حوار - مار ش الحسام / لا ميديا -
قامة فنية يمنية أثرت الساحة المسرحية والدرامية بالعديد من الأعمال التي لامست الواقع اليمني بصدق وعمق، إنه الفنان والكاتب المسرحي القدير سلطان الجعدبي.
من بدايات عفوية على خشبة المسرح، إلى أدوار درامية أصبحت علامات فارقة في مسيرة الفن اليمني، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن، اشتهر الجعدبي بمواقفه الوطنية الصريحة وشخصياته التي تعكس تطلعات وهموم المواطن اليمني.
في هذا الحوار، نغوص مع الفنان سلطان الجعدبي في رحلة فنية وشخصية، ليكشف لنا عن: كيف صقلت مرحلة العدوان هويته الفنية وما هي تفاصيل الرسالة التي وصلته من السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بعد موقفه الجريء من أوضاع الممثلين.

بداية، كيف تقدم نفسك للقراء؟ أو من هو سلطان الجعدبي؟
سلطان الجعدبي، مواطن يمني من مواليد صنعاء عام 1979، ولدي ثلاثة أبناء (ذكران وبنت)، أحمل شهادة البكالوريوس في الإعلام، وأعمل كاتبا مسرحيا وممثلا.
كانت بدايتي مع التمثيل بالصدفة، في إحدى المرات كتبت نصا مسرحيا وكان فيه دور لإحدى الشخصيات الشابة المدللة، ولم يؤد أحد الممثلين الدور بالشكل المطلوب، كنت أشرح له كيفية الأداء، ثم أصر المخرج على أن أقوم أنا بالدور، كنت قلقًا في البداية، ولكن الحمد لله وفقت وتفاعل الجمهور معي، بعدها واصلت المشوار في المسرح، ثم استقطبني للدراما الأستاذ فضل العلفي والمرحوم عبدالكريم الأشموري.

نقلة نوعية
شاركت في أعمال كثيرة مثل «العاقبة»، و«غربلة»، و«كيني ميني»، و«شر البلية»، و«بعد الغياب»، و«أبواب صنعاء».. ما الدور أو الشخصية الأقرب لقلبك، والتي تعتبرها علامة فارقة في مشوارك؟
صحيح أنني أديت العديد من الأدوار على مدى سنوات، ولكنني أعتبر أن الأدوار التي أديتها في السنوات الخمس الأخيرة مع مؤسسة الإمام الهادي الفنية شكلت نقلة نوعية، وأظهرت وجها آخر من إمكانيات سلطان الجعدبي.

بصمة مع مؤسسة الهادي
هل يمكن القول إن شخصية سلطان الجعدبي الدرامية بعد العدوان على اليمن ليست كما كانت قبله؟
نعم للأمانة، في مرحلة العدوان على اليمن صرت أشتغل بهدف وروحية ثانية غير السابق، استطعت أن أضع بصمة واضحة، واشتغلت مع مؤسسة الإمام الهادي في مسرحيات ومسلسلات منها: «فحوصات»، و«غربلة»، و«الغياب»، و«قلوب مقفلة»، و«قريب بعيد»، و«أبواب صنعاء»، و«العاقبة»، وأعتبر كل أدواري في هذه الأعمال نقلة نوعية في مسيرتي الدرامية.

التمثيل لا يؤكل عيشا
هل يمكن اعتبار التمثيل في اليمن مهنة يمكن الاعتماد عليها كمصدر رزق يؤمن العيش الكريم أم أنه مجرد هواية؟
التمثيل مهنة عظيمة ولها مردود مادي جيد، ولكن ليس في اليمن وتحديدًا في ظل العدوان، بعض الفنانين استطاعوا الخروج خارج اليمن للعمل في قنوات مع العدوان، بعضهم رغما عنهم بسبب الظروف، والبعض الآخر بقناعته الشخصية بوقوفه مع العدوان، هم اختاروا الدولارات على حساب دماء وأطفال شعبنا، ونحن اخترنا الوقوف في صف شعبنا المظلوم ومقتنعون بموقفنا، مع أن التمثيل في الأول والأخير في ظل العدوان «لا يؤكل عيشا».

تداعيات العدوان
هل أثر العدوان على الإنتاج الدرامي أم على الممثل أم كليهما؟
العدوان وتداعياته طالت كل شيء في اليمن تأثرت كل القطاعات ومنتسبوها بالعدوان السعودي -الإماراتي والأمريكي و«الإسرائيلي»، أسوة بالشعب اليمني ككل، أثر العدوان على الممثل ماديا واقتصاديا وحتى في العطاء.. لكننا جاهدنا في هذا المجال لنوصل مظلومية اليمن إلى المجتمع الخارجي والعالمي، وعلى أهمية اليمن وإيمان شعبه بعدالة قضيته.

نظرة قاصرة
ربما حتى قبل العدوان كان الفنان أو الممثل يعاني في اليمن من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بخلاف حال الفنانين في معظم بلدان العالم. ما تعليقك؟
في اليمن، لا يزال المفهوم أو النظرة للمواهب والممثلين قاصرا لدى الجميع، إلا أنه ولله الحمد في السنوات الأخيرة بدأ الوعي بأهمية الممثل، ولكن المشكلة أن الفهم القاصر للممثل انتقل من المجتمع إلى مؤسسات الإنتاج حتى إنها -إلا من رحم ربي- لا تقدّر الممثل، وهناك استرخاص لما يقدمه من رسالة، وهذا الحاصل في كل القطاعات حتى في الرياضة.

مشكلة في الممثلين وليس في الشللية
كثيرا ما يتم الحديث عن أن الشللية تسيطر على الدراما اليمنية؟
المشكلة ليست في الشللية، المشكلة في الممثلين أنفسهم. بعضهم لم يستطيعوا أن يثبتوا أنفسهم في الدراما، ولم يستطيعوا أن يؤدوا أكثر من دور، ولم يستطيعوا أن يطوروا من قدراتهم.
المشكلة أن بعض الزملاء غير مقتدر وغير متنوع وحتى غير مثقف فنيًا ويريد دور بطولة. وحين يتم تهميشه، يتذرع بالشللية، بينما العيب فيه. فالمؤسسة حريصة على تقديم عمل جيد، وتختار الأشخاص ذوي الكفاءة، وهذا عتب على الزملاء أنهم يقولون شللية.

الدراما تلامس الواقع
يُقال إن الدراما مرآة الواقع ويجب أن تلامس الواقع المعاش للمواطن والوطن وتجسده في أعمالها، ومع ذلك نجد حتى القنوات الوطنية تتهرب وتلجأ لصنع دراما من وحي الخيال؟
نحن في صنعاء نقدم مسلسلات هادفة وليست من الخيال، وإذا اقتربنا قليلاً من الخيال، فالهدف هو أن نخدم الفكرة للمشاهد. تحدثنا عن العدوان وكيف تأثر الناس، صحيح أننا تناولنا قضايا اجتماعية بعيدة عن العدوان، لكن السبب هو أن العدو كان سببا رئيسيا فيها، وتحدثنا عن العمالة والأيادي الخارجية.
الدراما هي تجسيد لما هو كائن، وليس من المفترض أن تقدم الحلول، هي تطرح قضايا ومشاكل، وعلى أصحاب الحل أن يحلوها، الدراما في العادة لا تطرح حلولا باستثناء الفلاشات التوعوية.

رفضت إغراءات قنوات العدوان
سبق لك وأن صرحت: «أموت من الجوع ولا أخون بلدي».. هل عرضت عليك أعمال من قبل قنوات العدوان أو موالية له؟
نعم، عرضت علي أعمال وحتى مناصب في قنوات فضائية خارج اليمن وإغراءات مالية وشقة وإقامة لي ولأسرتي، ورفضت ذلك، لأني لا أستطيع أن أبيع دماء وأشلاء الأطفال والنساء والشيوخ، رفضت كل الإغراءات، ورفضت وأرفض تقديم أي عمل درامي مهما كان بعده الإنساني إذا كان سيعرض على قناة تابعة للعدوان.

دس السم في العسل
ما رأيك في المقولة التي تفصل الفن عن السياسة، وتعتبر أن الأهم هو مضمون العمل والرسالة التي يقدمها الممثل، بغض النظر عن سياسة الوسيلة الإعلامية العارضة؟
أولاً، أنا لدي مبدأ وهو أني أرفض العمل تماما في أي عمل درامي مهما كانت رسالته أو إنسانيته أو بعده عن الشكل السياسي، أرفض المشاركة فيه إذا كان سيعرض على قناة من قنوات العدوان أو المتحالفة معه لسبب واحد، فمن غير المعقول أن تشاهد المسلسل دون أن تشاهد الشريط الإخباري الذي يُمرر على الشاشة أثناء بثه والذي تهدف من خلاله القناة إلى تمرير سياستها عن طريق دس السم في العسل، البعض قد يقول أنا لا دخل لي بالسياسة، أنا أؤدي عملا دراميا هادفا أو إنسانيا. هذا خطأ، بل بالعكس أنت تساهم في أخذ جمهورك ومتابعيك إلى هذه القناة المعادية لوطنك.

تراكمات الوجع وتجاوب السيد
ظهرت مؤخرا في فيديو حمل رسالة واضحة عن الوضع المأساوي للممثلين اليمنيين، ما الدافع الحقيقي وراء اتخاذك قرار الظهور والتحدث بهذه الصراحة؟
المقطع عبارة عن تعبير عن تراكمات من الوجع الذي سببه علينا العدوان، من ضغوط وتفاقم الأوضاع. العدوان قطع سبيل الرزق على المواطنين بشكل عام وليس الممثلين خصوصًا، إلا أنه يعتبر الممثلين والإعلاميين الواجهة في مواجهة العدوان، للأمانة ضقت ذرعا بما شاهدته من وضع زملائي وأنا شخصيا.
وتوجهت بهذا الفيديو إلى أصحاب القرار، والحمد لله ولي الأمر والقيادة تجاوبوا، بدءاً من السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي والرئيس المشاط وبقية قيادة الدولة كلهم تجاوبوا تجاوبا تاما، ونحن الآن بصدد إصلاح وضع الممثلين، وبإذن الله ستسمعون أخبارا جيدة عن وضع الممثلين في هذه الفترة.

تفاعل السيد
هذا يعني أن الفيديو نجح في إيصال رسالتك ولاقى تجاوبا من قيادة الدولة، بل وتفاعل معه السيد القائد. كيف تفاعل معه؟
الحمد لله وصل كلامي إلى القيادة كاملاً، ووُفقت أن وصل الفيديو إلى السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وصلتني منه رسالة نصية أنه سيتم بإذن الله إصلاح أوضاع الممثلين، كما وصلتني منه هدية. أيضاً لاقى تجاوبًا من الرئاسة والمالية، وتعاونوا معنا. ونحن الآن في إطار المرحلة الأولى من نهاية المشكلة والأولى لحلها.

رسالة وهدية من السيد
لدينا فضول وكذا القراء لمعرفة نص الرسالة وكذلك الهدية التى وصلتك من السيد إذا لم يكن لديك مانع؟
وصلتني من السيد القائد (يحفظه الله) رسالة بالنص: «كَيّف أنت وأصحابك.. إبشر». هذا كان نص الرسالة، وأيضاً أهداني هدية عبارة عن كتب وغيرها من الأشياء الثقافية التي تعيد للشخص تواصله مع الله سبحانه وتعالى.

قطع الطريق على المرتزقة
الفيديو تم استغلاله من قبل قنوات وإعلام العدو ومرتزقته للإساءة للحكومة في صنعاء.. من أجل القدح فقط وليس من أجل خاطر الممثلين؟
حددت موقفي في الفيديو بدقة دون أي تردد أو نفاق وقطعت الحبل على المرتزقة، إلا أنه كما هو معروف يوظفون حتى كلام العلماء والقادة كما يشتهون، ويقتطعون كما يشاؤون؛ لأن هناك ما يسمى مونتاج (قص ولصق) بما يتماشى مع سياستهم، واستقطاع ما لا يخدمهم. ولكن الحمد لله لدينا قيادة سياسية متفاهمة، وطبعا قيادة روحية، وهذه نعمة.

الجوع ليس عذرا لبيع الأوطان
كلمة أخيرة أو رسالة توجهها..؟
رسالتي لكل الشباب ولكل المواطنين في مناطق السيادة الوطنية أنه مهما تكالبت علينا الظروف الاقتصادية، ومهما عانينا حتى لو أكلنا التراب إلا أننا لا نبيع الوطن. الجوع ليس عذرا لبيع الوطن.. الجوع ليس عذرا لبيع الشرف واتخاذ مسلك الجاسوسية.. وفي الأخير أشكر صحيفة «لا» على هذا الحوار، ونتمنى لها التوفيق في رسالتها الإعلامية والجهادية الوطنية.