استطلاع: منصور أبو علي / لا ميديا -
تعد قضايا الثأر من أهم القضايا التي تهدد السلم الاجتماعي بديمومة الاقتتال والتناحر بين أبناء الوطن، فمن المؤكد أن هذه الظاهرة تنمو وتترعرع في ظل غياب دولة النظام والقانون، وبالتالي فإنها تعمل على حصد حياة عشرات بل المئات من أفراد المجتمع ممن ليس لهم أي ذنب أو جرم عدا وجود صلة قرابة أسرية أو قبلية تربطهم بأشخاص تسببوا في ارتكاب جرائم قتل.
نظام الحكم السابق خلف بعد زواله الكثير من قضايا الثأر تمتد بعضها لأكثر من 40 عاماً ظلت عالقة دون الفصل فيها لأسباب عديدة لم تقتصر بعضها على تقاعس الجهات المعنية، كالقضاء في حسم قضايا القتل فحسب، بل وجدت آنذاك أسباب خفية وأكثر أهمية منها قيام رموز وقيادات ذلك النظام باستغلال الكثير من هذه القضايا وتوظيفها سياسيا عبر تأليب وإذكاء الصراعات بين القبائل اليمنية بهدف كسب الولاءات من جهة، ومن جهة أخرى الكسب المادي بالحصول على مئات الملايين التي كانت تصرف شهريا من خزينة الدولة لصالح لجنة عرفت حينها باسم لجنة «حل قضايا الثارات» برئاسة الخائن الفار علي محسن الأحمر وعضوية عدد من القضاة الدائرين في فلك سلطته وفساده.

وكون أغلب مديريات محافظة حجة ذات طابع مجتمعي قبلي ويرتبط بعض أهاليها بطقوس العادات والسلوكيات السلبية الخارجة عن المفهوم الحقيقي لدور القبيلة والقبائل كمراكز قوى مؤثرة في مجتمعاتها فقد شهدت المحافظة خلال عقود مضت الكثير من وقائع الاقتتال والتناحر بين أبناء قبائلها خلفت المئات من الضحايا تحت مبرر مسمى الأخذ بالثأر.
صحيفة «لا» التقت عددا من القيادات المجتمعية الذين يمثلون جهات مختلفة (قضاة، حقوقيين، مشائخ، مثقفين) لاستطلاع آرائهم حول هذه الظاهرة من حيت وضعها في الحاضر والماضي، أي قبل وبعد ثورة 21 أيلول/ سبتمبر، ورؤيتهم لمدى إمكانية تجفيف منابعها وأهم العراقيل والصعوبات التي قد تحول دون القضاء عليها فكانت هذه الحصيلة.

الوعي المجتمعي وتسريع الإجراءات القضائية
يرى القاضي عبدالمجيد شرف الدين الكوكباني، عضو رابطة علماء اليمن رئيس لجنة الإنصاف بمحافظة حجة أن ظاهرة الثأر من المشاكل المتشعبة ومعالجتها تتطلب تضافر جهود رسمية ومجتمعية بدراسة أسبابها بشكل عام وخاص بكل قضية. ويضيف: «كل قضية ثأر ناتجة عن نزاع معين وحل ذلك النزاع كفيل بحل ما ترتب عليه من قتلى وإصابات، فإذا كانت الإصابات متوافقة في العدد من الجانبين فيتم التساقط، وإذا كانت الإصابات عند طرف أكثر من الطرف الآخر فبالإمكان أن يتكافل المجتمع في تحمل الديات والأروش مع إسهام من الجانب الرسمي».
وعن كيفية تجفيف منابع الثأر يقول القاضي الكوكباني بأن ذلك «يتطلب الوعي المجتمعي بدرجة أساسية، إضافة إلى قيام سلطات الضبط بواجبها الأمني بكل جدية وحسم حيال جميع القضايا وبدون أي تهاون، وسرعة الإجراءات وقيام الجهات القضائية بواجباتها على أن يتوافر تقريب العدالة بسرعة الإنجاز كماً وكيفاً، وبحيث يلمس الجميع الإنصاف والعدالة، فلن يسقط أحد في متاهة الثأر في ظل وجود ما يكفل الإنصاف والعدالة».
ويضيف بالقول: «كما أشرنا إلى واجب الجهات الرسمية فلا بد من الإشارة إلى واجب الوجاهات القبلية والعلماء والمثقفين والناشطين الحقوقيين في التوعية المجتمعية بضرورة إطفاء نيران الثأر، والتعاون في معالجة هذه القضايا».
ويختتم القاضي الكوكباني حديثه بالقول: «وقد رأينا الجدية الكبيرة من الدولة في معالجة الكثير من قضايا الثأر وبرعاية كريمة من الأستاذ محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى رئيس المنظومة العدلية ونشد على يديه ونشكره على هذا الدور المشرف، فالجهود يجب أن تنصب في التصالح الداخلي ورص الصفوف لمواجهة العدوان الغاشم».

ما تحقق إنجاز كبير
أما عادل راجح شلي، وكيل محافظة حجة لشؤون الثقافة والإعلام فيرى بأن قضايا الثأر من أهم القضايا التي تؤرق المجتمعات التي تعاني من ضعف الدولة وهشاشة المنظومة العدلية، وقد شهد اليمن في العقود الماضية ازدهارا لظاهرة الثأر بشقيه الاجتماعي والسياسي والفردي والجماعي، وقد استنزفت دورات من العنف والصراع السياسي خيرة أبناء اليمن ولم يسلم من ويلاتها أحد، كما حصدت الحروب القبلية خيرة شباب اليمن.
ويضيف: «من خلال الخطوات الملموسة للقيادة السياسية ممثلة في رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير مهدي المشاط والقيادة الرشيدة للسيد القائد عبدالملك الحوثي (حفظه الله) فقد تمت بلسمة الكثير من الجروح التي خلفتها الحروب القبلية التي استمرت تنزف لعقود، وطي عدد كبير من ملفات الحروب القبلية المفتوحة، وتكللت جهود عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي بمعالجة الكثير من القضايا المعقدة والشائكة والتي كان الوصول إلى تسويتها شبه مستحيل في الفترة الماضية، ولكن عندما وجدت الإرادة القوية تمت تسوية وحلحلة الكثير من القضايا في مختلف محافظات الجمهورية، وما تحقق في هذا الملف يعتبر إنجازا كبيرا الأمر الذي يعزز قناعتنا بقدرة قيادتنا السياسية على معالجة قضايا الثأر من جذورها بداية بإصلاح السلطة القضائية والمنظومة العدلية برمتها».. ويستطرد شلي: «وكما تمكنت ثورة 21 أيلول من تحقيق الأمن والاستقرار في كل المحافظات الواقعة تحت سيطرتها فإنها قادرة أيضاً على تطبيق النظام والقانون ومبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين كل المواطنين، وذلك من خلال آلية تنفيذية ورقابية صارمة تسرع وتيرة البت في القضايا وتضمن نزاهة القائمين على السلطة القضائية وعدم التدخل في اختصاصها من قبل السلطات الأخرى وتصفية المحاكم والدوائر القضائية من كل الشوائب التي تحول دون سلامة إجراءات التقاضي وتشديد إجراءات الرقابة على الجهات المخولة بالضبط القضائي والالتزام بتنفيذ النظام والقانون وعدم التجاوز أو التهاون في تنفيذه». مشددا على أهمية قيام الأجهزة الإعلامية والإرشادية بدورها في إصلاح المنظومة العدلية من خلال التوعية بأضرار الثأر والارتقاء بوعي المجتمع ودفعه للاحتكام في معالجة مشاكله إلى القضاء، ونبذ كافة الممارسات والظواهر المتعارضة مع سيادة القانون، «كما ينبغي العمل على كشف وتعرية كل الإشاعات والأكاذيب المضللة التي يروج لها من قبل العدوان وعملائه بهدف تمزيق النسيج الاجتماعي، والتحلي بالوعي واليقظة في التعامل مع كل ما يستهدف بث ثقافة الكراهية والانتقام».

فرض هيبة الدولة ووضع حد للمتنفذين
من جهته يقول الشيخ خالد القاضي، أحد مشائخ ووجهاء مديرية كشر: «لقد أثبتت القيادة الحكيمة جديتها في التعامل مع قضايا الثأر، وبذلت جهودا عالية في حلحلة وإنهاء الكثير منها».
ويرى الشيخ القاضي أن تجفيف منابع هذه الظاهرة يكمن في فرض الدولة لهيبتها، والعمل على حلحلة أسباب استمرار وتفاقم الخلافات والنزاعات المرتبطة بقضايا القتل مع قيام الأجهزة الأمنية بدورها على أكمل وجه. مضيفاً: «ومن الضروري أيضاً أن تضع الدولة حداً للمتنفذين ومرضى النفوس من المشائخ الذين يعملون على توسعة الخلافات بين القبائل، وأيضاً يجب تفعيل دور الجانب الثقافي والإعلامي في توعية المجتمع بخطورة قضايا الثأر وما ينتج عنها من مآس للحد من اتساع مثل هذه القضايا، وفرض هيبة الدولة وإلزام القضاء بسرعة الفصل في قضايا المواطنين مع ضرورة قيام المشايخ والوجهاء بواجبهم ودورهم الاجتماعي كونهم الأقرب للمجتمع ولديهم الخبرة كمتابعين لمسببات ونتائج قضايا الثأر كلا في منطقته وقبيلته، كل ذلك سيسهم في حل قضايا الثأر وتجنيب الوطن والمواطن ويلات ومآسي هذه الظاهرة».

دور أساسي للمشائخ والوجهاء
أما الشيخ شايف أبو سالم، شيخ مشائخ محافظة حجة، فيرى أن أسباب تفشي هذه الظاهرة يرجع إلى: ضعف الوعي الاجتماعي لدى أفراد المجتمع وخصوصاً أبناء القبيلة التي تعتبر الأخذ بالثأر من العادات المشرفة للقبيلة وهذا غير صحيح ولا يشرف عادات وتقاليد القبيلة، ضعف الوازع الديني لدى أفراد المجتمع، ضعف الجانب الأمني في ضبط الجناة وتسليمهم للعدالة، وإطالة فترات التقاضي لدى المحاكم لعدة سنوات.
ويضيف الشيخ أبو سالم: «أسهمت الأنظمة السابقة في ظهور الأسباب التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة في أوساط المجتمع، ولكن القيادة الحكيمة للمسيرة القرآنية والمتمثلة في السيد العلم المجاهد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي (حفظه الله)، والسيد محمد علي الحوثي رئيس المنظومة العدلية أسهمت بشكل كبير في تجفيف منابع هذه الظاهرة وذلك بحل العديد من قضايا الثأر السابقة بين عدد من القبائل وبعضها بصورة نهائية، وهو ما يؤكد التوجه الجاد والحثيث لقيادتنا الحكيمة للحد من هذه الظاهرة وتجفيف منابعها». مشيراً إلى أن دور المشائخ والوجهاء والشخصيات الاجتماعية في القضاء على ظاهرة الثأر يعتبر من الأدوار التي لا يستهان بها، كونهم العنصر الفعال في القبيلة والعنصر المساعد والمساند للدولة في تحقيق الاستقرار والأمن والسلم الاجتماعي، وذلك من خلال «قيام المشائخ بحل عدد كبير من مشاكل وقضايا المجتمع عن طريق التحكيم والصلح القبلي ومنها قضايا الثأر والتعاون مع الجهات الرسمية في ضبط الجناه وتسليمهم للعدالة وإسهامهم في نشر الوعي المجتمعي والأعراف القبلية الصحيحة بين أفراد القبيلة وتجريم هذه الظاهرة كونها من نعرات الجاهلية ولا تمت للقبيلة وللدين الإسلامي الحنيف بأي صلة، خصوصاً في ظل عدوان بربري غاشم على بلادنا الحبيبة الذي يتطلب تضافر الجميع لمواجهته وتناسي كل الثارات والنزاعات الداخلية وبناء نسيج مجتمعي قوي».

الضرب بيد من حديد
من جهته يؤكد المحامي محمد الزارعي أن هناك جدية من قبل القيادة الثورية والسياسية في حل قضايا الثأر العالقة منذ عهد النظام السابق، وهو ما يؤكده قيامها بحل كثير من هذه القضايا، ومواصلة بذل الجهود في حل ما تبقى منها عبر تشكيل لجان منبثقة من المنظومة العدلية التي يرأسها أبو أحمد الحوثي وتحت إشراف المجلس السياسي الأعلى وعضوية محافظي المحافظات والوجهاء من أبناء المحافظات، والتي لا شك ستكون ذات فاعلية في إنهاء قضايا الثأر وتجفيف تلك الظاهرة.
ويضيف الزارعي: «إن الضرب بيد من حديد تجاه كل من تسول له نفسه إشعال قضايا الثأر والدعوة إليها سيكون له دور كبير في الحد من تلك الظاهرة وإنهائها بشكل جذري». مؤكداً ضرورة سرعة إنجاز الأجهزة القضائية (محاكم ونيابات) مهامها والبت في القضايا المنظورة أمامها، لأن الكثير ممن يلجؤون إلى الثأر كطريقة بديلة إنما يلجؤون إليه نتيجة لطول إجراءات التقاضي وخوفهم من أن يتم تمييع أو تضييع قضاياهم، ولذلك فإن إيمان المواطن بعدالة القضاء وسرعة بته في القضايا قد يكون له دور إيجابي كبير في الحد من اللجوء إلى ظاهرة الثأر».