تقرير: غازي المفلحي / لا ميديا -
صندوق ومشروع النظافة والتحسين بأمانة العاصمة رغم كونه مؤسسة مدنية بحتة، مهمتها الحفاظ على بيئة وصحة ونظافة مدينة صنعاء، إلا أن الكثير من الغارات العدوانية تنهال بين فترة وأخرى، حيث أصبح ضمن بنك أهداف تحالف العدوان على اليمن، والذي يسعى بشكل ممنهج للإضرار بقطاع النظافة الحيوي ضمن مساعيه الشاملة للإضرار بالإنسان اليمني وأرضه، بل حتى الهواء والماء بكل الطرق. وأصبح من المعتاد أن يقوم تحالف العدوان بقصف مختلف منشآت صندوق النظافة بالأمانة بين فترة وأخرى، معلناً أنه استهداف مواقع عسكرية، بينما هي في الواقع منشآت مدنية بحتة لا علاقة لها بالجانب العسكري لا من قريب ولا من بعيد.

مجزرة عمالية في أول سنة عدوان
كانت أولى جرائم تحالف العدوان في حق قطاع النظافة في العاصمة صنعاء في الأشهر الأولى للعدوان، حيث ارتكب مجزرة بحق عمال النظافة وهم في مقر سكنهم وبعيداً عن مؤسسات عملهم حتى، ففي يوم الاثنين 13 يوليو 2015 شنت مقاتلات تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي غارات جوية وحشية استهدفت منازل عمال النظافة في سعوان بمديرية شعوب بأمانة العاصمة صنعاء ما تسبب في استشهاد 25 مدنياً بينهم 16 طفلاً و6 نساء وإصابة 29 مدنياً بينهم 20 طفلاً و4 نساء.
تلتها جريمة استهداف مقلب الأزرقين والتي سقط فيها عدد من سائقي سيارات النظافة شهداء ودمرت آليات ومنشآت مهمة في المقلب.
ثم تم قصف صندوق النظافة بالأمانة بشكل متكرر ضمن منهجية التدمير التي يتبعها تحالف العدوان ضد الأعيان والمنشآت المدنية، محاولاً بذلك إخراج هذا المشروع المهم (صندوق النظافة) عن العمل لخلق معاناة صحية خطيرة تُضاف إلى معاناة اليمنيين المستهدفين في حياتهم من قبل تحالف العدوان في مدينة صنعاء وعموم محافظات الجمهورية.

صندوق النظافة في بنك أهداف العدوان
منذ العام 2020 أصبح صندوق النظافة والتحسين بأمانة العاصمة ضمن أهداف تحالف العدوان بشكل رسمي، إذ تم استهدافه في مناسبتين في ذلك العام، وبما لا يقل عن 5 غارات عنيفة جميعها كانت تستهدف محاولة إخراجه عن العمل، وأيضاً منع إحداث أي تغييرات أو تطويرات في هذه المؤسسة تساعدها على تنفيذ وأداء مهامها.
أولى الغارات في العام 2020 كانت في 15 سبتمبر، وتم فيها استهداف ورشة الصيانة المركزية في صندوق النظافة بالأمانة والمخصصة لصيانة آليات ومعدات الصندوق بغارتين، الأمر الذي أدى إلى تدمير 12 آلية من آليات الصندوق بشكل كلي، في حين خرجت الورشة عن العمل بنسبة 60٪ حسب ما أوضحه مسؤولي الصندوق لـ«لا»، وهو ما أثر بدوره بشكل مباشر على عملية إصلاح وصيانة أكثر من 300 معدة وآلية نظافة تخدم أكثر من سبعة ملايين من سكان العاصمة وتسهم في رفع 1500 طن يومياً من المخالفات من شوارع وأحياء أمانة العاصمة. 
وأثناء زيارتنا للورشة لاحظنا أن الحفر التي أحدثتها الغارات مازالت قائمة وسط الورشة شاهدة على إجرام تحالف العدوان، بينما تتم أعمال الصيانة بجوارها. كما أدى ذلك الاستهداف إلى أضرار كبيرة ببقية مرافق الصندوق من مبان إدارية وخدمية وغيرها، ولولا أن الورشة كانت خالية من العمال مع نهاية الدوام لكانت وقعت مجزرة مروعة بسبب ذلك الاستهداف، حسب مسؤولي الصندوق.
وفي 26 نوفمبر من العام ذاته عاودت مقاتلات العدوان ضرب صندوق النظافة، وهذه المرة تم استهداف مخازن مشروع النظافة بـ3 غارات، ما أسفر عن تدميرها بشكل كامل، وقد استشهد في ذلك الاستهداف راعي الأغنام يونس عبدالإله العصري الذي اعتاد أن يرعى أغنامه كل يوم في التباب المجاورة لمباني مشروع النظافة، كما أصيب عدد من العمال بجروح.

تدمير المصطبة التحويلية قبل افتتاحها
أما آخر عملية استهداف فقد كانت في الـ19 من يناير الجاري، حيث شنت طائرات تحالف العدوان 4 غارات استهدفت فيها المصطبة التحويلية للمخلفات ومحطة تموين آليات ومعدات مشروع النظافة بالوقود، ما أدى إلى تدميرهما وخروجهما عن الخدمة.
والمصطبة التحويلية هي منصة كبيرة ومرتفعة تصعد إليها الشاحنات الصغيرة وتقوم بإفراغ حمولتها من المخلفات في أحواضها الانسيابية لتخرج المخلفات إلى الشاحنات الضخمة التي تنتظر في أسفل الأحواض.
جدير بالذكر أن المصطبة التحويلية للمخلفات تم تنفيذها بتمويل مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع «يونبس» وتم استهدافها وتدميرها قبل أن يتم افتتاحها حتى. وكان الهدف من إنشاء المصطبة هو الحفاظ على صحة وسلامة عمال النظافة من تراكم المخلفات والحد من روائحها، حيث أنشئت المصطبة لتسهيل عملية نقل المخلفات من الشاحنات الصغيرة إلى الشاحنات الضخمة مباشرة التي بدورها تخرج المخلفات من الصندوق نحو مقلب الأزرقين في طرف العاصمة، وبطريقة آمنة.

مخاطر بيئية وصحية
أما الآن وبعد قيام تحالف العدوان بتدمير المصطبة التحويلية، فإن عملية نقل المخلفات -وهي مستمرة بالمناسبة- تتم بطريقة تشكل خطراً على البيئة وعلى صحة العمال والموظفين، حيث يتم وضع المخلفات على الأرض بشكل متراكم ثم تأتي الجرافات وتملأ الشاحنات الكبيرة بتلك المخلفات، ولكن جزءاً كبيراً من المخلفات يبقى عالقاً ومختلطاً بالتراب. 
كما أن هناك معاناة مسبقة قبل استهداف المصطبة وتتمثل في قلة الشاحنات الكبيرة التي تغطي استيعاب المخلفات الكبيرة التي تصل إلى الصندوق يومياً، وذلك بسبب استهدافها من قبل العدوان أو لنقص عددها وعدم القدرة على شراء شاحنات كبيرة إضافية إلى جانب تهالك بعضها، ويضاف إلى كل ذلك شحة الديزل والوقود التي تخرج كثيراً من الشاحنات الصغيرة والكبيرة عن العمل.
‏وكان صندوق النظافة بأمانة العاصمة أطلق غير مرة نداء استغاثة للتدخل العاجل لمنع حدوث كارثة صحية وبيئية وشيكة في اليمن نتيجة شلل منظومة معدات وآليات النظافة وعدم تمكنها من العمل نتيجة نفاد الوقود، وآخر تلك النداءات كان قبل أيام قليلة.
يقول نائب المدير التنفيذي لصندوق النظافة بالأمانة رضوان الخولاني، إن غارات العدوان وبالذات الأخيرة فاقمت معاناة عمل الصندوق بعد ضرب المصطبة التحويلية وضرب محطة تزويد معدات وسيارات النظافة بالديزل.
ويضيف الخولاني أن سيارات الصندوق اضطرت إلى الوقوف في طوابير الانتظار أمام محطات بيع الوقود العامة إلى جانب سيارات المواطنين.
وبخصوص الشهداء يوضح أن الصندوق قدم عشرات الشهداء ممن قضوا وهم يؤدون مهامهم الإنسانية في أماكن مختلفة، أبرزهم الشهيد علي الريمي و14 فرداً من عائلته والذين كان منهم 9 أطفال، في جريمة استهداف منزله بجوار النصب التذكاري المصري الذي كان يعمل حارسا له.

استنفار داخل الصندوق
اليوم صندوق النظافة وبرغم كونه مؤسسة مدنية، إلا أن عماله وموظفيه يواصلون أداء عملهم الإنساني والمسالم، ولكن في استنفار حربي، فهم خائفون من أن يكونوا هدفاً لمقاتلات تحالف العدوان الأرعن في أية لحظة.
يقول عمار المطهر، مدير إدارة المخلفات في الصندوق: «لم نعد نسمح لأي من عمال الصندوق بالبقاء في الصندوق منذ ساعات الليل الأولى خوفا على سلامتهم، كما تم توجيه السائقين بإخراج الآليات والانتشار بعيداً عن منشأة الصندوق وذلك خوفاً من أي استهداف جديد». 
ويوضح المطهر أنهم في الصندوق قاموا بترميم بعض ما دمرته غارات تحالف العدوان في المنشأة، وكلف ذلك الصندوق مبالغ كبيرة جداً، ولكن المشكلة أن الغارات على الصندوق تعود من جديد كل مرة، والصندوق لايزال مستهدفاً بشكل مستمر، وأي غارات جديدة ستعيده إلى نقطة الصفر سواء بتدميرها لما تم إصلاحه، أو استهدافها لما لم تستهدفه من قبل.
بشكل واضح يركز تحالف العدوان على تدمير قطاع النظافة في العاصمة والبلاد ككل، فالقطاع تضرر بشدة واستهدف من قبل العدوان بشكل مباشر وغير مباشر في عدة صور. فهناك الاستهداف بالغارات والذي استهدف صندوق النظافة وأيضا مقلب الأزرقين وتسبب في خسائر كبيرة وتدمير تام لمنشأة كانت تقريباً جاهزة وقيد الافتتاح مرتبطة بالمخرجات الخطرة أو الطبية بشكل عام، كما تم قصف المقلب بشكل مباشر، ما أدى إلى استشهاد بعض السائقين والعمال وتضرر المعدات.
وهناك الحصار الذي أدى إلى تراجع أداء عمل هذا القطاع بسبب شحة الموارد المالية للتشغيل بكفاءة والتوسع والصيانة خصوصاً مع الكثافة العمرانية والبشرية في العاصمة بسبب النمو السكاني والنزوح والذي ضاعف حجم المخلفات وضاعف العمل والضغط على صندوق النظافة بالأمانة بالنتيجة.