عادل بشر / لا ميديا -
لا يمر موسم تشجير في أي عام إلا بتصريحات حكومية، حول خطط ومشاريع لتحويل شوارع العاصمة صنعاء، إلى جنة خضراء، ظلالها وارفة وأشجارها باسقة، وترصد لذلك ميزانيات ضخمة.
مؤخراً وتحديداً يوم الجمعة المتمم للأسبوع المنصرم، نشرت وكالة الأنباء الرسمية “سبأ” خبراً مقتضباً عن تدشين حملة زراعة أشجار النخيل المثمرة في الجزر الوسطية للشوارع العامة بأمانة العاصمة، التي تقع على ارتفاع 2150 متراً عن سطح البحر، بفارق 2140 متراً عن محافظة الحديدة ونحو 1500 متر عن حضرموت الشهيرتين بزراعة النخيل في اليمن.
وبعقلية المواطن اليمني البسيط القادم من أعرق مجتمع زراعي في العالم، تم التوجه إلى مكتب الزراعة بالأمانة لمعرفة الجدوى من زراعة أشجار مثمرة في غير بيئتها، لنكتشف أن لدى أمانة العاصمة توجها وخطة لزراعة الجزر الوسطية والمثلثات الترابية في الشوارع وعلى المداخل، بأشجار الفواكه المثمرة، وأبرزها “النخيل، التفاح، التوت، دنيا، بشملة”، وهو ما جعلنا نغوص أكثر في تفاصيل هذا المشروع “العملاق”.

ترقيع
قال لصحيفة «لا» مدير مكتب الزراعة بأمانة العاصمة إبراهيم شرف الدين، إنه وخلال موسم التشجير للعام الحالي 2023م/1444هـ، كانت توجيهات أمين العاصمة أن تكون معظم الأشجار في شوارع الأمانة، مثمرة ونافعة للإنسان، وتم وضع خطة متكاملة لاستهداف أهم شوارع العاصمة، مبدئياً، بأشجار الفواكه المثمرة، لافتاً إلى أن موسم التشجير يتضمن أشجار الفاكهة «تفاح، توت، دنيا، بشملة» بينما أشجار النخيل تأتي ضمن مشروع خاص منفصل.
وأوضح شرف الدين أنه تم البدء بزراعة أشجار النخيل والفاكهة في عدد من الشوارع، قائلاً: «قمنا بترقيع بعض الجزر الوسطية كون الأشجار السابقة كانت حراجية من نوع «فيكس» فعملنا على ترقيع هذه الشوارع بحيث تكون نمطا واحدا، إضافة إلى زراعة أشجار فاكهة في ما بينها».
وأشار إلى أن الشتلات بدؤوا بشرائها من المشاتل الخاصة بالأمانة، إضافة إلى أنه تم التنسيق مع مدير مكتب الزراعة بمحافظة إب، لموافاة مكتب الزراعة في العاصمة، ببعض الأشجار وبأسعار رمزية.

مشروع النخيل
وحول مشروع النخيل، أوضح شرف الدين أن هذا المشروع جاء بتوجيهات واهتمام كبير وحثيث ومتابعة مستمرة من أمين العاصمة، موضحاً بالقول: «كانت توجيهات وزير المالية أنه سيتم تعزيزنا بألف شجرة نخيل لا يقل طولها عن متر، وأمين العاصمة سعى جاهداً أن تكون غرسات أشجار النخيل مرتفعة بحيث لا تطالها أيادي الآثمين من المواطنين الذين ليس لهم أي توعية في أهمية تشجير الشوارع». مضيفاً: «سعينا جاهدين تنفيذا لتوجيهات أمين العاصمة بأن تكون أشجار النخيل مثمرة وأكثر طولاً».
وتعتبر فسائل النخيل، وفقاً لمختصين زراعيين، من أغلى الشتلات سعراً، ويزداد سعر الفسيلة كلما زاد عمرها وطولها، ويتراوح ما بين 35 ألفا و150 ألفا للفسيلة الواحدة.
وتم جلب غرسات النخيل من محافظة الحديدة، وفقاً لشرف الدين، الذي تحفظ عن ذكر تكلفة موسم التشجير ومشروع النخيل، مؤكداً أن «الأهم من التكلفة المالية، هو تنفيذ المشروع على أكمل وجه وأفضل أداء وإظهار أمانة العاصمة بالشكل اللائق». غير أن المؤشرات تفيد بأن الشكل اللائق الذي تحدث عنه مدير مكتب الزراعة في الأمانة، لن يتحقق، وفقاً لخبراء في الهندسة الزراعية، بناءً على اختيار أصناف من الفواكه لا تتلاءم مع بيئة صنعاء وأجوائها المناخية.

حرب ناعمة
يحاول إبراهيم شرف الدين الدفاع عن توجه أمانة العاصمة في تشجير الشوارع بالفواكه المثمرة والنافعة للإنسان، حد قوله، لكنه من جانب آخر يكشف عن جوانب سلبية لهذا المشروع، قائلاً: «الفواكه التي اخترنا زراعتها دائمة الاخضرار، وهي أيضاً مثمرة، لكن ثمارها معرضة لعوادم السيارات وأكلها من قبل المواطنين سيترتب عليه إضرار بصحتهم».متلافياً ذلك بالقول: «هذا ينطبق على الأشجار في جزر الشوارع، أما في المثلثات فهي بعيدة عن عوادم السيارات ويستطيع الإنسان أكل ثمارها».
وحول الجدوى من زراعة أشجار مثمرة بالفواكه في شوارع تتعرض الأشجار المغروسة فيها منذ سنوات، لانتهاكات لا تتوقف، قال مدير مكتب الزراعة بالأمانة: «الهدف خلق ثقافة قرآنية واعية ليعلم المجتمع أن الدولة والجهات الرسمية مهتمة في ما يخص التشجير بأشجار الفواكه، يعني نعمل نقلة نوعية، ونعرف المجتمع وطلاب المدارس بأنواع الفواكه التي تنتجها بلادنا».
وأكد أن الدراسات والأبحاث أثبتت أن معظم الإصابات الحشرية سبب دخولها إلى اليمن هي أشجار الزينة المزروعة من سابق في الشوارع، وقال: «اليهودي والنصراني لم يتركا وسيلة لاستهداف بلدان العالم الإسلامي إلا اتبعوها، ومن ذلك الحرب الناعمة فأدخل أشجار الزينة وفيها إصابات قاتلة، يعني تنقل الأمراض لأشجار الفواكه وللمواطنين، ولو لاحظت أن معظم الإصابات في أمانة العاصمة سببها أشجار الزينة، وهناك بحوث أثبتت ذلك».

نخيل روسيا
وفي ما يتعلق بالانتقادات حول زراعة النخيل في بيئة باردة بينما يحتاج إلى بيئة دافئة، قال شرف الدين: «سمعتُ بهذه الانتقادات، وأنا هنا أوجه لهم سؤالاً وهو كييف تم زراعة النخيل في روسيا التي تتعرض لصقيع معظم السنة، ومع ذلك أنتجت تمورا جيدة، بينما الدراسات تقول بأن الصقيع يؤثر على النخيل؟ ونحن في صنعاء هل عندنا صقيع؟».
وأكد أن تشجير الأمانة بثمار الفاكهه والنخيل تم بناءً على دراسات وهناك مهندسون مختصون بذلك، وليس الغرض «العبث فقط» حد قوله، موضحاً أن فشل تشجير شوارع صنعاء بالنخيل والذي تم من قبل الحكومات السابقة، سببه عدم الاهتمام بهذه الزراعة من حيث مستوى الحفر وتوفير التربة الزراعية المناسبة والمبيدات اللازمة، وزراعة الغرسة باتجاه «القِبلة»، مؤكداً أيضاً أن الدراسات أثبتت ضرورة زراعة النخيل باتجاه القبلة، حتى تنمو وتثمر..!

مشروع فاشل
يرى مختصون ومهندسون زراعيون أن واقع مشروعات التشجير في مدننا مخيب للآمال، لافتين الى أنه رغم الميزانيات الضخمة المخصصة لتلك المشاريع، إلا أن عمليات التشجير في معظمها يغلب عليها طابع الاجتهاد وغياب الرؤية وإغفال الجانب العلمي والبيئي في تلك العمليات.
وفي هذا الصدد علق مهندس الجبهة الزراعية عادل مطهر، وهو مهندس زراعي مخضرم، على مشروع زراعة شوارع صنعاء بأشجار الفاكهة المثمرة، بالقول: «إذا كان لدى أمانة العاصمة توجه حقيقي لزراعة الفواكه في الشوراع، فيجب أن يكون التوجه صحيحا، وتتجه لزراعة النباتات المناسبة لذلك وهي أشجار البرقوق واللوز والفرسك، واتباع الإجراءات الزراعية والجمالية الصحيحة».
وأضاف: «إذا أرادوا النجاح في ذلك وإظهار صنعاء بمنظر جمالي وتحقيق الهدف من هذا المشروع، فيجب أن يتم زراعة الأصناف اللوزية فقط، بحيث يتم تخصيص كل شارع لصنف معين، أما زراعة شجرة بشجرة هذا خطأ، وعبث كبير بالمال العام».
وأكد المهندس مطهر، وهو مخضرم في القطاع الزراعي، أن زراعة النخيل والتفاح في صنعاء كأشجار مثمرة، مشروع «فاشل مسبقاً».
وقال: «النخيل بيئته في الحديدة، والتفاح بيئته في شمال الشمال» مضيفاً: «البيئة في صنعاء غير حاضنة للنخيل، وإذا حصل وطلعت شجرة النخيل، ستكون شجرة خضراء لا ثمرة فيها».
ورداً على كلام مدير مكتب الزراعة بالأمانة حول نخيل روسيا، قال المهندس مطهر: «الروس عملوا كثيراً على تعديل الجين الوراثي للنخيل حتى أصبح ملائماً للجو هناك، ونحن هُنا نتحدث عن صنعاء وليس عن موسكو». موجهاً الدعوة إلى المسؤولين في أمانة العاصمة بالقول: «أشجار النخيل التي تعتزمون زراعتها في غير بيئتها بصنعاء، قوموا بإهدائها لمدينة الحديدة، لزراعتها في شوارعها، حيث بيئتها ومناخها ومكانها الصحيح، وبهذا ستتحول الحديدة إلى غابة نخيل».
كما دعا مهندس الجبهة الزراعية أمانة العاصمة إلى أن يكون عملهم «خالصاً لوجه الله».

مشروع عديم الجدوى
من جهته يشير الدكتور منصور الضبيبي، أستاذ في كلية الزراعة بجامعة صنعاء، إلى أن تشجير وزراعة الجزر والمساحات في الشوارع، يجب أن يتم على أسس علمية.
وقال الضبيبي: «النخيل من أرقى وأجمل وأكرم الأشجار، وأكثرها أناقة، ولكن لها بيئتها المناسبة لها ولإثمارها.. وكل أجزائها مفيدة من الليف والسعف إلى الثمار والنوى، ولكنها تحتاج إلى اهتمام وعناية وخصوصا في السنوات الأولى، بالإضافة إلى كونها بطيئة النمو.. لذلك زراعتها في الجزر الوسطية والأرصفة تعرضها للتلف إلا إذا تمت الزراعة بأشجار كبيرة، وهذا مكلف ويحتاج إمكانيات للزراعة والتجهيز والنقل، وهذا غير متوفر عندنا حالياً».
وأوضح الأكاديمي الضبيبي، أن النخيل كشجرة بإمكانها أن تنمو في صنعاء، لكنها لن تُثمر، مؤكداً أن مشروع تشجير الشوارع بالفواكه والأشجار المثمرة «لا جدوى منه، والشجرة المثمرة في المدن تجني على نفسها».
واختتم حديثه لـ«لا» بالقول: «الأفضل الرجوع إلى الأدلة العلمية الخاصة بتشجير الشوارع في المدن من حيث اختيار الأنواع المناسبة والمواسم والغرض من التشجير، وكذلك الاستعانة بالخبرات الفنية والاستفادة من الأخطاء والتجارب السابقة».