شعبنا لن يأكل بثدييه فلا تسخروا من أوجاعه
حكومة (إنقاذ)..لـم تنقـذ شيئـاً حتـى الآن     

خرج أبناء الشعب اليمني، في بداية ديسمبر العام المنصرم، تأييداً ومباركة لحكومة الإنقاذ الوطني التي جاءت ملبية لتطلعات وطموحات أبناء الشعب في تعزيز الاصطفاف الوطني ومواجهة العدوان والتحديات التي تواجه البلاد خلال المرحلة الراهنة، بعد أن انتظروها كثيراً منذ بداية العدوان, وجاءت أخيراً نتيجة الاتفاق السياسي بين جماعة أنصار الله وحلفائها وحزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، حيث اقتضى تشكيل مجلس سياسي أعلى يحكم البلد ويعلن تشكيل حكومة تدير شؤون مؤسساته، وبعد فترة طويلة أعلن المجلس، في أواخر نوفمبر العام الماضي، تشكيلة حكومة الإنقاذ، تزامناً مع الاحتفال بعيد الاستقلال وجلاء آخر جندي بريطاني من عدن, غير أن أبناء الشعب لم يروا إلى اليوم ما يدل على نجاح الحكومة في تنفيذ برنامجها الذي نالت به ثقة البرلمان وتصديقه, كما أنها لم تفِ بالوعود التي أعلنها رئيس الحكومة وبعض الوزراء في عدد من وسائل الإعلام.. يرى مختصون ومتابعون أن حكومة الإنقاذ الوطني أخفقت في أول اختبار لها، والسبب في ذلك هو رفعها سقف التعويل بدلاً من اهتمامها بإنجاح مهامها وإنجاز الأعمال والوعود التي وردت في برنامجها، أو تلك التي تحدث بها رئيسها ووزراؤها أمام أبناء الشعب عبر وسائل إعلامية مختلفة.
لم تفِ بوعودها
ورد في البرنامج الذي قدمته حكومة الدكتور عبدالعزيز بن حبتور لرئيس وأعضاء مجلس النواب للمصادقة عليه، أنها ستركز في أدائها على الأولويات المتعلقة بمواجهة العدوان والحد من آثاره حسب الإمكانيات والموارد المتاحة, وتعزيز صمود الجبهة الداخلية وحشد الطاقات للمجهود الحربي وانتظام صرف مرتبات الموظفين في كافة وحدات الخدمة العامة وكل ما يتعلق بحياة المواطن اليومية.
وأوردت في برنامجها في النقطة الثالثة من الفصل الأول الخاص بمواجهة العدوان والحد من آثاره، أنها ستعمل على تحسين الوضع المعيشي لأفراد القوات المسلحة والأمن واللجان الشعبية، وتنفيذ برنامج رعاية الجرحى وأسر الشهداء والمتقاعدين, مشيرة إلى سعيها لاتخاذ التدابير اللازمة للتغلب على أزمة السيولة المحلية وتعزيز دور البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية والدين العام وإدارة سعر الصرف ونظام المدفوعات وحسابات الحكومة وضمان تعزيز أداء النظام المصرفي للقيام بدوره في عملية التمويل والإيداع وغيرها.
بعد أن نال برنامج الحكومة ثقة البرلمان بفترة وجيزة، وعد رئيس الحكومة الدكتور عبدالعزيز بن حبتور، في عدة مقابلات له مع وسائل إعلام محلية ودولية، بالعمل من أجل إنجاز ما جاء في برنامج حكومته, مؤكداً في كل اللقاءات التي أجريت معه أن المرتبات سينتظم صرفها مع راتب شهر يناير الماضي, تلته عدة تصريحات من مسؤولين ووزراء في الإنقاذ تدعم ما أكده رئيسها، ولكن هذا لم يحدث، مما أثار سخط المواطنين.

تفاؤل وسخط
نجحت اللجنة الثورية طوال فترة إدارتها لمؤسسات الدولة في تنظيم صرف مرتبات موظفي الجهاز الحكومي وإدارة الأزمة الاقتصادية وضبط سوق صرف العملات الأجنبية, وكذلك المجلس السياسي الأعلى بعد تشكيله الناتج عن الاتفاق السياسي بين المكونات الوطنية، نجح في بداية فترته في إدارة المؤسسات, ولكن بعد قيام العدوان ومرتزقته بنقل البنك المركزي إلى عدن تعثرت الأمور الاقتصادية وبدأت أزمة الرواتب، وعرف المواطنون أن العدوان يقف وراءها, فلم يحملوا القوى السياسية المسؤولية تجاه ذلك، وبعد تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني تفاءل المواطنون خيراً، ولم يطلبوا منها معالجة أزمة الاقتصاد والرواتب، ولكن وعود رئيس الحكومة هي التي جعلتهم متأملين دفع رواتبهم وانجلاء أزمة الاقتصاد، ولكن لم تفِ الحكومة بوعودها، ما أثار سخطهم.
فالأولوية في اهتمام الحكومة، كما يرى قادة القوى الوطنية، هي في صرف الرواتب لأبطال القوات المسلحة والأمن، كونهم الأساس الذي يصمد به الشعب اليمني في مواجهة العدوان, يليه ترقيم الشهداء ورعاية أسرهم، وهذا ما أكده السيد القائد عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير بمناسبة يوم الشهيد، والذي طالب من خلاله الحكومة بالاهتمام بأسر الشهداء والجرحى, والعمل على محاربة الفساد، وأفادت معلومات من موظفين في بعض الوزارات أن الوزراء يتقاضون مرتباتهم شهرياً، في الوقت الذي لا يعملون فيه على توفيرها للموظفين الأدنى منهم، ويكتفون بإطلاق الوعود لإسكاتهم, غير مدركين أن هذا قد يخدم العدوان ومرتزقته في إنجاح مساعيهم لإثارة المواطنين ضد القوى الوطنية.

اللجنة الثورية كانت أفضل
المواطن محمد صالح الديلمي (49 عاماً) متقاعد في الجيش، يقول: كنا منتظرين لهذه الحكومة بفارغ الصبر كي تعمل على تخفيف معاناتنا من العدوان, وبعد إعلان المجلس السياسي تشكلت الحكومة وخرجنا لمباركتها في ميدان السبعين، وقررنا أن ننتظر ونعذرها في أي فشل بسبب الوضع السيئ الذي أتت فيه, ولكن وعود رئيس وزرائها جعلتنا نتفاءل كثيراً، خصوصاً من جانب المرتبات التي نسيناها قبل وعوده، وعذرنا القائمين على مؤسسات الدولة في توفيرها وصرفها لعدة أسباب, ولكن لم يتم تنفيذ أي من الوعود التي قالها رئيس الوزراء بشأن الرواتب، وانتظرنا طوال ديسمبر ويناير والآن فبراير ولم يتم صرف ريال واحد, وهذا سيجعلنا نفقد ثقتنا بالحكومة.
من جانبه، يصف عبدالحميد الحدم، مدير إحدى مدارس مديرية الحداء بمحافظة ذمار، وأحد المتابعين للشأن الداخلي، حكومة الإنقاذ الوطني بـ(مركب النجاة المخروق)، لأنها جاءت لتخفف عن المواطن عناء الصمود، وتمسح دموع الفقراء، وترفع معنويات الجيش الذي سُلب منه عمله المكلف به، ولم شمل اللجان الشعبية مع رفاقهم في جبهات القتال تحت قيادة وزارة الدفاع، وإنعاش الاقتصاد الوطني, والأهم من هذا وذاك والهدف الأسمى من تشكيلها، بحسب ما يراه الحدم هو معالجة وصرف رواتب موظفي الدولة مدنيين وعسكريين, وهذا منح برنامجها ثقة البرلمان, وبعد وعود أطلقتها الحكومة بأنها ستصرف المرتبات بدءاً من شهر يناير 2017م، نسمع الفاجعة المدوية من الحكومة ذاتها وهي تبرر لنفسها العجز والإفلاس لأسباب لاتدخل عقل عاقل. مضيفاً في حديثه لـ(لا) أنه يجب على الإنقاذ الوطني أن تفي بوعودها، وإلا فسلة المهملات تتسعها، وبينهم وبينها الله يوم لا ينفع الندم.
أما حمود الفقيه (33 عاماً) يعمل محامياً، فيقول: اللجنة الثورية كانت أفضل من حكومة الإنقاذ، لأنها لم تعد المواطنين بشيء إلا ونفذته, بينما الحكومة لم تنفذ أياً من وعودها كصرف مرتبات الموظفين التي تعجبنا لرئيسها عندما وعد بانتظام تسليمها من يناير، لأننا ندرك أن العدوان ومرتزقته سلبوا موارد الدولة وصعدوا من حربهم الاقتصادية، وبالتالي كان الأحرى به عدم قطع مثل تلك الوعود التي يصعب تنفيذها والإيفاء بها في هذه الظروف.

ضعف رقابة الحكومة
على سوق العملة
ارتفع سعر صرف العملات، الأسبوع الماضي، بشكل مخيف، حتى وصل سعر الدولار 390 ريالاً يمنياً، ما خلق موجة ذعر في أوساط المواطنين الذين يعانون في معيشتهم بفعل العدوان والحصار لقرابة العامين, وبحسب اقتصاديين فإن أهم أسباب ارتفاع الدولار تتمثل في سيطرة العدوان ومنافقيه على مصادر النقد الأجنبي كصادرات النفط والغاز, بالإضافة إلى استنزاف الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية واختفاء المساعدات الدولية المقدمة لليمن.
كما أن هناك أسباباً أخرى عملت على رفع سعر صرف العملات الأجنبية، من ضمنها ضعف رقابة حكومة الإنقاذ على سوق الصرافين، ما سمح بوجود مضاربين بالعملة, وتتحمل الحكومة مسؤولية هذا كونها ضمّنت في الفقرة 23 من الباب الثاني لبرنامجها أنها ستعمل على تعزيز دور البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية والدين العام وإدارة سعر الصرف وضمان تعزيز أداء النظام المصرفي للقيام بدوره في عملية التمويل والإيداع وغيرها.

ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشتقات
وصاحب ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية ارتفاع في أسعار المواد الغذائية، ما يزيد من المعاناة لدى أبناء الشعب، وفي هذا يقول خالد المرفدي (41 عاماً) تاجر جملة للمواد الغذائية: إن عدم استقرار سعر الصرف للنقد الأجنبي عند مستوى محدد يمثل مشكلة لدى تجار الاستيراد، وينعكس ذلك على المواطنين, وخلال الأيام الماضية ارتفع سعر الدولار والريال السعودي بشكل كبير، ما دفعنا إلى أخذ احتياطاتنا كوننا نستورد بضائعنا بالعملة الأجنبية, وإذا ما أرادت حكومة الإنقاذ الوطني أن نحافظ على أسعار المواد الغذائية ونمنع ارتفاعها بما يحقق نوعاً من الاستقرار الاقتصادي، فإنه يجب عليها أن تضبط سوق العملات الأجنبية وتكثف من جهودها الرقابية.
ليس هذا فحسب، فالمشتقات النفطية أيضاً شهدت أسعارها ارتفاعاً مفاجئاً في الأيام الماضية، حيث وصل سعر اللتر الواحد من البنزين إلى 280 ريالاً، بعد أن كان سعره 210 ريالات أثناء توفره في محطات شركة النفط بسعر 180 ريالاً, وهذا الارتفاع أتى بعد انعدام المادة في محطات الشركة الرسمية بسبب منع تحالف العدوان سفن الشركة من دخول ميناء الحديدة لتفريغ حمولتها, كما أن ارتفاعها يأتي بسبب خروج المحطات الخاصة عن رقابة شركة النفط بفعل قرار التعويم، لهذا يرى الكثير من الاقتصاديين أنه يجب على حكومة الإنقاذ جعل المحطات الخاصة تخضع لرقابة شركة النفط، وهي التي تحدد سعر بيع مشتقات النفط فيها.
ويغيب دور حكومة الإنقاذ في الواقع، حسب ما يقوله الشارع اليمني, فالمواطنون لا يرون من الحكومة سوى سعيها في البحث عن الإيرادات والعمل على ضمان توفرها، بينما لا تقدم أية خدمات للمواطنين, وعلى سبيل المثال ينتشر مرور أمانة العاصمة في شوارعها بحثاً عن المخالفات القديمة لإلزام مرتكبيها بسداد ما يترتب عليها, ويترك أفراده تلك الشوارع تختنق من زحمة السيارات دون أن يقوموا بواجبهم في تنظيم الحركة فيها.
    
الحاجة إلى إدارة رشيدة
تفاوتت آراء المختصين والمتابعين حول أسباب الأزمة ودور الحكومة فيها وما ينبغي عليها فعله لحلها من جذورها, وأظهر التفاوت أن العدوان هو المتسبب الأول في الأزمة, بينما تتحمل حكومة الإنقاذ جزءاً من المسؤولية.
قال الأكاديمي في جامعة عدن الدكتور سامي عطا لـ(لا): إن مشاكل حكومة الإنقاذ كبيرة جداً، سببها نقل البنك والحصار المفروض جواً وبحراً، حيث باتت كل أوعية الإيرادات الحكومية خارج متناولها، هذا فهي بحاجة إلى إدارة ما تحت يدها إدارة رشيدة، ولا وقت لديها للتساهل مع الفساد، فالمعركة معه في هذا الوقت تعتبر أساساً للانتصار.
وأضاف الدكتور عطا: يبدو أن حكومة (الإنقاذ الوطني) تراهن على فشل (حكومة عملاء الرياض)، وعليها أن تعي جيداً أنها ستفشل بالتأكيد، لهذا عليها ألا تنتظر أقدار ذلك, وأن تعمل على نجاحها بعد أن تبحث عن مكامن الضعف فيها لتعالجها وتنمي جوانب قوتها. مشيراً إلى أنه من الضروري أن تعمل الحكومة مسحاً لمقدراتها والوعاء الضريبي خاصتها وما تمتلكه, ولا تسمح بالتهرب، وأن تسد كل منفذ تعبر منه إيرادات الدولة للجيوب, لأنه من غير المعقول أن الناس تستشهد في الجبهات وهناك من يفشل في الجبهة الاقتصادية.. المسألة تحتاج حزماً وليس (طبطبة وملاس).

تلاعب هوامير السوق السوداء
من جانبه، يرجح عضو الهيئة الإدارية لجمعية المحاسبين القانونيين اليمنيين عبده حسن الصديعي، أن ارتفاع سعر صرف الدولار في الوقت الذي أعلن العدوان إغلاق ميناء الحديدة بشكل كامل، يدل بوضوح أن هناك تلاعباً واضحاً من قبل هوامير السوق السوداء للعملة، لأن الحاجة للعملة الصعبة تكون كبيرة في حالة كان الاستيراد مفتوحاً، مضيفاً أن هناك ضعفاً في الرقابة الفعلية للبنك المركزي بصنعاء بعد قرار النقل، وهو ما أدى إلى تلاعب شركات الصرافة بسعر السوق.
ويتابع الصديعي حديثه لـ(لا): ولكن السبب الرئيسي وراء ارتفاع سعر الصرف من وجهة نظر شخصية، هو اختلاف سعر الصرف بين صنعاء وعدن، حيث إن سعر الصرف في السوق السوداء بلغ أكثر 385 ريالاً، وهو ما جعل المضاربين بأسعار العملة في صنعاء يضاربون بشراسة لشراء العملة حتى يقوموا بالبيع في عدن، ليستفيدوا من فارق أسعار الصرف، وليس الأمر متعلقاً بحكومة الإنقاذ، ولكن الموقف الرقابي للبنك المركزي في حالة ضعف، وبالتالي وجد المضاربون بأسعار الصرف فرصة في الضغط على الوضع الاقتصادي، خصوصاً انقسام الوضع الرقابي للقطاع المصرفي بين عدن وصنعاء.
ويلزم التنويه هنا إلى أن سعر صرف الدولار تراجع، الخميس الماضي، إلى 325 ريالاً، بعد أن كان ارتفع إلى 390، مما يدل على أن هناك تلاعباً واضحاً بسعر الصرف وغياباً للرقابة الحكومية على سوق الصرافين.
وفي ما يخص الرواتب ووعود حكومة الإنقاذ في انتظام تسليمها، فقد رأى مختصون أنها لا تخلو من أحد احتمالين: الأول: أن الوعود جاءت بعد الوعود الروسية بضخ العملة المحلية المطبوعة فيها مناصفة بين صنعاء وعدن، وهذه الوعود لم ينفذها الجانب الروسي، أو تمت عرقلته لأسباب تتعلق بالمفاوضات والتصعيد العسكري من أجل إحداث مزيد من الضغط الشعبي ضد القوى الوطنية. الثاني: أن حكومة الإنقاذ تعمدت عدم صرف المرتبات بعد أن توقف مسار المفاوضات السياسية من أجل توليد مزيد من الضغط الاجتماعي على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، خصوصاً بعدما اتضح أن حكومة الرياض لن تفي بوعودها في صرف المرتبات.