تقرير / لا ميديا -
ليس القصف وحده ما يفتك بسكان قطاع غزة، بل سياسة العدو الصهيوني المركبة في الإبادة: مجاعة منهجية، حصار شامل، ورصاص موجه إلى بطون خاوية. لا شيء عشوائي في هذا الموت الجماعي. كل شيء مرسوم بدقة. حتى أنين الأطفال أصبح جزءاً من خارطة القتل.
ويواصل العدو الصهيوني، لليوم 653، حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وسط مشهد دموي تحوّلت فيه أرصفة الانتظار إلى مقابر جماعية، وطرق المساعدات إلى مصائد موت، يقنص فيها جنود الاحتلال الجوعى وتمزق قذائفه ما بقي من لحم في أجسادهم.
استشهد، أمس الأحد، أكثر من 130 فلسطينيين، بينهم أطفال وعشرات ممن اصطفوا طلباً للمساعدة "الإنسانية"، بينما يواصل العدو قصفه الهمجي واستهدافه المباشر لمراكز تجمع المواطنين شمال غرب القطاع. وفي واحدة من أكثر المجازر إيلاماً، ارتقى أمس 78 من طالبي المساعدات، برصاص ودبابات الاحتلال في منطقة السودانية، في مشهد يصفه شهود العيان بـ"حمام دم مفتوح على مرأى العالم".

العدو يبرر المجزرة: "إزالة تهديد فوري"
رغم وحشية المجزرة، لم يخجل العدو الصهيوني من تبريرها. فقد زعمت قوات الاحتلال أن إطلاق النار جاء "لإزالة تهديد فوري"، بينما كانت آلاف البطون الخاوية تصطف طلباً للغذاء، لا لحمل السلاح. هذا التبرير يعكس فكراً عدوانياً ممنهجاً يُجرّم الضعف، ويشرعن القتل، ويحوّل الحاجة إلى "جريمة حرب" في قاموس الكيان الصهيوني.
بحسب وزارة الصحة في غزة، فإن عدد الشهداء منذ بدء العدوان في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بلغ 58,895 شهيداً، فيما بلغ عدد المصابين أكثر من 140,980. ومنذ استئناف المجازر في آذار/ مارس الماضي، ارتقى أكثر من 8,066 شهيداً، غالبيتهم من النساء والأطفال. وقد دخلت المستشفيات مرحلة الانهيار الكامل، بعد أن باتت عاجزة عن استقبال المزيد من الضحايا، في ظل انعدام الأدوية والمستلزمات، وغياب الكهرباء والوقود.

استشهاد 18 فلسطينيا جوعاً خلال يوم
في تصريح صادم جديد، قالت مديرة الإعلام في وكالة "أونروا"، إيناس حمدان، إن أكثر من 6 آلاف شاحنة محملة بالغذاء والدواء عالقة عند المعابر، يرفض العدو الصهيوني السماح بدخولها، بينما الأطفال يموتون من سوء التغذية. وأشارت إلى أن طفلاً من كل عشرة يعاني من آثار الجوع، في وقتٍ لا يمكن فيه توزيع أي مساعدات إنسانية، منذ أسابيع.
وكان استشهاد الطفلة رزان أبو زاهر، جراء سوء التغذية، أمس، إعلاناً صريحاً عن موت العرب والإنسانية. لم تُقتل رزان بصاروخ، بل ارتقت ضحية التجويع، في جريمة أخرى تُضاف إلى سجل "إسرائيل" الأسود. وبحسب وزارة الصحة، فقد سجلت "18 حالة وفاة خلال 24 ساعة، بسبب المجاعة في غزة".
كما استشهد 86 شخصاً حتى الآن بسبب المجاعة، بينهم 76 طفلاً، فيما وصفته بـ"المجزرة الصامتة" التي يتواطأ فيها العالم، بصمته، مع القاتل.
منذ 27 أيار/ مايو 2025، وحتى اليوم، استشهد ما لا يقل عن 995 فلسطينياً أثناء محاولتهم الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات التي فرضتها "إسرائيل" وأمريكا بعيداً عن إشراف الأمم المتحدة، وهي "مصائد موت" يُطلق فيها الجنود النار على من يقف في الطوابير، ويجبرون المدنيين على المفاضلة بين الموت جوعاً أو بالرصاص.
ومع استمرار المجاعة، حذّر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة من "كارثة إنسانية غير مسبوقة"، مؤكداً أن أكثر من 2.4 مليون إنسان باتوا مهددين بالموت الجماعي، في ظل إغلاق المعابر منذ أكثر من 140 يوماً، وحرمان السكان من الماء والغذاء وحليب الأطفال والوقود.

قنص جندي وتدمير 3 دبابات
في وسط هذه الظلمات، لا تزال المقاومة الفلسطينية حاضرة تُسطّر ملاحم صمودها. فقد أعلنت كتائب القسام وسرايا القدس استهداف ثلاث دبابات صهيونية من طراز "ميركافا" شرق حي الشجاعية، في السابع من حزيران/ يونيو، باستخدام عبوات "شواظ" و"ثاقب" وقذائف "تاندوم". كما تم قنص جندي قرب مدرسة الناصرة في 11 تموز/ يوليو، إضافة إلى استهداف مقر قيادة لقوات الاحتلال شمال خان يونس بقذائف الهاون.

صرخة الشعوب تخنقها هراوى الأنظمة
عمّت مظاهرات غاضبة عدّة مدن عربية وعالمية رفضاً للعدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، واحتجاجاً على سياسة التجويع الممنهجة التي يتعرض لها أكثر من مليونَي إنسان داخل القطاع المحاصر.
ففي الضفة الغربية المحتلة، قمعت الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة عباس تظاهرات شعبية خرجت في رام الله ونابلس وجنين، واعتقلت عدداً من النشطاء الذين دعوا لكسر الصمت والتواطؤ. وفي المغرب، شهدت العاصمة الرباط مظاهرة حاشدة رفع فيها المتظاهرون شعارات منددة بالتطبيع والحصار الصهيوني، في ظل تواجد أمني مكثف.
وفي عمّان، أُبلغ عن منع الأمن لبعض التجمعات بداية، قبل تنظيم احتجاجات مقتضبة.
أما في عدد من العواصم الأوروبية، فنُظّمت وقفات تضامنية طالبت بفتح المعابر ووقف المجاعة، بينما أبلغ عن تدخلات أمنية عنيفة في بعض المدن، منها العاصمة الألمانية برلين لمنع المحتجين من رفع أعلام فلسطين أو ترديد شعارات مناوئة لـ"إسرائيل".
وأوقفت الشرطة عدداً من المشاركين في مظاهرة برلين، التي رفع فيها مئات المتضامنين شعارات تندد بسياسة العدو الصهيوني وحملة الإبادة التي تستهدف غزة.
كما نظمت الجالية الفلسطينية في مدينة بريمن الألمانية، إلى جانب تجمعات من العرب والأوروبيين المتضامنين، مسيرة حاشدة نددت باستمرار الحرب والتجويع في غزة، رافعين الأعلام الفلسطينية ولافتات تحاكي مأساة الأطفال، ومطالبين المجتمع الدولي بالضغط على الكيان الصهيوني لوقف الجرائم المرتكبة.
وفي الولايات المتحدة، شهدت مدينة بروكلين مسيرة كبيرة تحت شعار "وقف إطلاق النار الآن"، شارك فيها مئات النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان من خلفيات دينية ومدنية متعددة، مطالبين بوقف الدعم الأميركي للحرب على غزة.
وشملت الاحتجاجات عدة مدن أمريكية أخرى، مثل نيوجيرسي وماساتشوستس، حيث ركز المتظاهرون على دعم مبادرات المقاطعة ووقف إرسال السلاح إلى الكيان الصهيوني.
وبينما تعبّر بعض الدول عن تضامنها مع غزة بصوت خافت، كان يمن 21 أيلول يصرح بأعلى الصوت في وجه الصهاينة، وخرجت في اليمن، أمس، مسيرات مليونية في جغرافيا السيادة مساندة لغزة، خاصة عقب دعوة من حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى حراك عالمي ضد الإبادة والتجويع الصهيوني بغزة.