شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
لا شك أن كيان الاحتلال، اليوم، يعيش في دوامة من اللا توازن الداخلي سياسيّاً وشعبيّاً، وحتى عسكريّاً، رغم ما يظهر من أنه اكتسب بعض النقاط في لبنان وسورية وغزّة. هذا اللا توازن ينعكس خلافات جوهرية بين المستويين السياسي والعسكري، وعلى عدة ملفات، أهمها: أولاً: تحديد المسؤوليات حول الفشل الذي أصاب الكيان (كلّ الكيان) في السابع من أكتوبر 2023، وثانياً: كيفية الخروج من مستنقع التخبط والفشل بعد الانخراط بالحرب على غزّة وعلى المقاومة الفلسطينية، وعلى حماس تحديداً، دون تحقيق أي من أهداف هذا الانخراط.
 بالتزامن مع حربه على غزّة، انخرط كيان الاحتلال في عدة حروب أخرى بالوقت نفسه تقريباً، على سورية وعلى إيران وعلى اليمن وعلى لبنان. وفي الوقت الذي اعتبر العدوّ أن كلّ هذه الحروب مرتبطة بعضها ببعض، وهي كذلك عمليّاً، حيث الجامع المشترك بين الأطراف المذكورة والمشتبكة مع العدوّ «الإسرائيلي»، هو احتلال الأخير لأراضٍ ومقدسات عربية، فقد تبين للأخير مع الوقت أن مخاض كلّ ملف من هذه الحروب مستقل عن مخاض الملف الآخر بشكل كامل، وأن حل أي ملف منها منعزل بالكامل عن حل الملفات الأخرى، وأن كلّ طرف من الأطراف المذكورة لديه خصوصية مستقلة عن الآخر في مواجهة الاحتلال.
انطلاقاً من ذلك، وحيث تتوزع وتتنوع ملفات وعناصر الاشتباك بين كيان الاحتلال وبين الأطراف المذكورة (المقاومة الفلسطينية، إيران، لبنان، اليمن، وسورية)، من المفترض اعتماد كلّ من هؤلاء الأطراف استراتيجية خاصة به لمواجهة الاحتلال، وذلك على الشكل التالي:
مع إيران، ربما اليوم، وبعد غياب التواجد الإيراني المباشر عن الساحة السورية، ضعفت جزئيّاً قدرة التأثير الإيرانية انطلاقاً من الساحة المذكورة، وبالتالي خسرت طهران ميداناً أساسياً كان له تأثير فاعل في دعم المقاومة في فلسطين وفي لبنان، فأصبحت «إسرائيل» في اشتباكها مع إيران تركز على مواجهة ما تمتلكه الجمهورية الإسلامية من أسلحة وقدرات نوعية، تقليدية أو نووية، وتركّز الهاجس الصهيوني من إيران على اتّجاهين: القدرة الصاروخية الباليستية، والقدرة النووية المفترضة.
من هنا، تأتي أهمية ثبات طهران، رغم الضغوط الضخمة التي تتعرض لها، على مواقفها وعلى موقعها، لناحية حماية حقها في امتلاك القدرات التقليدية والصاروخية تحديداً، أو غير التقليدية، لغايات علمية أو عسكرية، مثلها مثل كلّ الدول الأخرى، الإقليمية أو الدولية، والتي تمتلك هذه القدرات وبرعاية دولية.
بخصوص سورية، ومع أنه لا يوجد حاليّاً أي مستوى من مستويات المواجهة ضدّ الكيان من قبل أي طرف سوري، لا عسكري ولا سياسي، تبقى الخشية «الإسرائيلية» من الداخل السوري موجودة؛ أولاً: خشية تاريخية انطلاقاً من جغرافية سورية الإستراتيجية والمؤثرة في كامل المنطقة وخاصة على الكيان، وثانياً: خشية من إمكانية أن يتغير الواقع الحالي داخل سورية فجأة (وهذا الأمر ليس ببعيد) وذلك نحو واقع مختلف عن اليوم، قد يحمل مواقف وطنية أو إسلامية لن تكون بمصلحة كيان الاحتلال.
بخصوص اليمن، والذي يبرع في إبقاء الكيان مستنفراً ومرتبكاً، رغم كلّ الاجراءات العدوانية التي نفذها العدوّ وحلفاؤه الغربيون والأمريكيون ضدّه، فالظاهر -كما يبدو- ستستمر قدرة تأثير أبناء اليمن على النمط نفسه ضدّ الكيان.
لناحية المقاومة في غزّة، ورغم التدمير والحصار والجوع والقتل، ما زالت قدرة التأثير على العدوّ ضخمة جدّاً، مسببة له ارتباكاً وضياعاً وغموضاً لناحية القرارات، وهذه القدرة تتثبت أكثر وأكثر، رغم تمادي العدوّ في جرائمه، وذلك لناحية الثبات في إدارة ملف أسرى العدو، أو لناحية الثبات في مقاومة حربه الإجرامية ضدّ القطاع.
وأخيراً بخصوص لبنان، وفي ظل هذا السجال المرتفع والمتطور والمدفوع والمُوَجّه خارجيّاً، حول قرارات الحكومة بوجوب احتكار السلاح، وبمعزل عن مستقبل ودور سلاح المقاومة كما تحدده لاحقاً أي آلية وطنية يتفق عليها اللبنانيون تحت عنوان استراتيجية دفاعية أو استراتيجية أمن وطني أو أي عنوان آخر يغطي هذا السلاح ويحميه ويحافظ على ميزة الردع التي يؤمّنها، والتي نحتاجها بقوة في لبنان لمواجهة الاحتلال، من الواجب وطنيّاً اليوم عدم الاستعجال ووهب الاحتلال ورقة التخلي عن السلاح دون مقابل، وذلك من خلال عدم انصياعنا لأجندة أمريكية - «إسرائيلية» تُفرض علينا تحت ضغوط الاحتلال والاعتداءات، في الوقت الذي نجحنا فيه سابقاً في التصدي لضغوط أكبر وأوسع، واستطعنا الصمود والانتصار، بعد تحرير أرضنا من الاحتلال بجدارة.

أترك تعليقاً

التعليقات