك الأسطورة التي كانت تتغنّى بأن "الجيش لا يُقهر"، وأنَّ الكيانَ مرتعٌ للأمن والاستقرار في المنطقة، ومقصدٌ لمئاتِ آلاف المهاجرين اليهود إلى أرض فلسطين المحتلة.
مع اندلاع شرارةِ "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر، اهتَزّت صورةُ الأمن الصهيوني، وتصدّعت استراتيجيةُ الردع لدى الاحتلال، فعمد هذا العدو إلى تغيير رؤاه الأمنية والاستراتيجية: من سياسةٍ تقوم على ضربِ وردعِ الخصوم، إلى سياسةٍ تسعى إلى ضربِ وردعِ حتى الأصدقاءِ والحلفاءِ ومن عقد معهم اتفاقياتِ سلامٍ واستسلام ("الاتفاقيات الإبراهيمية")؛ إذ تبيّن له أن سياسةَ الردع لم تُؤتِ ثِمارَها؛ ولَوْ كانت نافعةً لما انكشفت استراتيجياتُ الأمن الصهيوني ولا اهتزّت العقليةُ الأمنية.
إذن، يحوّل العدوُ اليوم رؤيته وعقيدته الأمنية من سياسةِ الردع إلى سياسةِ المنع. فالمنعُ في منظوره لا يقتصر على ردعِ الخصوم والحلفاء فحسب، بل يهدف إلى منعِ الإرادةِ وتحطيمِها، إلى شَلِّ الذاكرةِ والروحِ، وجعلِ شعوبنا عاجزةً عن التفكيرِ أصلاً في مواجهة هذا العدو، وإرهابِ خيالِ الشعوب عبر رسالةٍ مفادها: "إن فكرتم بالمواجهة فمصيرُكم سيكون مصيرَ غزة".
لا خطوطَ حمراء أمام التغوّلِ الصهيوني. فتارةً يقصفُ لبنانَ ويستبيحُه رغم القرار (1701) والتزاماتِ الحزب، وتارةً يقصفُ سورية رغم أنّها لا تملكُ قدراتٍ مساويةً لمواجهة هذا العدو؛ لكن من منظوره بعيد المدى قد تتحوّل الإرادةُ إلى قدراتٍ ماديةٍ تهدّدُه، لذا يعملُ على شلِّ الإرادةِ ونسفِها. وأخيراً يضربُ في قطرَ رغم أنها حليفةٌ للولاياتِ المتحدةِ وعضوٌ في التحالفاتِ الإقليمية، وتضمُّ قواعدَ أمريكيةً كبيرة (العديّد)، وكانت من أوائلِ الدولِ التي فتحت مكتبَ تعاونٍ تجاريٍّ مع الكيان؛ ومع ذلك استُبيحت سيادتها وتعرّضت للخرق.
العدوُ من خلال هذه الاستباحات يريدُ أن يبعثَ رسالةً إلى الجميع: "أيُّ دولةٍ أرى فيها مجردَ تهديدٍ ولو بصفرِ بالمئةٍ ستكونُ هدفاً لي، حتى لو كانت صديقةً وحليفةً وبيننا وبينها مواثيقُ ومعاهدات". الصهيوني يرى أمنَه الاستراتيجي فوق كل اعتبارٍ وفوق أي ميثاق... آه! ليت قومي يعلمون!

أترك تعليقاً

التعليقات