تحقيق/ عادل بشر / لا ميديا -
«قطرة دم» تساوى حياة إنسان.. وكيس دم واحد كفيل بإنقاذ مريض قد يفارق الحياة إن لم يتوافر له فى الوقت المناسب.
هذه العبارات ليست نظرية، لكنها واقع مرير يعانيه الكثير من المرضى وأهاليهم الذين قد يفقدون حياة عزيز عليهم بسبب عدم وجود كيس «قربة دم».
مساء الجمعة 21 يوليو/ تموز الجاري، أطلق والد الطفلة جود فهد الصلاحي، نداء استغاثة، عبر صفحته على الفيسبوك، لإنقاذ ابنته من موت محدق جراء تعرضها لانهيار حاد في كريات الدم، وتحتاج إلى 8 صفائح دم فصيلة +A، راجياً ممن لديه قدرة على التبرع بالدم من ذات الفصيلة، التوجه صباح اليوم التالي إلى المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه في حرم مستشفى السبعين للأمومة والطفولة بصنعاء.
وللتذكير فإن جود فهد الصلاحي (13 عاماً)، أحد الأطفال مرضى لوكيميا الدم، الذين تلقوا أواخر أيلول/ سبتمبر 2022م، جرعة من دواء (methotrexate) في قسم لوكيميا الأطفال بمستشفى الكويت الجامعي، ليتضح لاحقاً أن الدواء ملوث وأودى بحياة 11 طفلاً، وأدخل 10 آخرين العناية المركزة نتيجة للمضاعفات الخطيرة التي تسببت بها الجرعة الفاسدة.
«جود» هي من بين العشرة الذين حالفهم الحظ بالنجاة من الموت، لكنهم أُصيبوا بمضاعفات جعلتهم يتذوقون طعم الموت بشكل يومي، فبعد أن كانت قد أوشكت مرحلة علاجها من سرطان الدم، على الانتهاء، جاءت «الجرعة القاتلة» لتعيدها إلى الصفر، ومنذ أيلول/ سبتمبر 2022م، حتى اليوم، وهي تعاني من مضاعفات جسيمة، أنهكت جسدها وأذاقت أسرتها ويلات الألم.
الأسبوع المنصرم، وبعد ثلاثة أيام من رقودها في المستشفى لأخذ جُرعة «ستزار»، وفقاً لوالدها، تعرضت الطفلة لانتكاسة كبيرة وانهيار حاد في كريات الدم، مما يستدعي منحها صفائح دم بشكل مستعجل.

حضر الدم وغابت المسؤولية
صباح السبت، 22 يوليو/ تموز الجاري، اتجه الصلاحي برفقة عدد من الأشخاص، الذين لبوا النداء للتبرع بالدم، في المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه بمستشفى السبعين للأمومة والطفولة، والأمل يحدوه بالحصول على العدد المطلوب من المتبرعين (16 شخصاً) لتغطية 8 صفائح (قرب) دم، غير أنه فوجئ بالسماح لاثنين فقط من المتبرعين بالدخول إلى المركز للقيام بنقل الدم، وتم إرجاع البقية نظراً لعدم توفر  القرب (الأكياس) الخاصة بالدم في المركز، مما اضطر بالأب إلى الذهاب لشراء ما استطاع من كمية الدم المطلوبة من مستشفيات خاصة.
ليست الطفلة جود الصلاحي، سوى واحدة من حالات مرضية كثيرة، بحاجة ماسة إلى الدم، ووقف انعدام “القرب الفارغة” حائلاً دون القيام بنقل الدم من المتبرعين.
شاهدنا ذلك بأنفسنا، حيث قمنا بزيارة المركز وقت الدوام الرسمي، ووجدنا العشرات ممن جاؤوا للتبرع بالدم لمرضى من أهاليهم أو أصدقائهم، وبعضها حالات مرضية كثيرة تستدعي نقل الدم فوراً، إلا أن المركز لا يستطيع استيعاب جميع المتبرعين، فيضطر إلى إغلاق أبوابه بمجرد أن تكتمل الكمية المتوفرة لديه من الصفائح الفارغة.

استهتار
حالة من الاستغراب والاستهجان في آن، سادت الراغبين بالتبرع بالدم، الذين قابلناهم في فناء المركز، من بينهم أشخاص قدموا من تلقاء أنفسهم، بهدف منح كمية من دمائهم لأي مريض عجز أهله عن توفير «قربة دم»، ففي هذا الشعب من الرحمة وحُب الخير ما يغطي عيوب الحكومة وتقصيرها تجاه شعبها.
وعبر المواطنون في أحاديث مع «لا» عن استيائهم من هذا التصرف، واصفين ما يحدث بأنه “استهتار” بأرواح المرضى وانعدام تام للمسؤولية لدى القائمين على المركز وقيادة وزارة الصحة العامة والسكان. متسائلين في ذات الوقت: هل أصبحت أرواح المرضى رخيصة لدى الحكومة والجهات المختصة التابعة لها كوزارة الصحة وغيرها، إلى درجة أن يرفض مركز نقل الدم، استقبال المتبرعين بالدماء، لصالح آلاف الحالات المرضية التي تقف حياتها رهينة قربة دم، يُفترض أن توفرها الصحة عبر مستشفياتها مجاناً دون حاجة أهالي المرضى إلى البحث عن متبرعين، أو الشراء بأسعار باهظة، من مستشفيات خاصة، في حال توفر “الدم” بتلك المستشفيات.
وطالبوا الوزارة والجهات المختصة بسرعة التدخل ووضع حد لما وصفوه بـ”المهزلة” وتوفير احتياجات المواطنين من أكياس الدم.

سوق الدواء
على مقربة من مستشىفى السبعين توجد صيدلية خاصة، التقينا بأحد العاملين فيها وهو الدكتور صيدلي نشوان الجراش، الذي أوضح أن الصيدلية كانت في وقت سابق تبيع قرب الدم الفارغة للمواطنين بمبلغ يتراوح بين 500 و700 ريال للقربة الواحدة، ولكنهم إلى قبل نحو سنة، توقفوا عن توفيرها، نتيجة غلاء أسعارها من قبل تُجار الجُملة والموردين.
وقال الجراش: “كنا نبيع كميات من قرب الدم، لأننا جوار بنك الدم والطلب لا يتوقف في أي يوم”.
انتقلنا إلى سوق الأدوية في شارع التحرير، نُسائل وكالات ومؤسسات الأدوية وتجار الجملة، عن “قرب الدم” وهل هي متوفرة، فأكد البعض منهم توفرها بسعر تفاوت ما بين 2000 و2500 ريال للقربة الواحدة.

صدقات أممية
مدير عام المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه الدكتور أيمن الشهاري، أكد افتقار المركز لأكياس الدم الفارغة، معترفاً بعدم مقدرتهم، حالياً، على استقبال الكثير من المتبرعين بالدم، حتى تتوفر الكميات المطلوبة من «القرب».
وقال الشهاري لـ«لا»: «مازلنا منتظرين أن تعطينا منظمة الصحة العالمية كمية من القرب الخاصة بنقل الدم».
وحول سؤالنا عن الحلول البديلة، التي يضعها المركز لمثل هذه الظروف، قال الشهاري: “هذه القرب منعدمة في السوق المحلي، وإلا كنا اشترينا كمية لتغطية الاحتياج، لذلك ليس أمامنا سوى الانتظار لمنظمة الصحة، التي طالبناها بتزويدنا بالكمية، وقالوا إنها على وشك الوصول”.
وأضاف، بعد أن واجهناه بأمر جولتنا في سوق الأدوية: “سنقوم بالنزول إلى المندوبين وشراء الكمية التي نحتاجها”، مستطرداً بالقول: “قد يكون معهم في السوق وإحنا مش عارفين!”.
وأوضح مدير المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه، أن الكمية التي يحتاجها المركز من القرب الخاصة لنقل الدم، مائة قربة يومياً، وحالياً يتم منحهم د سبعين قربة لليوم الواحد، وهو ما يجعلهم يعتذرون عن استقبال المتبرعين بعد تغطية هذا العدد.
وقال الشهاري: “سبعون قربة يومياً، تعتبر كمية جيدة، لكن الطلب كبير جداً، كوننا مركزا مجانيا، لذلك نستقبل الكثير من الحالات التي يتم توجيهها من مستشفيات حكومية وأخرى خاصة”.
وبحسب مدير المركز الوطني لنقل الدم فإن مشكلة عدم توفر “القرب الفارغة” بالشكل المطلوب سيتم حلها خلال أسبوع على أقصى حد.