شايف العين / لا ميديا -
هي بقعة جغرافية جرت فيها وقائع تجاوزت تلك المذكورة ضمن الأساطير المروية في كتب التاريخ، ناسفة مقولة «لكل قصة نهاية»، فما إن يتحدث بطل من أبطالها عن تفاصيلها سرعان ما يدرك السامع أن هناك جديدا غفل غيره من رفاقه المجاهدين عن سرده.
إنها الدريهمي التي تكالبت كل قوى الشر في العالم على حصارها، وأحدثت فيها مأساة إنسانية حولها رجال صادقون إلى ملحمة لا تنتهي حكاياتها.
يروي أحمد الشرعبي أحد أبطال الجيش واللجان الشعبية الذين حوصروا في الدريهمي في لقاء أجرته معه صحيفة «لا»، تفاصيل جديدة عما حدث هناك لم تُسرد من قبل.

بداية الالتحاق بالمحاصرين في الدريهمي
المجاهد أحمد الشرعبي، المكنى بـ”أبو نصر” عن بداية التحاقه برفاقه المحاصرين في مدينة الدريهمي، يقول إنه عقب استشهاد الرئيس صالح الصماد أخبروه أن هناك دورة تدريبية لمن يريد الالتحاق بها، فالتحق بها وحين تخرج منها تم إرساله مع رفاقه في عمل تخصصي إلى إحدى الجبهات على الساحل بمحافظة الحديدة؛ قريبة من المنطقة المحاصرة.
مكثوا في تلك الجبهة شهرا وعشرة أيام، وقبل عيد الأضحى أخبرهم قائدهم بأن لديهم 10 أيام كإجازة يزورون فيها أهاليهم، كونه يحتاجهم للمرابطة في أيام العيد.
ذهبوا للمزاورة، وفي اليوم التالي لهم بين أهاليهم تواصل بهم مشرفهم وأبلغهم بأن الدريهمي ستحاصر، كون العدو بات يطوقها، لكنه لم يفرض بعد حصاره الكامل عليها.
لبّى أحمد ورفاقه نداء الواجب وعادوا للمرابطة وفور وصولهم أخطرتهم قيادتهم بضرورة دخول الدريهمي قبل حصار العدو لها بالكامل، واعتقدوا أنهم سيقومون بتعزيز رفاقهم الموجودين فيها فقط.
ويتابع أبو نصر الشرعبي حديثه: “توجهنا نحو الدريهمي عبر طريق مسير رملي، والعدو قد طوق المدينة وقطع خطوط الإسفلت، سرنا على الأقدام من الثامنة بعد المغرب مساءً وحتى الثالثة فجرا”.
وأشار إلى أن قوى العدو طوقت الدريهمي وتركت منفذا واحدا، ليكون المخرج الذي يفر منه المجاهدون داخل المدينة، لكنه كان المدخل بالنسبة لأحمد ومن معه لتعزيز رفاقهم.
وأوضح أن المجاهدين المحاصرين داخل الدريهمي لم يكن يتجاوز عددهم 40 فردا قبل وصوله ورفاقه، قائلا: “لم نكن نعلم أن العدو أطبق حصاره على المدينة وبينما كنا في طريقنا إليها، أبلغونا بأنها محاصرة وأخبرونا باحتمال أننا إذا دخلنا فستتم محاصرتنا فيها”.

بوصلة حملت ذخائر المجاهدين وأرشدتهم في ليل حالك إلى رفاقهم المحاصرين
وسط الكثبان الرملية المحاطة بالظلام الحالك والمرصودة من قبل العدو، يسير مجموعة من أبطال الجيش واللجان الشعبية عازمين الوصول إلى رفاقهم المحاصرين داخل المدينة التي يزورونها للمرة الأولى ولا يعلمون هل طريقهم ستوصلهم مبتغاهم أم سيقعون في أيدي قوى العدوان ومرتزقتها المتربصة بهم، بعد قطعها للطريق الإسفلتي.
يقول أحمد: “وصلنا بلاغ باحتمالية أن يتم حصارنا في حال دخلنا المدينة، وقد كنا على مقربة منها، لم نتراجع وقررنا المضي قدما وما اختاره لنا الله قبلنا به”.
أما عن البوصلة التي كانت دليل التعزيزات المرسلة ليلا للمجاهدين المحاصرين داخل الدريهمي، فكان جملاً يعرفه كل من شارك من أبطال الجيش واللجان الشعبية في ملحمة الدريهمي.
يتحدث المجاهد أبو نصر عن هذه البوصلة: “دخلنا المدينة ليلا راجلين بعد جمل، جي اسأل واحد من تعزيزات الدريهمي عن الجمل هذا، بيصيح منه لأنه خطينا بعد هذا الجمل لا داخل المدينة”.
ويتابع: “كان به واحد من حق تهامة معه جمل، حملنا ذخايرنا فوق حقه الجمل ومشينا بعده رجل من الثامنة بعد المغرب وحتى الثالثة فجرا، وكأننا عدنا إلى عصر الجاهلية، إلى أن وصلنا أطراف المدينة أبلغونا بأن نقوم بالتأمين فيها”.
وأكد المجاهد أبو نصر أن هذا الجمل ومالكه التهامي الحر أدخلا التعزيزات البالغ عدد أفرادها 150 مجاهدا على ثلاث دفعات في ثلاث ليال كل دفعة خمسون فردا، منوها إلى أنه فور دخول آخر دفعة، هجم العدو قاطعا المنفذ الذي تركه للخروج من الدريهمي لا للدخول إليها.

ثائر حجور وأفراده اختاروا البقاء تحت الحصار على الخروج وترك جثامين رفاقهم الشهداء
عند وصول تعزيزات المجاهدين إلى مدينة الدريهمي، التقوا بقائد رفاقهم المحاصرين داخلها وعند حديثهم معه، أخبرهم بأن العدو ترك المنفذ الذي دخلوا منه، لخروجه ومجاميعه المقاتلة، إلا أنه أقسم ورفاقه الـ40، إنهم لن يغادروا المدينة إلا بجثامين زملائهم الذين استشهدوا.
يتحدث أبو نصر الشرعبي: “العدو ترك المنفذ الذي دخلنا منه لتعزيز الدريهمي، لخروج المجاهدين ولكن الوضع اختلف مع استشهاد عدد منهم، وثائر حجور قائد المجموعة المحاصرة قال والله العظيم ما أخرج إلا بالشهداء، أضعف الإيمان أخرج معي الشهداء”.
وأضاف أن معظم أفراد ثائر حجور استشهدوا دفاعا عن الدريهمي، ولم يتبق منهم سوى 40 مجاهدا رفضوا الخروج، “واحنا زد دخلنا نعززهم ومننا 150 مجاهدا وبعد ما دخلنا ووصلنا لا عندهم العدو أطبق حصاره على المدينة”.
وأشار إلى أن القيادة أمرتهم بتأمين الخط في المنطقة التي وصلوا إليها بأطراف المدينة، قائلا: “دخلنا المدينة وقالوا لنا ندخل نؤمن الخط، واحنا مش داريين أين يتمركز العدو، ولا أين يتمركز الخبرة، الدنيا معجونة عجين”.

اللحظات الأولى لإطباق الحصار الكامل على الدريهمي
وصلت تعزيزات المجاهدين إلى الدريهمي بعد مشقة سفر طويل، فاستراحوا من التعب وغلبهم النعاس وناموا في المكان الذي تمركزوا فيه على أطراف المدينة، وواصلوا نومهم في اليوم التالي ولم يعلموا أن العدو بدأ تحركاته لإطباق الحصار عليهم.
قبل بزوغ فجر اليوم الثالث من وصولهم إلى الدريهمي، سمع أحمد الشرعبي وعدد من رفاقه مدرعات بالقرب من موقع تمركزهم تتجه لتطويق المدينة بالكامل، فذهبوا إلى زميلهم المسؤول عن المراقبة والاستطلاع وأخبروه بذلك رغم شكهم في حقيقة ما سمعوه، فرد عليهم: “صورتكم بتحلموا ارجعوا كملوا حلمكم”.
ويواصل الشرعبي حديثه: “بكرنا الصبح وأبو محمد وأفراده في الرتم، شافوا مجاميع تتقدم باتجاههم من نفس الطريق الذي دخلت منه تعزيزات المجاهدين، فأبلغوا مشرفهم أبو محمد بالأمر، رد عليهم: سابر هولا خبرتنا بيدخلوا. مش داريين إنهم الأعداء قد بيطوقوا علينا المدينة”.
شك المجاهدون في أن المجاميع المتقدمة نحوهم قد تكون تابعة لقوى العدوان ومرتزقتها، فخاطبوا أبو محمد بالقول: “يا أبو محمد صورتهم ما هم من خبرتنا، فقال خلاص خلوني أجرب أرمي عليهم، فشل بندقه ولعط (أطلق) لا قدامهم ومباشرة صرخوا “الله أكبر ولله الحمد” فاشتبكنا معهم”.

المحاصرون يستقبلون تعزيزات رفاقهم بالدموع
اشتبك المجاهدون الذين تمركزا على أطراف الدريهمي، مع تلك المجاميع التي ظنوها تعزيزات قادمة إليهم، فأرسل العدو طيرانه الاستطلاعي والحربي لإسناد مرتزقته، ولكثرتهم لم يكن أمام المجاهدين سوى الدخول إلى قلب المدينة حيث رفاقهم المحاصرين منذ فترة.
وعند وصولهم إلى حيث يتواجد زملاؤهم المحاصرون منذ مدة، يصف أحمد المشهد بعودة طفل وحيد إلى والده بعد طول غياب، فيقول: “بعدما تحركنا للمدينة وصلنا للخبرة المحاصرين، شفت لما يكون معك طفل وحيد ضاع عليك سنين وفجأة لقيته دون أن تعلم أنه عيرجع لا عندك، هذا ما حصل”.
ويضيف: “كان المجاهدون المحاصرون داخل الدريهمي يتسالموا معانا حين وصلنا عندهم وهم يبكوا من الفرح، وكان معاهم عدة كباش ذبحوها لنا وفعلوا لنا ضيفة وعزومة ضخمة جدا”.
ويتابع حديثه: “بكرنا صباح اليوم التالي ولقيت المشرف حق مجموعتنا، وهو من محافظة شبوة، وقلت له: ما ذلحين حصار يا خبير. قال: بانتحاصر يومين ثلاث أيام. فقلت له: سابر خليها أسبوع”.
بعد الحديث الأخير بين المجاهد أحمد ومشرف المجموعة التي ينتمي إليها، بدأت المرحلة الصعبة التي تضمنت مؤامرة خبيثة اشتركت فيها كل قوى الظلم والاستكبار حول العالم ونفذتها دول تحالف العدوان ومرتزقتها، والتي تمثلت في ضرب الحصار الكامل على مديرية الدريهمي.

المرحلة الصعبة بدأت وتطلبت توزيع المهام بين المجاهدين وأبناء الدريهمي
بعد أن أطبق الحصار الكامل عليها، كثّف تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي غارات طيرانه الحربي على الدريهمي مستهدفا أبناء المدينة وأبطال الجيش واللجان الشعبية المحاصرين فيها، موقعا أعدادا كبيرة من الشهداء.
يتحدث أحمد الشرعبي عن ذلك بقوله: “بعدما أطبق العدو حصاره وطوق المدينة وبعدما التقينا بالمجاهدين فيها، بدأت المرحلة الصعبة، وبدأ المجاهدون الأبطال يستشهدون بأعداد كبيرة في كل المجموعات بسبب غارات الطيران الحربي للعدوان، ومرة ضرب علينا وكنا مجموعة من تسعة مجاهدين استشهدوا منا 6 وبقينا 3”.
ويحكي المجاهد أبو نصر الشرعبي، عن أنهم كانوا يحفرون قبورا لرفاقهم الشهداء على مسافة قريبة منهم ليدفنوهم فيها للحيلولة دون وصول السباع إلى جثامينهم، على أمل أن الحصار لن يطول وسيقومون بتشييعهم عند خروجهم.
ويضيف أنه كلما مر شهر على الحصار، يخرجون جثامين رفاقهم الشهداء ويزيدون مسافة عمق قبورهم، وعقب مرور خمسة أشهر تأكدوا أن الحصار سيطول وبالتالي عمقوا قبور رفاقهم الشهداء وشيعوهم في الدريهمي المحاصرة.
ويتابع: “كنا نعاني كثيراً في دفن الشهداء بداية الحصار، لأننا ما قد كنا متعارفين قوي وكنا مجموعات متفرقة مشغولين بصد زحوفات العدو، ذي كان يزحف أحيانا من جميع الجهات ويستمر زحفه ثلاثة أيام على مدار 24 ساعة، فكنا نسحب الشهداء من المقدمة، والمواطنون ينقلون جثامينهم إلى المناطق المخصصة ويقومون بمراسيم التشييع والدفن”.

أبناء الدريهمي للمجاهدين: نحن معكم نموت أو نحيا
عندما أبقى تحالف العدوان منفذا واحدا قبل إطباق حصاره الكامل على الدريهمي، كان هدفه وضع أبناء المدينة أمام خيارين لا ثالث لهما، إما ترك أرضهم ومنازلهم أو الموت بغارات طيرانه ورصاص ومدفعية مرتزقته، فكانت ردة الفعل صادمة بالنسبة له.
“به مواطنين خرجوا من المنفذ ذي تركه العدو، وبه من رفضوا الخروج من الدريهمي، وبقيوا عن قناعة تامة”، يقول المجاهد الشرعبي ويتابع: “الباقين من أبناء الدريهمي بعدما شافوا المجاهدين رافضين الخروج، رفضوا وقالوا إحنا معاكم نموت وإلا نحيا، حتى إن إحدى المنظمات جاءت تخرجهم ورفضوا”.
ويؤكد أحمد الشرعبي أن المجاهدين بعد أن رأوا إصرار من تبقى من أبناء الدريهمي على عدم الرحيل، وشهدوا موقفهم الحر والشريف عاملوهم أفضل معاملة، وتقاسموا معهم رغيف الخبز وكل مؤن تصل للجيش واللجان الشعبية المحاصرين داخل المدينة.
يقول أحمد: “كنا نتقاسم معاهم كل ما يجي من مدد غذائي، ما كان يحصله الفرد مننا يحصله كل واحد من المواطنين المحاصرين معانا، حتى القات المطحون كنا نتقاسمه معاهم، قدهم مننا، وعاد الأجر معهم أعظم من أجرنا، لأنهم تحاصروا ما بذنبهم شيء، أما إحنا فمقاتلين في حرب نتوقع أي شيء حصار وغير حصار”.
وأشار إلى أن من رفض الخروج كان شعورهم تجاه المجاهدين كأنهم واحد لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، أما من كانوا مؤيدين للعدوان ومرتزقته فغادروا المدينة بمجرد ما إن سمح لهم العدو بالخروج من المنفذ الذي فتحه لهم.

المواطنون يلتحقون بصفوف المجاهدين دفاعا عن مدينتهم
يوضح البطل أحمد الشرعبي أنه بعد أن رأى أبناء الدريهمي التعامل الإنساني والأخلاقي معهم من قبل أبطال الجيش واللجان الشعبية ، وبشاعة وقذارة ووحشية قوى العدو ومرتزقته الذين ارتكبوا بحقهم مجازر بشعة بينها قصف طيران العدو للسوق ما أسفر عن مجزرة استشهد فيها 25 شخصا من أبناء الدريهمي، قرروا حمل البندقية والتحق العديد منهم بصفوف المجاهدين.
يتابع المجاهد أبو نصر الشرعبي: “المواطنين ذي بقيوا معانا عاملونا وكأننا منهم، بعدما شافوا معاملتنا الحسنة لهم، حتى إن السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي شدد علينا ضرورة الاهتمام بالمواطنين وقال لنا في رسالته (هؤلاء الناس في ذمتكم)”.
ويقول: “كان المواطنون الذين بقوا في الدريهمي بعد مغادرة جزء منهم واستشهاد الكثير بفعل غارات طيران العدوان حتى إن عدد من تبقى منهم لا يتجاوز 120 شخصا،  يشتوا يقاتلوا معانا ومصرين على ذلك، وبعد فترة سمحنا لهم لكننا منعناهم من التوجه نحو المقدمة لأنهم مساكين ما هم مدربين”.

عرس وسط الحصار
بعد مضي فترة طويلة من الحصار، أذابت المعاناة التي تجرعها المحاصَرون جدران الجليد بين المجاهدين والمواطنين من أبناء الدريهمي، فقد اندمجوا في مجتمع واحد.
ومما كشفه المجاهد أحمد الشرعبي للمرة الأولى عما جرى داخل المدينة المحاصرة بجحافل الغزو والارتزاق، هو حفل زفاف أقيم تحت القصف والحصار. حيث قال: “بعدما مشت فترة طويلة واحنا محاصرين، جاء وقد تعارفنا مع المواطنين، وتزوج ثلاثة مجاهدين من نساء في الدريهمي وفعلنا عرس واحتفلنا وكأن ما به قصف ولا حصار علينا، وقبل كسر الحصار بثلاثة أيام استشهد واحد من رفاقنا ذي تزوجوا من الدريهمي”.

«تونة وبيبسي» متفجر بطريقة روسية
وضمن البطولات والمعجزات التي حصلت في الدريهمي، تغلب المجاهدين على التحديات التي واجهتهم بشأن نقص الذخيرة على رأسها الألغام، لحاجتهم الماسة لها لصد مدرعات العدو الساعية لاقتحام المدينة.
وعن هذا روى المجاهد الشرعبي إحدى الوقائع قائلا: “بعد إطباق الحصار واجهنا نقصا في الذخيرة والعتاد وخصوصا الألغام، وكان معانا واحد من الهندسة العسكرية يعيد إصلاح الألغام المعطوبة والمفككة لكنه استشهد، وبعده حاول واحد من رفاقنا أن يغطي مكانه وبدأ في محاولات صنع ألغام، أولها كانت صعبة شوية وتحتاج لفترة طويلة، كان يبذل جهده كامل ويا الله يفعل كل يومين لغم، ومن ثم اعتمد طريقة صناعة الألغام الروسية ولكن في قوالب من علب التونة والبيبسي”.

أول صاروخ مدد احتوى على “قات حارق”
يقول المجاهد أبو نصر: “بعدما قرر الخبرة يرسلوا لنا المدد في الصواريخ، قالوا عيرسلوا لنا قات أخضر، ووصل أول صاروخ وسرنا نشوفه وأن القات ذي فيه حارق، وكلما رسلوا لنا قات في صاروخ يوصل حارق، وبعد فترة جاءت لواحد من المجاهدين فكرة أنهم يطحنوا القات ويرسلوه لنا مطحون، وجابرناهم وسبرت الأمور”.
ومن المواقف الطريفة، أن المجاهدين المحاصرين داخل الدريهمي لم يكونوا يعلموا أين سيسقط الصاروخ المحمل بالمدد، وفقاً للمجاهد الشرعبي الذي يقول: “ما عاد كنا نفكر أين يسقط الصاروخ، أينما سقط سقط حتى إنه مرة سقط داخل نوبة حراسة وبه مجاهد فيها راقد، وصل الصاروخ لا عنده وما عاد درى من أين يخرج، كل الدنيا غبار حوله، ظنه أنها غارة من طيران العدوان، فخرج من طاقة عليها حديد نجي نشوفها ومستحيل الواحد يقدر يخرج منها، لكن مع الخوف خرج منها، وبعدا الصواريخ حق المدد ما كان فيها صاعق تفجير ما غير نزولها وصوتها يفجع”.
إلى جانب الصواريخ استخدم الجيش واللجان خارج المدينة المحاصرة، الطائرات المسيرة لإدخال المدد للمجاهدين المحاصرين، يضيف البطل أحمد: “بعدما قرروا يدخلوا لنا المدد بالطيران المسير تدلعنا وكنا نطلب ما نشتي، وهم مستحيل يقولوا لنا مابش، كانوا يدوا لنا إيش ما نشتي، حتى دخلوا لنا سماعات وشواحن وإم بي ثري لأجل الزوامل، رجعنا مثل طفل مدلل إيش ما طلبنا أدوا لنا”...
وبجوار المدد الذي يتم إرساله إلى المحاصرين، كانت البقالات المتواجدة داخل الدريهمي وجهة للحصول على الغذاء والاحتياجات ولو بالشكل المحدود، وهنا يتحدث الشرعبي عن أنهم كانوا يدخلون إلى بقالة ما ويأخذون منها احتياجاتهم ويدونون ما أخذوه على ورقة معتبرينه دينا لمالك البقالة عليهم دفعه، وذلك ما اقتضته توجيهات القيادة.
وهذا استمر فترة وجيزة حتى استهدف طيران العدو جميع البقالات بغاراته، مدمرا المحال ومتلفا البضائع بالكامل.

معارك على صواريخ اللحم
من غرائب الأحداث في الدريهمي، هو ما كان يحصل عند وصول صاروخ من صواريخ المدد التي يرسلها الجيش واللجان الشعبية لرفاقهم المحاصرين داخل المدينة، حيث كان مرتزقة العدوان يبقون على أعينهم شاخصة نحو السماء مترصدين لتلك الصواريخ.
وأكد المجاهد الشرعبي أنه كانت تدور معارك طاحنة بينهم وبين مرتزقة تحالف العدوان على صواريخ المدد لاسيما تلك التي تحمل كمية من اللحوم. حيث يقول: “كنا في سباق إحنا والمرتزقة على صواريخ المدد، وأقسم بالله إننا كنا نفعل قتلة مغبرة على صاروخ المدد إحنا وإياهم، وفوق هذا في اليوم ذي باتصل لنا فيه اللحمة كانوا يشعلوا النار قبلما يوصل الصاروخ، لأن اللحمة كانت تجي لنا كل يوم اثنين ويوم جمعة”.
ويشير إلى أن معظم صواريخ المدد المحملة باللحم كانت تتلف، لأن المعركة بين المجاهدين والمرتزقة عليها تحول دون وقوعها بيد أي من الطرفين.

الأمم المتحدة أدخلت المساعدات وأبلغت التحالف ومرتزقته بقصفها
من ضمن الأحداث الخبيثة التي تكشف الوجه الحقيقي للأمم المتحدة داخل المدينة المحاصرة بحسب ما يروي المجاهد أبو نصر، هي دخول فريق أممي إلى الدريهمي على أساس أنه يحمل إليهم إغاثات غذائية، غير أن الفريق ظل يتوه بشكل متعمد عن مركز المدينة ولم يصل إلى منطقة تمركز السكان والمجاهدين إلا قبل المغرب، والهدف هو إيصال جزء يسير من المساعدات والخروج بالبقية بمبرر القصف وعدم سلامة الوضع الذي يبدأ من بعد المغرب.
ويوضح أبو نصر: “جلس الفريق الأممي يفحط بسياراته في الرملة وما وصل لا عندنا إلا قبل المغرب، قصده باننزل جزء من المواد الغذائية ويرحل بالباقي، وحين بدأ القصف وقت المغرب كان يشتي الفريق يمشي والخبرة قالوا ما بش خرجة لو ما ننزل كل المساعدات، وبعدا جلس الفريق كامل وكان بينهم بنات، خرجنا من مقرنا وخليناهم يرقدوا فيه، لأنهم كانوا مفتجعين فوق السيارات، وبعدما أرغمناهم على الجلوس شكلهم بلغوا تحالف العدوان أنهم عيرقدوا عندنا ومن بعدها ولا عاد سمعنا غارة ولا طلقة”.
في صباح اليوم التالي استعد الفريق الأممي للمغادرة وفرغ المجاهدون السيارات الأممية من حمولة المواد الغذائية التي أدخلتها، وما إن خرجوا من مناطقنا ووصلوا مناطق العدو حتى انهال القصف بالمدافع والهاونات على المساعدات التي دخلت للمحاصرين، والتي احتوت على دقيق وعدس وغيره من الأساسيات، فيما سابقتها كانت أدوات تجميل لا غير.

المجاهدون المحاصرون مطلعون على الأحداث خارج المنطقة المحاصرة
لم يكن ما يجري خارج الجغرافيا المحاصرة، غائبا عن الأبطال الذين حوصروا داخل الدريهمي، فقد كانوا مطلعين على الأحداث من خلال شاشة تلفزيونية تعمل بالألواح الشمسية.
يقول أحمد الشرعبي إن أبرز الأحداث التي أثرت في المحاصَرين عقب انتهاء الحصار وخروجهم من الدريهمي، هي بطولة الشهيد طومر، حيث وصفه ب "طومر لوحده دريهمي بأكملها".

انتهى الحصار بدموع محبوسة لكن حكاية الدريهمي لا تنتهي
عندما انتهى الحصار حبسنا دموعنا متأثرين بالفرحة التي شاهدناها على وجوه أبناء الدريهمي المحاصرين وأصوات زغاريد نسائهم، حتى إن امرأة عجوزا منهم كانت تصرخ بأعلى صوتها: “ربنا نصرنا على العدوان ومرتزقته”.
وأكد الشرعبي أن القيادة الثورية بعد انتهاء الحصار وانتصارنا على الأعداء كرمت المجاهدين الأبطال الذين صمدوا في الدريهمي طوال أكثر من عامين من الحصار، ولم تغفل أيضاً عن المواطنين من أبناء المدينة المحاصرة وكرمتهم معهم.
وأوضح أن من تبقى من المجاهدين الذين حوصروا في الدريهمي لا يتجاوز عددهم 117 من أصل قرابة 190، فالبقية استشهدوا في معارك الدفاع عن الدريهمي أثناء الحصار، أما الجرحى فلم يُسلم أحد منهم، ومنهم راوي الحكاية الذي التقت به صحيفة “لا” البطل أحمد الشرعبي الذي جرح خمس مرات طوال فترة الحصار.
ورغم نهاية الحصار وانتصار الجيش واللجان الشعبية وأبناء الدريهمي على قوى تحالف العدوان التي تكالبت معها قوى الهيمنة والاستكبار حول العالم، تظل الأحداث التي شهدتها المدينة والمحاصرون فيها على مدى أكثر من عامين حكاية لا تنتهي تفاصيلها، فكل بطل تلتقي به صحيفة “لا” يقصّ على التاريخ نبأهم بالحق، ويذكر أحداثاً غفل رفيقه عن ذكرها.