خاص - دمشق أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
بشكل مفاجئ نفذت غرفة عمليات المقاومة تهديدها بالرد القاسي على العدوان الصهيوني الأخير لمرتين متتاليتين على مواقع في مطار تيفور قرب حمص وسط سورية وفي البادية السورية قرب تدمر.
الرد كان لافتاً بسرعته، فلم يتجاوز الأسبوع بعد بيان الغرفة، رغم الأحداث التي عصفت بلبنان بعد أحداث الطيونة في بيروت، والتفجير في دمشق، وتأكيد معظم المراقبين أنها جاءت لمنع حلف المقاومة من تنفيذ تهديده، لكن يبدو أنها شكلت حافزاً أكبر للرد، بدون انتظار تداعيات هذه الأحداث.
اختيار حلف المقاومة القاعدة الأمريكية في "التنف" للرد على العدوان الصهيوني كان بمنتهى الدقة والذكاء، باعتبار المنطقة أرضاً سورية، وهذا يعطي الحق لسورية بضربها، وتواجد الأمريكيين فيها غير شرعي، وهذا ما جعل القصف أكبر من ضربة وأكثر من رسالة، أوصلها إلى عناوين محددة، أهمها:
1 ـ أن الأمريكي هو رأس العدوان، وهو الحامي والراعي لكل ما يجري في سورية والمنطقة من اعتداءات صهيونية أو تركية، أو من المجموعات الإرهابية.
2 ـ انتهاء عصر الصبر الاستراتيجي، ولن يتم السكوت بعد اليوم على استباحة الأجواء السورية، واستهداف مواقع سورية أو للمقاومة.
3 ـ تغير قواعد الاشتباك، والدخول في مرحلة جديدة من الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، عنوانها الأساسي "الضربة ستقابلها الضربة" وتحميلها مسؤولية أي اعتداء يتم وخصوصاً من قبل الصهيوني.
4 ـ انطلاق الطائرات من مناطق على الحدود السورية العراقية رسالة إلى الأمريكيين بأن هذه الحدود لن تكون إلا في عهدة الجانبين السوري والعراقي وليس الأمريكي، خاصة وأنه سبق الضربة إعلان المقاومة العراقية تطهير منطقة الحدود.
5 ـ التأكيد للأمريكيين بامتلاك أطراف حلف المقاومة القدرات التقنية والعسكرية التي تسمح لهم بمهاجمتهم في قلب غرفة عملياتهم وفي أكثر أماكنهم تحصيناً وتسليحاً.
6 ـ تحييد الروسي بعد فشل محاولات عديدة منه لوقف الاعتداءات الصهيونية الأمريكية، وهذا يعني أن القصف تم بعلم الجانب الروسي وبموافقته الضمنية.
7 ـ رسالة إلى "قسد" تقول: إذا كان الضرب يتم بقوة على رأس رعاتكم وحماتكم، فأنتم لستم أكثر من مجرد تفصيل صغير ودوركم قادم.
الآن وقد نفذ حلف المقاومة تهديده وحصل القصف بعنف، وتم إرسال الرسائل إلى عناوينها بدقة، بغض النظر عن حجم الخسائر وخاصة البشرية منها حيث من الصعب معرفة الخسائر بدقة، والبيانات الأمريكية لم تكن يوماً صحيحة، حيث ينكرون خسائرهم، لكن المعلومات التي يتم تمريرها بعد الضربة بالتقسيط، إضافة إلى التقارير التي ينشرها الإعلام الأمريكي، تكشف عن الكثير من هذه التفاصيل والنتائج، وعموماً نستطيع التأكيد أن هناك خسائر كبيرة، لأن الضربة استهدفت أماكن سكن الجنود؛ وكانت كبيرة، وتلا القصف دوي انفجارات قوية سمعت على بعد كيلومترات وتبعه اشتعال نيران قوية لأكثر من ساعة وأمكن مشاهدة هذه النيران من مسافة كيلومترات عدة.
وما يمكن تأكيده أيضاً أن الأمر لن ينتهي عند هذا، وإنما سيفتح الباب على كم كبير من التساؤلات والقراءات، منها ما يتعلق بالقصف مباشرة، ومنها ما يتعلق بمستقبل المنطقة والتوازنات الإقليمية والدولية ككل.
هذه الأسئلة بدأ طرحها بعد القصف مباشرة، وكان أهمها: كيف تمكنت الطائرات المسيرة من التفلت من أجهزة الرادار والإنذار المبكر الأمريكية، والوصول إلى أهدافها وتنفيذها في أحد أهم مراكز القيادة والعمليات الأمريكية في المنطقة وأكثرها تحصيناً بدون أن يتم إسقاطها أو حتى محاولة اعتراضها؟
والجواب على هذا التساؤل يعني أن حلف المقاومة يمتلك الإمكانات الفنية التي تسمح له بالتشويش على الأجهزة الأمريكية وتعطيلها أيضا، حتى استطاعت إيصال طائراتها المسيرة إلى أهدافها، وهذا يعني أن المقاومة قادرة على الوصول إلى أي مكان تتواجد فيه قوات أمريكية أقل تحصيناً، وهذا سيفتح المجال واسعاً للتساؤل حول مستقبل التواجد الأمريكي غير الشرعي في سورية، وقدرته على التواجد في كامل المنطقة وخصوصاً في العراق، وهل القصف على "التنف" سيكون قصفا منفردا، ورداً على الهجوم الصهيوني، أم أنه سيكون جزءا من قرار حلف المقاومة بإخراجهم من كامل المنطقة؟
أما التساؤلات الأهم والأكثر حساسية للقصف فسوف تكون في الكيان الصهيوني أكثر مما هي في واشنطن، لأن الاستنتاج الطبيعي للقصف يقول إن الطائرات المسيرة التي تمكنت من الوصول إلى سماء قاعدة "التنف" وتنفيذ أهدافها هناك بدقة بدون أن يتم اعتراضها يمكنها أن تصل إلى العمق الصهيوني، وضرب أهداف مختارة في أي مكان داخل فلسطين المحتلة.
الإعلام الصهيوني عكس هذه الهواجس، وهو ما عبرت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، التي قالت بأن الهجوم على قاعدة "التنف" هو رد مباشر على الاستهداف "الإسرائيلي" الأخير في سورية، وهو يحمل في طياته رسالة إلى "إسرائيل".
أما المحلل والخبير العسكري رون بن يشاي، فقد قال إن "مجرد شن هجوم مباشر ضد قاعدة لقوات التحالف الغربي في سورية، يسلّط الضوء على عدة جوانب لجهة تغيّر طبيعة الحرب في الأراضي السورية بين الجهات المختلفة، وأنماط الهجمات الإسرائيلية في إطار (المعركة بين حربين) في سورية".
إذا عدنا إلى تسلسل الأحداث منذ البدايات وتطوراتها، وصولاً إلى تنفيذ القصف على قاعدة "التنف"، نستطيع التأكيد أن المنطقة تتغير بسرعة كبيرة، وأن ما جرى ليس مجرد رد على الاعتداءات الصهيونية على مواقع سورية، وإنما بداية لتنفيذ القرار الاستراتيجي لحلف المقاومة بإخراج الأمريكيين من كامل المنطقة، مع ما يعني ذلك من تغير كبير يجري في موازين القوى والقوة الإقليمية والدولية، وهو بالتأكيد لصالح حلف المقاومة وحلفائه وأصدقائه.

ما هي «التنف»؟
«التنف» قاعدة عسكرية أمريكية أقيمت في منطقة صحراوية قرب مثلث الحدود السورية ـ العراقية ـ الأردنية، وعلى بعد متساو عن هذه الحدود بمسافة 22 كم، وبعد 24 كم عن معبر «التنف» بين سورية والعراق وطريق دمشق بغداد.
عام 2025 سيطر تنظيم «داعش» على المعبر ثم انسحب منه لصالح الأمريكيين باتفاق بين الجانبين، ثم أعلنت واشنطن المنطقة «منطقة عدم اشتباك» نصف قطرها 55 كيلومتراً، وترتبط عسكرياً ولوجستياً مع القواعد الأمريكية في الأردن ومع الكيان الصهيوني.
أبقت القوات الأمريكية في القاعدة المجموعات الإرهابية من غير «داعش» تحت اسم «مغاوير الثورة» و«أسود الشرقية» التي تدربها وتكلفها بمهام خاصة. كما تضم المنطقة مخيم الركبان الذي يؤوي عوائل الإرهابيين.
كان للقاعدة دور رئيسي في العدوان على سورية، حيث اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية محطة لدعم المجموعات الإرهابية ولقطع طريق دمشق ـ بغداد الاستراتيجي، ولمحاولة حصار سورية وخنق اقتصادها، وفتح كوريدور جوي أمام الطائرات «الإسرائيلية» لتنفيذ اعتداءات عديدة ضد مواقع سورية ولحلفائها.
واتخذت الولايات المتحدة القاعدة لتنفيذ محاولتها لفتح ممر بين الشمال والجنوب في شرق سورية مواز للحدود السورية العراقية، يمتد من الحدود التركية إلى الحدود الأردنية، تسيطر عليه قوات «قسد» العميلة، ومجموعات إرهابية أخرى تعمل برعاية القوات الأمريكية، والهدف الرئيسي لهذا الممر قطع طريق طهران ـ بغداد ـ دمشق. لكن هذه المحاولة فشلت حتى الآن وأصبحت بعد الهجوم على القاعدة من شبه المستحيلات.
تحوي القاعدة تجهيزات عسكرية ولوجستية متطورة، تضمن حماية القاعدة والجنود الأمريكيين، وفرقاً طبية واستخباراتية، مع دعم مدفعي وقوة نيران ودعم جوي بالطائرات، وكل ما تتطلب من إمدادات بالوقود وغيره، إضافة إلى تأمين متطلبات تدريب المجموعات الإرهابية المسلحة التي ترعاها داخل القاعدة.
وقاعدة «التنف» هي الموقع الوحيد الذي يضم وجودا أمريكيا عسكريا كبيرا داخل سورية خارج منطقة شرق الفرات الخاضعة لسيطرة عملاء «قسد» الذين يعملون برعاية القوات الأمريكية وحمايتها.