دمشق  - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
فجأة تتغير الأمور بشكل متسارع فيما يخص الملف السوري، ولصالح الدولة السورية وخياراتها الداخلية والإقليمية. وأبرز ما حدث المعطيات الآتية:
ـ تسوية تستكمل إنهاء ملف الإرهاب والمجموعات الإرهابية المسلحة في درعا والجنوب السوري، وتعيدها بشكل كامل إلى سيطرة الدولة السورية على مرأى ومسمع العدو الصهيوني الذي يرى فيها تهديداً له.
ـ وفد وزاري لبناني كبير في دمشق لبحث موضوع نقل الكهرباء والغاز من الأردن ومصر إلى لبنان عبر سورية يكسر "قانون قيصر" لمحاصرة سورية وبقرار أمريكي، تلاه لقاء رباعي سوري لبناني أردني مصري للوزراء المعنيين بشؤون الطاقة لتنفيذ القرار، وتلا ذلك تشكيل حكومة في لبنان أعيقت لأكثر من عام. 
ـ وزير الدفاع السوري في العاصمة الأردنية عمان، التي احتضنت على مدى أكثر من 10 سنوات من العدوان على سورية غرفة الموك وأجهزة الاستخبارات التي قادت العدوان على سورية وشرعت الأردن كأحد أبواب دخول الإرهابيين إلى سورية، ثم لقاء في نيويورك بين وزيري خارجية البلدين فيصل المقداد وأيمن الصفدي.
ـ لقاء هو الأول من نوعه منذ بدء العدوان على سورية بين وزيري خارجية سورية ومصر.
ـ سبق كل ذلك الحضور السوري الطاغي على اجتماع بغداد لدول الجوار العراقي، رغم غياب سورية عن الاجتماع بضغط أمريكي.
ـ أما الأهم، فكانت زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو ولقاءه الرئيس بوتين وحديثهما عن استكمال تحرير إدلب والشمال السوري والاستعداد للانسحاب الأمريكي من شمال شرق سورية، ورافق ذلك تصريحات متوترة من الرئيس التركي أردوغان، وتكذيب سوري لادعاءات وزير خارجيته حول وجود اتصالات سورية - تركية.
هذه التطورات المتسارعة تجعل السؤال مشروعاً حول سر هذا الانفتاح عربيا وإقليميا ودوليا على دمشق. هذا السؤال أجاب عليه بصراحة ووضوح الملك الأردني عبد الله الثاني أثناء زيارته لواشنطن عندما أعلن من قلب البيت الأبيض أن سورية انتصرت، والرئيس الأسد انتصر في الانتخابات الرئاسية، وهذا يؤكد اتباع استراتيجية جديدة مع واقع النصر السوري.
الأهم في جواب الملك الأردني -الذي ما كان ليقوله بدون ضوء أخضر وتنسيق مع الجانب الأمريكي- أن تداعياته وتفاعلاته لن تكون مقتصرة على الملف السوري، وإنما يعبر عن موازين قوى وقوة جديدة تتشكل في المنطقة والعالم انطلاقاً من الميدان السوري سيكون لها الدور الأساس في رسم الخريطة الجيوسياسية لكامل المنطقة ولقرن مقبل من الزمن.
هذه الصورة جاءت في ضوء الأحداث المتوقعة في سورية والمنطقة خلال الفترة المقبلة، وأبرزها الانسحاب الأمريكي المتوقع من العراق ومن سورية، والذي يستكمل الانسحاب الأمريكي (الفوضوي) من أفغانستان، واستكمال تحرير إدلب إما بانصياع تركيا لما اتفق عليه أردوغان مع الرئيس الروسي بوتين، وإما بعمل عسكري يجبرها على ذلك، وتداعيات ذلك على مجمل ملفات المنطقة، وهي التي استدعت عقد القمة بين الرئيسين الأسد وبوتين للاتفاق على خطوطها العريضة وتفاصيلها.
ففي ملف التواجد الأمريكي غير الشرعي في شمال شرق سورية، تؤكد كل التوقعات أن الولايات المتحدة ستنسحب من سورية، لاستحالة بقائها بعد الانسحاب من العراق. وهذا القرار ترجم عبر عدة تصريحات أمريكية، وتوجيه لعملائها في الداخل السوري من "قسد" و"مسد" للاستعانة بروسيا التي تلعب دور الوسيط بين جماعة الإدارة الذاتية الكردية ودمشق، وبموافقة ضمنية أمريكية.
هذا يعني أن هناك تفاهمات حصلت بين واشنطن وموسكو للتحضير لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من الشمال السوري بعد التغير الكبير في الملف السوري ميدانيا وسياسيا لصالح الدولة السورية والتي غيرت شكل المنطقة إلى غير ما أرادته واشنطن، وبالتالي ضمنت سورية حقها في أن تساهم وبدور كبير في إعادة رسم خرايطة المنطقة مسنودة بتجذر محور المقاومة وبروزه كقوة إقليمية كبرى بدأ يفرض شروطه ومَنطِقهُ، خاصة وأن أمريكا لم تعد تحتمل تكرار صورة هزيمتها المذلة في أفغانستان، في سورية والمنطقة.
أمريكا وبعدما فشلت في المقايضة بين خروجها من قاعدة التنف وكامل سورية مقابل خروج القوات الإيرانية الموجودة بشكل شرعي بعكس القوات الأمريكية، أصبح جل ما تريده قبل خروجها هو موافقة الجانب السوري وبضمانات روسية على بعض مطالب "قسد"، وهو ما توافق عليه القيادة السورية منذ البداية من خلال الدستور السوري وقانون الإدارة المحلية.
وفي ملف إدلب، فإن كل المؤشرات تؤكد أنه وضع على صفيح ساخن، وأن قرار استكمال تحريرها تم اتخاذه، لأن كل الظروف الداخلية والإقليمية والدولية أصبحت مهيأة لذلك.
التمهيد الميداني لذلك يتم منذ عدة أيام، من خلال ضربات عسكرية سورية ـ روسية على مواقع المجموعات الإرهابية المسلحة في كامل منطقة تواجدها. والهدف ليس فقط تدمير مواقعها ومراكز القيادة ومخازن الأسلحة، وإنما إيصال رسالة إلى الرئيس التركي أردوغان قبيل لقائه الرئيس بوتين في سوتشي يوم 29 سبتمبر/ أيلول الجاري تقول له: عليك تنفيذ ما اتفقت عليه مع الرئيس بوتين في قمتي موسكو وسوتشي حول إدلب، وبدون مهلة طويلة هذه المرة، أو التنحي جانباً لعمل عسكري سوري روسي ضد المجموعات الإرهابية.
الهدف من هذه الخطوة، سواء بانصياع تركيا لاتفاقاتها مع روسيا أم بعمل عسكري، هو التحرير الكامل للطريق الدولي (حلب - اللاذقية M4)، وفي المرحلة الثانية إنهاء الوضع في إدلب على طريقة ما تم في الجنوب السوري، مع فارق جوهري هو أن التسويات في الجنوب وما قبلها كانت تنقل المجموعات الإرهابية التي ترفض التسوية مع الدولة السورية إلى إدلب، أما اليوم فالمطلوب تحرير إدلب نفسها، وهذا يعني معالجة ملف الإرهاب في سورية بشكل كامل، إما بذهاب أصحاب الجنسية السورية إلى تسويات مع الدولة على طريقة الجنوب وإما بالموت. وأما بقاياهم من غير السوريين وعائلاتهم التي أحضروها للحلول مكان المهجرين السوريين -وهم الأخطر- فليس لهم مكان يهربون إليه سوى البوابة التركية، وهذا قد يفتح أزمة عويصة لتركيا التي لم تكن تتوقع هذه النتيجة يوم جاءت بهم، وقد تتطور إلى مواجهات دامية ومعركة بين هذه الفصائل وتركيا داخل وخارج سورية، وهو ما يستدعي من أردوغان ودول تحالف العدوان التي تورطت بجلبهم عبر البوابة التركية إيجاد حل لهم، وهو ما يتم بحثه اليوم وراء الكواليس، وسيبحث خلال قمة بوتين - أردوغان، وبعض هذا الحل يجري فعلياً بعيداً عن وسائل الإعلام بتدوير بعض القادة منهم حيث يتم نقلهم إلى أفغانستان أو أماكن أخرى، وترك الباقي لملاقاة مصيرهم الطبيعي في المواجهات مع الجيش السوري.
أردوغان المأزوم بدا متوترا خلال تصريحاته على هامش مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بقوله: "لدي توقعات مختلفة عن الاجتماع مع بوتين. النظام السوري يشكل بالفعل تهديدا لحدودنا، وأتوقع تضامن روسيا كدولة صديقة وأنتظر نهجا مختلفا تجاه سورية. سنتخذ قرارات مهمة أثناء المفاوضات مع الرئيس الروسي بوتين في سوتشي".
واضح من هذه التصريحات المتوترة وغير المنطقية أن أردوغان يشعر بالقلق الجدي، وهو يرى أن التحولات الإقليمية والدولية تسير بغير اتجاه رياح تركيا، وبما يتوافق مع توجه الدولة السورية وفي ملفات تعتبر مصيرية له، وهذا سيزعزع صورته المهزوزة أصلا بعد سقوط الإخوان في مصر وتونس والمغرب والسودان وفشلهم في اليمن، كما ستعري أردوغان أمام المعارضة التركية والشعب التركي، بعد تحول تركيا من بلد صفر الأعداء كما وعدهم، إلى صفر الأصدقاء كما أصبح اليوم.
هذه التطورات المقلقة لأردوغان تؤكد أن تصريحاته لا تدل على قوة أو قراءة تعكس الواقع الحقيقي على الأرض، وإنما يريد توصيل رسالة إلى موسكو قبل لقائه مع بوتين يريد منها الضغط على سورية للقبول بتفاهمات معه حول الحلول التي يجري بحثها حول الملف السوري وتشابكاته مع قضايا المنطقة ككل، خاصة وأن سورية ترفض أي لقاء مع الجانب التركي ووضعت المسؤولين الأتراك في وضع محرج عندما نفت بشكل قاطع التصريحات التي أطلقها وزير خارجية تركيا جاويش أوغلو كبالون اختبار لدمشق عن وجود اتصالات مع الجانب السوري.
هذه التحركات الإقليمية والدولية تؤكد أن خارطة جيوسياسية ترتسم في المنطقة وسيكون لسورية وحلف المقاومة الدور الأكبر في رسمها، بناء على الانتصارات التي راكمها على مدى أكثر من عقدين من الزمن وعلى صمود وانتصار سورية في العدوان الشرس الذي شن عليها على مدى أكثر من عشر سنوات، وما زلنا في بداية المسار، والقادم سيكون وافراً من هذه الانتصارات في كل الجبهات ومناطق الاشتباك في سورية واليمن ولبنان والعراق، والبوصلة ستبقى متجهة نحو القدس.