اليمن بالحبر العبري -
قدم الحوثيون أنفسهم في بداية الحرب في غزة على أنهم شركاء في محور المقاومة، الذين يقاتلون من أجل وقف الحرب وإنقاذ سكان قطاع غزة. لكنهم الآن يتحدثون بالفعل عن حقيقة أن حربهم ليست مجرد رد فعل على الحرب في غزة، ولكنها موجَّهة للولايات المتحدة وبريطانيا وبقية الدول الأعضاء في التحالف البحري الذي أنشأته واشنطن في البحر الأحمر.
كما يؤكد الحوثيون أنهم الوحيدون الذين يواصلون القتال في المعركة الحقيقية، وأنهم فقط من يجرؤون على مواجهة قوى الغرب ولاسيما الولايات المتحدة. في الواقع إنهم صادقون. لقد توقفت المليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق -شركاؤهم في الحملة- عن مهاجمة الأهداف الأمريكية منذ 4 فبراير في العراق وسوريا.
ليس للحوثيين تحالفات استراتيجية مع دول المنطقة تقيدهم أو تملي عليهم سياسات تتباين مع مصالحهم المباشرة والآنية. إن علاقتهم الجوهرية مع إيران، التي تزودهم بالأسلحة والعتاد العسكري والتكنولوجيا المتقدمة، ليست ثنائية. ولدى زعيمهم عبدالملك الحوثي أجندته الخاصة، التي لا تتماشى بالضرورة، مع أجندة إيران.
إنها أيديولوجية بعيدة المدى، تتجاوز إلى حد بعيد التطورات في غزة أو الشراكة في “محور المقاومة”. ومن غير المهم في الوقت الراهن إذا كان هناك أي احتمال لتطبيقها في اليمن. وتكمن أهميتها في أنها ترسم نطاق الصراع الذي يخطط له الحوثيون، والتحدي الاستراتيجي الذي يشكله على دول المنطقة والغرب.
وفي الوقت ذاته، تواجه الولايات المتحدة صعوبة في التوصل إلى الرد المناسب لضمان الملاحة في البحر الأحمر. وقد تبنت الولايات المتحدة استراتيجية جديدة هدفها ردع وتقويض قدرة الحوثيين العسكرية بعد فشل استعراض القوة البحرية المتمركزة في المنطقة في الردع. ولكن لم يسفر هذا أيضاً عن نتائج يمكنها حسم الحرب.
ولم يقتصر الأمر على فشل شرط “الردع” في معادلة رد الفعل الأمريكية، بل إن الضرر الذي لحق بالقدرات العسكرية للحوثيين لايزال بعيداً عن كبح نشاطهم.
إن السيناريو الأكثر تهديداً هو إجبار القوات الأمريكية على غزو اليمن وإعادة فتح الجبهة العسكرية في البلاد. ومن الأفكار التي يجري مناقشتها هذه الأيام تعزيز الجيش اليمني واستخدامه لمواجهة الحوثيين.
لكن “الجيش اليمني” هو مصطلح نظري. إنه هيكل مكون من وحدات متنافسة، وعناصر قبلية ليسوا “إخوة في السلاح” كما ينبغي. تعرّض الجيش لهزيمة نكراء في السنوات الأخيرة، حيث لاتزال السعودية والإمارات تشنان حرباً واسعة النطاق في مواجهة الحوثيين. لا تخضع بعض القوات المسلحة في اليمن على الإطلاق للحكومة الرسمية أو المجلس الرئاسي الذي يقود البلاد. ويطمح بعضهم -مثل الخاضعين لـ“المجلس الانتقالي الجنوبي المؤقت” الذي تأسس عام 2017 برئاسة عيدروس الزُبيدي- إلى إعادة تأسيس الدولة الجنوبية لليمن، مع أنهم أعضاء في المجلس الرئاسي. وتعتمد هذه القوى على تلقي دعم هائل من دولة الإمارات التي أصبحت منافساً للسعودية في الساحة اليمنية.
الحوثيون ليسوا في عجلة من أمرهم. وفي تقديرهم أن استمرار الحرب في البحر الأحمر لن يحقق لهم إلا مزيدا من الإنجازات على الساحة السياسية وسيجبر الحكومة اليمنية وحلفاءها -بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- على نقل صلاحيات واسعة من السيطرة. ومن هذا المنطلق، فإنهم يسعون جاهدين إلى تحقيق حلم زعيمهم، وخاصة من خلال السيطرة على حقول النفط في جنوب اليمن، التي فشلت محاولات الاستيلاء عليها حتى الآن.


تسفي برئيل
صحيفة «هاآرتس» العبرية