ملف صحفي خاص
«لا» من مسرح المجزرة إلى مهود الأطفال وأضرحتهم  وأنين ذويهم المفجوعين للعام الثالث والمكلومين بغصة الإهمال الرسمي

الصور الحديثة بعدسة/ وليد عبدالحكيم الماوري

لم تكن الشمس قد قطعت شوطاً كبيراً في رحلتها اليومية عندما توقفت اطارات حافلة مدنية تُقل على متنها أكثر من 50 طفلاً، في سوق مدينة ضحيان بمحافظ صعدة. ليترجل سائقها لشراء الماء والأكل للأطفال، الذين كان معظمهم لم يتناولون وجبة الفطور، ولكن السائق لم يتمكن من احضار « الساندويتشات» للأطفال، فبعد لحظات من توجهه نحو « الكافتيريا» المقابلة للحافلة، حدث ما لم يتوقعه أحد.. إنفجار كبير يهز المكان ويستهدف حافلة الاطفال، محولاً إياهم الى جثث وأشلاء.
كان ذلك صباح الخميس الموافق 27 ذو القعدة 1439هـ الموافق 9 أغسطس/ آب 2018م، عندما استهدف طيران العدوان السعودي الامريكي بغارة جوية، حافلة طلاب المراكز الصيفية بمدينة ضحيان في محافظة صعدة، وأدت الغارة الى استشهاد وجرح أكثر من خمسين طفلا من الطلاب وعدد من المتسوقين، لُيجاهر العدوان عبر متحدثه العسكري بأن الهدف كان مشروعاً، مُدعياً أستهداف خبراء عسكريين..!!
ثلاثة أعوام مضت على هذه المجزرة البشعة، التي صنفتها، حينها، الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية بجريمة حرب ضد الإنسانية، ولكن هذه « الأمم» وقفت عاجزة عن اتخاذ أي اجراء ضد مرتكبيها، فالمال الخليجي- لديهم- أغلى وأثمن وأزكى من جثث وأشلاء أطفال سُحقوا دون ذنب..وبالنظر إلى التقارير الأممية والإحاطات الصحفية لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، نجد الكثير من عبارات الشجب والإدانة لقوى العدوان الأمريكي السعوديّ، وتحميلهم مسؤولية قتل المدنيين ولا سيما الأطفال، لكن الأمين العام للأمم المتحدة،  أنطونيو غوتيريش، يضع كُـلّ تلك التقارير «جانباً»، ويبرئ ساحة تحالف العدوان بعد أن قبض الثمن.
المشهد يتكرر الان مع ادراج انصار الله في القائمة السوداء لمنتهي حقوق الطفولة في اليمن، ويتزامن هذا التصنيف مع الذكرى الثالثة لمجزرة العدوان بحق اطفال مدينة ضحيان، وهي واحدة من عشرات الجرائم المشابهة ارتكبها العدوان السعودي الامريكي ضد أطفال اليمن.
 صحيفة (لا) وهي جزء لا يتجزأ من هذا الشعب الذي تكالبت عليه « الأمم» تشارك أبناء مدينة ضحيان، واليمن بشكل عام، إحياء الذكرى الثالثة لمجزرة أطفال الحافلة، والتي تصادف الأربعاء الموافق 27 ذي القعدة الجاري، بملف صحفي كامل عن المجزرة بتفاصيلها ومآسيها، من أرض الواقع، وبألسنة أهالي الضحايا، الشهداء، وزملائهم العائدون من الموت بصاروخ « الحافلة» وشهود حضروا المجزرة وما سبقها وتلاها، متفقدين أحوال الاهالي، ناقلين شكاويهم الى قيادات الدولة.
قصص تُدمي القلوب وتسلخ الصدور، وتقول للعيون «امطري دمعاً ودماً» فنحن هكذا خُلقنا، نواجه احزاننا وحدنا بكل ما أوتينا من كبرياء وعزة وأنفة وشموخ.

كان اليوم الجمعة، عندما حزمنا احزاننا وحملنا اقلامنا وكاميراتنا متجهين الى مدينة ضحيان بمديرية مجز، محافظة صعدة، وقادتنا الاقدار مباشرة الى روضة الشهداء الاطفال، حيث التقينا هناك بعدد من أهالي الاطفال الشهداء في زيارات منتظمة لقبورهم، واستمعنا منهم الى حديث ذكريات عن المجزرة البشعة، وتفاصيل رحلة الاطفال الترفيهية الى الجنة، صباح الخميس المبارك.
قال عدد من الأطفال الذين كانوا في الحافلة، إنهم كانوا يشاركون في دورات صيفية بدأت في يونيو/ حزيران 2018م في الجامع الكبير بضحيان، خلال الفترة من الساعة 7:30 إلى 10 صباحا يوميا، ما عدا الخميس والجمعة،  وفي 9 أغسطس/آب، كانوا قد أكملوا الدورة الصيفية واجتازوا اختبارها النهائي، وتبقى فقط اقامة رحلة ترفيهية للطلاب، تكريماً لهم بانتهاء الدراسة الصيفية، وذلك قبل حلول عيد الاضحى المبارك بنحو اسبوع.
تجمع الاطفال في المسجد الكبير عند السابعة صباحا من أجل رحلة خاصة إلى «مقبرة الشهداء بقرية الجعملة» في ذات المديرية، ثم الى مسجد الإمام الهادي في مدينة صعدة، وكانوا جميعاً تحت سن 15 عاماً، وبعضهم حضر مرتدياً الملابس الجديدة المخصصة لعيد الاضحى.
صعد الاطفال على متن الحافلة برفقة ثلاثة من معلميهم، وانطلقوا الى قرية « الجعملة» لزيارة روضة الشهداء، وبعدها عادوا للحافلة لمواصلة رحلتهم متجهين صوب مدينة صعدة، ومعظم هؤلاء الاطفال من حي الجامع الكبير بضحيان.
عاش الأطفال الساعات الأولى من الرحلة، حالة من السعادة غمرتها الفرحة والبهجة، ولم تخلُ من الفوضى وشقاوة الأطفال وترك مقاعد الجلوس للوقوف وسط الحافلة وبجانب النوافذ، يتحدثون فيما بينهم بأصوات مرتفعة، وهو ما دفع أحد المعلمين إلى مطالبتهم بالجلوس على المقاعد والتزام الهدوء.
توقفت الحافلة في سوق ضحيان، ونزل السائق لشراء الماء والأكل للأطفال، قبل مواصلة الرحلة نحو مدينة صعدة، دون أن يعلموا أن هناك شيطانا يترصدهم في السماء ويتحين الفرصة للانقضاض عليهم، وهو ما حدث فعلاً.. حيث باغتهم طيران العدوان السعودي الامريكي وسط السوق المكتظ بالمدنيين، ليترك المشهد مصبوغاً بالدماء.
لتبدأ المآساة الكبرى،لدى أهالي الضحايا.

لحظــات مؤلمة
أظهرت مقاطع فيديو مصورة من كاميرات محال تجارية في سوق ضحيان، وأخرى التقطتها كاميرات بعض المُسعفين، العديد من المشاهد المؤلمة والموجعة للحظة انفجار الصاروخ وأثناء انتشال الجثث وإسعاف الجرحى.
- في مسرح الجريمة توجد أشلاء في كل مكان، في الطريق، في أسطح المنازل المجاورة، كما توجد كتب ودفاتر مبعثرة وحقائب مقدمة من منظمة اليونيسف تلطخت بدماء الطلاب أثناء استهدافهم.
- تظهر المشاهد الأولية للمجزرة صورة أحد الآباء يتصل بزوجته ليسألها عما يلبسه ولده حتى يسهل عليه البحث عنه في مسرح الجريمة، كما يظهر أب آخر وجد جثة ابنه وصاح باكياً: «أووووه والله إنه يوسف.. والله إنه يوسف».
- وفي مشاهد أولية لإسعاف الجرحى يظهر أحد الأطفال حاملاً حقيبة تابعة لمنظمة اليونيسف وعند إجراء العلاج له ويبدو أنه أصيب في رأسه كان يصرخ قائلاً: «ما اشتيش إبرة، ما اشتيش إبرة»، تعبيراً عن رفضه للحقنة كونه خائفاً منها.
- الأشلاء متناثرة والجثث تملأ المكان، أحد الأطفال جزء من جسده ملقى تحت الحافلة وساقه مبتورة ومازالت تتحرك والدماء تسيل منها.
- قدم مبتورة بحذائها هنا، ويد هناك، وشخص يحمل نصف جسد وآخر ينتشل بقايا طفل.
- طفل آخر معظم جسده تحت حطام الحافلة ولم يظهر منه سوى قدمه التي كان يحركها كمن يريد أن يُشعر المسعفين أنه مازال حيا فيستعجلون في إسعافه.
- طفل يحاول الوقوف والدماء تسيل منه وأجزاء من جسده تم نهشها كأن حيواناً مفترساً في غابة مهجورة هاجمه بكل شراهة فنهش من لحمه ما استطاع وترك الباقي عذاباً للطفل.
- أحد المسعفين يحمل في يده سلة بلاستيكية خاصة بالخضروات يجمع فيها قطع اللحم المتناثرة.
- في مستشفى الطلح لم يكن المشهد مختلفاً: عشرات الجثث تم طيها في أكياس بلاستيكية.. أجساد محترقة لأطفال مازالوا على قيد الحياة، وآخرين أصابت الكسور أجزاء عدة من أجسادهم.. عشرات الأطفال الجرحى لم يسلم أي منهم من فقدان يد أو قدم أو عين أو ينج من إصابة بليغة.

سوق ضحيان روايات مسعفين وشهود عيان
وصلنا سوق ضحيان، حيث تم استهداف حافلة الأطفال من قبل طيران العدوان السعودي الأمريكي صباح الخميس 27 ذي القعدة 1439هـ ـ 9 أغسطس/ آب 2018م.
الخط الإسفلتي المتهالك يتوسط مدينة ضحيان، وعلى جانبيه تمتد المحال التجارية والمباني.
عندما استهدف الطيران الحافلة، كانت متوقفة على جانب الشارع، وطبقاً لشهود عيان التقتهم صحيفة «لا» في السوق، فقد أحدث الصاروخ حفرة كبيرة في المكان الذي كانت تقف فيه حافلة الأطفال، بينما الحافلة قذف بها الانفجار بعيداً بمسافة تصل إلى 8 أمتار من مكان توقفها، لترتطم بأحد المباني المجاورة، ولم يتبق منها سوى جزء بسيط من هيكل الجوانب الخارجية وجزء من المقدمة وقاعدتها الأرضية.
في موقع الجريمة تم ردم الحفرة وإصلاح الأضرار التي خلفها الانفجار، حتى يعود الشارع إلى طبيعته، خصوصاً مع الازدحام الكبير للمواطنين في السوق، كما تم تنفيذ لوحة عملاقة في موقع استهداف الحافلة، ترتفع عالياً على امتداد جانبي الشارع، وتضم اللوحة صور وأسماء الشهداء (31 طفلاً، و4 مدرسين، و4 مواطنين)، وتحت الصور كُتب بالبنط العريض «هنا تم استهداف حافلة طلاب ضحيان من قبل طيران دول تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، يوم الخميس 27 ذي القعدة 1439هـ الموافق 9/8/2018م»، وأعلى الصور كُتبت آية من القرآن الكريم «ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله...».

قيامة قبل أوانها
أحد المواطنين المسنين ظهر في الفيديوهات التي تم تصويرها لحظة انتشال الجثث، والمسعفون يداوونه جراء إصابته بشظايا متفرقة في جسده، هذا المسن اسمه أحمد عبدالله، وهو صاحب محل «كافتيريا» بالجهة المقابلة لمكان توقف حافلة الأطفال، التقيناه في المكان ذاته، وسمعنا منه إلى شرح مختصر لما حدث، فيقول: «جاء الصاروخ وأنا أقف في باب الكافتيريا، سمعت صوت الصاروخ وهو يسقط من السماء نحو الحافلة، وشاهدت لحظة سقوطه ووميض انفجاره وكومة الغبار والأدخنة الضخمة التي ارتفعت أثناء الضربة وكأن القيامة قد قامت قبل أوانها، ثم أُصبت بعدة شظايا في جسدي وتم إسعافي إلى المستشفى الجمهوري في صعدة ثم إلى صنعاء».

فيلم رُعب
كما التقينا شاهداً على الجريمة يُدعى طارش أحمد سلام (43 عاماً) صاحب صالون حلاقة في الجهة المقابلة لموقع المجزرة، ووالد اثنين من الجرحى، كانا داخل صالون الحلاقة.
يقول طارش: «كعادتنا كل صباح، يأتي ولداي عبدالرحمن (16 عاماً)، وإبراهيم (14 عاماً)، الساعة الثامنة، لفتح محل الحلاقة، بينما أنا أتبعهما ببعض الوقت». مضيفاً: «كنت في المنزل أتناول طعام الإفطار عندما سمعت انفجار الصاروخ، فأسرعت بالخروج والتوجه نحو صالون الحلاقة، ووصلت بعد لحظات فقط من وقوع الانفجار لأن المنزل قريب من السوق، ولم تُصدق عيناي ما تراه، وكأني في حُلم أو أشاهد فيلم رعب، الغبار يغطي السوق، والناس يركضون وجثث الأطفال في كل مكان، وجثث وأشلاء قذف بها الانفجار إلى خلف المباني لمسافات بعيدة عن الشارع.. والبعض منهم تقطعت أجسادهم إلى أوصال صغيرة، يعني مجزرة بكل ما تعنيه الكلمة».
سقط الصاروخ -وفقاً لـ« طارش سلام»- على مسافة تُقدر بنحو خمسة أمتار من صالون الحلاقة، وأصيب ابناه عبدالرحمن وإبراهيم بشظايا عدة، فتم إسعافهما إلى المستشفى، بينما واصل الأب مع بقية الأهالي انتشال جثث الشهداء وإسعاف الجرحى «أسهمت مع بقية الناس في إسعاف الجرحى وانتشال الجثث.. شهيد هنا وشهيد هناك وهناك وهناك، في كل مكان».
تحدثنا أيضاً إلى عبدالرحمن طارش سلام، نجل الحلاق، الذي قال إنه شاهد الحافلة أثناء توقفها في الشارع مقابل صالون الحلاقة، حوالي الساعة الثامنة والنصف صباحاً، فخرج منها السائق ودخل محل البقالة.
ويضيف عبدالرحمن: «كان هناك زبون يجلس داخل الصالون، وآخر يهم بالدخول، عندما شعرت بشيء ما يدفعني بقوة لمسافة داخل الصالون، والغبار يعصف بالمكان.. لا أتذكر أني سمعت صوت الانفجار، وكذلك لم أفقد وعيي، فخرجت من الصالون وذهبت نحو البيت، والدماء تسيل مني، والمنطقة بأكملها ممتلئة بالدماء والأشلاء، وشاهدت أخي إبراهيم يمشي بجواري، ثم شعرت بألم في أسفل ظهري يزداد كلما مشيت، ولم أستطع إكمال السير، فسقطتُ أرضاً أنا وإبراهيم».
أُصيب عبدالرحمن بشظية أسفل ظهره، وأخرى في ساقه، كما أصيب شقيقه إبراهيم بشظايا مختلفة.

منظر مأساوي
التقينا أيضاً المواطن فيصل محمد عبدالله (41 عاماً) صاحب مطعم مقابل لموقع الاستهداف، الذي يصف الجريمة بقوله: «منظر مأساوي لا يعلم به إلا الله.. الجثث والأشلاء تناثرت على الأرض وفي الزوايا وداخل المحلات وعلى أسطح المنازل، البعض قمنا بإنزال جثثهم بالحبال من أسطح المنازل».
ويضيف: «عندي هنا أمام المطعم مات 4 أشخاص، أحدهم كان يتناول الفطور، واثنان يقفان إلى جانب التنور لشراء التميز «الخبز» وشخص رابع يقف أمام المطعم».
كما أسفر الانفجار عن إصابة فيصل وابنه معتصم فيصل (16 عاما) وأخويه علي (25 عاما)، ومنصور (20 عاما)، وابن أخيه عز الدين صالح (10 أعوام)؛ وقريب آخر، وعبده علي يوسف الحوري (19 عاما)، بجروح مختلفة، وجميعهم يعملون في المطعم الذي ألحق به الانفجار أضراراً كبيرة.

رحلة طويلة تمتد إلى السماء
وفي قصة مأساوية شرحها أحد الأطفال وهو شاهد على الجريمة، قائلاً إن 3 أطفال اقتربوا من الحافلة أثناء توقفها في الشارع وكانوا يتحدثون مع أصدقائهم من خلال نوافذ الحافلة، ومن بين الأطفال الذين خارج الحافلة، طفل يدعى زكريا عبدالوهاب فايع، أحد طلاب المدرسة الصيفية، كان قد ذهب في الرحلة الأولى قبل نحو أسبوع، وأراد أن يذهب مرة أخرى مع الرحلة الثانية، فانتظر عودة سائق الحافلة ليستأذنه بالذهاب في الرحلة مرة أخرى، ولكن الصاروخ لم يمنحه الوقت للاستئذان، فتقطع جسده إلى أشلاء، ليذهب زكريا وأصدقاؤه الأطفال في رحلة طويلة تمتد إلى السماء.

الموت كمداً
ومن ضمن المآسي التي خلفتها مجزرة العدوان بحق أطفال ضحيان، أن والدة أحد ضحايا المجزرة وتُدعى ضيفة علي المعس (50 عاماً) وافتها المنية كمداً على ولدها الأستاذ «حسين»، فبعد أن سمعت أن طيران العدوان استهدف حافلتهم هرعت إلى السوق مكان المجزرة للبحث عن ولدها ولم تجده، فعادت إلى منزلها وهي في حالة من الدهشة والفجيعة، أغمي عليها فور وصولها وأسعفها أقاربها إلى المستشفى ليخبرهم الطبيب أنها قد توفيت، أما ابنها الأستاذ حسين فكان أحد جرحى المجزرة.

عُمر جديد لسائق الحافلة
سائق الحافلة المُستهدفة، حسين صالح جراد، يصف ذلك اليوم بقوله: «في يوم الخميس الموافق 9 أغسطس 2018، استدعيت لنقل طلاب المراكز الصيفية للقرآن الكريم من الجامع الكبير في ضحيان لزيارة روضة الشهداء، فبدأنا رحلتنا من عند الجامع الكبير إلى روضة الشهداء بالجعملة، وصلنا روضة الشهداء في الجعملة وزرنا الأقارب والأصدقاء من الشهداء، وقرأنا لهم الفاتحة، وبعدها بدأنا رحلتنا الثانية إلى روضة الشهداء في صعدة، وفي طريقنا كان الطلاب يريدون ماء وعصيراً، وكنا حينها مارين في سوق ضحيان، والسوق مزدحم بشدة، لدرجة أني لم أتمكن من الحصول على موقف للحافلة إلا بصعوبة».
توقفت الحافلة ونزل السائق حسين جراد لشراء الماء والعصير من البقالة القريبة، وقدم الماء والعصير للأطفال، ثم ذهب لشراء «سندويتشات» من الكافتيريا، لتحدث بعد ذلك الكارثة.. «حصلت الضربة، ضربة شديدة ما يتصورها العقل»، هكذا يصفها السائق جراد. مضيفاً: «نار شديدة ودخان وأشلاء وأبواب تتطاير، يعني قامت القيامة». مواصلاً: «الحافلة قذف بها الانفجار إلى مسافة بعيدة والطلاب مُرجمين في كل مكان وجثثهم منتفة ومنتشرة، فلم أستحمل هذا المشهد وفقدت الوعي ولم أدر أين أنا».
كُتب للعم حسين صالح جراد -كما يطلق عليه الأهالي- عُمر جديد، ولكنه لا يخلو من ألم نفسي، أشد بكثير من الجراح الجسدية.


مدير إدارة جرحى صعدة: فوجئنا بأن جميع جثث الشهداءكانت لأطفال
مدير إدارة الجرحى بنقطة الخدمات الطبية بمحافظة صعدة، سجاد عامر، تحدث قائلاً: «بينما نحن نتفقد أحوال الجرحى والمرقدين في المستشفى الجمهوري بصعدة اتصل بي أحد الإخوة الذي يسكن بالقرب من مكان الجريمة في ضحيان، وقال بأن العدوان استهدف سوقاً في مدينة ضحيان، مخلفاً الكثير من الشهداء والجرحى، بعدها أبلغنا مندوبينا الذين في المستشفى من أجل الاستعداد لاستقبال الجرحى، وفوجئنا بأن الحالات التي كانت تصل المستشفى، جميعهم أطفال، وليست لمواطنين كبار السن، أو متسوقين في سوق ضحيان، وعندما سألنا المسعفين، أخبرونا بأن العدوان استهدف حافلة للأطفال». 
يسرح عامر بفكره قليلاً كمن يتذكر المشهد المرعب للأطفال شهداء وجرحى أثناء إسعافهم إلى المستشفى، ثم يواصل حديثه: «أكثر المواقف المؤلمة عندما كان الأهالي يتصلون بنا نبحث عن أطفالهم إذا قد حولناهم إلى مستشفيات صنعاء 
أو مستشفى الطلح لأنهم لم يجدوهم بين الجرحى في 
الجمهوري، وكان يتضح في الأخير أنهم شهداء وقد تم نقلهم إلى الثلاجة، وبعض الأهالي كان يبحث حتى في الثلاجة ولا يجد ابنه ثم يعود ويتصل بنا ليسأل إذا كان هناك شهداء تم نقلهم إلى مكان آخر، فيتضح بعد ذلك أنهم أشلاء ويصعب التعرف عليهم». 
يتذكر سجاد أحد المواقف التي قال إنه لن ينساها: «بعد المجزرة بأيام قمت بزيارة الجرحى الذين خرجوا من المستشفى، زرتهم إلى بيوتهم لتقديم بعض المساعدات، فأبلغني أهالي ضحيان أن أحد الأطفال ممن نجوا من الحافلة، قام بعد الضربة مباشرة بالجري إلى بيتهم، وعندما وصل لم يستطع أن يعبر عما حصل، ودخل في صدمة نفسية شديدة لايزال يعاني منها إلى الآن، وهناك أيضاً غيره ممن أصيبوا بحالة نفسية مشابهة لحالته».

حقائب «إسرائيلية»!
ضبطت السلطات بميناء الحديدة، مساء الأحد 2 مايو 2021م، ما يقارب 786 حقيبة مدرسية تتبع منظمة اليونيسف، تحمل خرائط تعترف بدولة الكيان الصهيوني المحتل الغاصب بدلا من الدولة الفلسطينية، كانت تنوي توزيعها لطلاب وطالبات محافظة الحديدة.
الشحنة التي تحمل تلك الحقائب المدرسية المقدمة من منظمة اليونيسف تم ضبطها بحضور مدير عام شرطة محافظة الحديدة العقيد مهدي الكحلاني، ومدير فرع المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية بالحديدة جابر الرازحي.
وأوضح الرازحي أنها ليست المرة الوحيدة التي يتم ضبطها، إذ سبق أن تم ضبط كميات عديدة خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى أن هذه الأعمال والأنشطة التي تقوم بها هذه المنظمات باسم تقديم المساعدات للشعب اليمني تأتي ضمن النشاط العدائي والمستفز، والذي يأتي ضمن مخطط يخدم أجندات قوى الشر والاستكبار العالمي أمريكا و»إسرائيل».
وللتذكير فإن أطفال حافلة ضحيان تم استهدافهم والحقائب المدرسية المقدمة من «اليونيسف» على ظهور بعضهم، الأمر الذي دفع البعض للتساؤل عن علاقة هذه الحقائب باستهداف الطفولة في اليمن.

استشهد ثلاثة من أطفاله فـي المجزرة
زيد طيب:كانوا يلوحون لي بأيديهم من الحافلة مودعين
رغم مرور ثلاث سنوات على جريمة طيران العدوان بحق أطفال المراكز الصيفية في مدينة ضحيان بمحافظة صعدة، فإن الأب المكلوم زيد حسين طيب، لم يستطع نسيان تفاصيل المجزرة التي أود ت بحياة ثلاثة من أطفاله، ومازال يتذكر أدق تفاصيل لحظات الجريمة وما سبقها وما تلاها.
يصف زيد طيب ما حدث صباح الخميس 27 ذي القعدة 1439هـ الموافق 9 أغسطس/ آب 2018م، بـ«الفاجعة الكبرى»، قائلاً لصحيفة «لا» التي التقته أثناء زيارته لروضة الشهداء الأطفال بمدينة ضحيان حيث يُدفن أطفاله الثلاثة: «كان يوم شؤم علينا بشكل ما تتصور. فاجعة كبرى؛ لأن أقل شخص من الأهالي فقد أحد أبنائه في هذه الجريمة، والبعض فقد ابنه الوحيد، فتجد عنده أربع أو خمس بنات وطفلاً واحداً (ذكراً)، هذا الطفل فُقد في هذه الرحلة».
ويضيف زيد: «أنا فقدت ثلاثة من أطفالي: يوسف 14 سنة، وأحمد 11 سنة، وعلي 9 سنوات، وهذا الأخير كانت أمه تحبه أكثر من إخوانه، كان مدللاً وحنوناً».

ويواصل زيد حديثه: «عندما دعا قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، المواطنين إلى الدفع بأبنائهم إلى الدورات الصيفية، لبينا النداء، وسجلنا أطفالنا في المراكز الصيفية وتحفيظ القرآن الكريم، ودرسوا الدورة كاملة، وأجروا الاختبار النهائي، وتم الإعداد للقيام برحلة للأطفال كنوع من الترفيه والتكريم لهم في ختام الدورات الصيفية، وكانت الرحلة منقسمة إلى قسمين: القسم الأول: تم تنظيم رحلتهم قبل المجزرة بأسبوع، وأنا منعت أطفالي من الذهاب في الرحلة الأولى، لأني كنت متشائماً وأشعر في قلبي بشيء جعلني أخاف أن يحدث أمر ما، فوعدت أطفالي بالسماح لهم بالذهاب في الرحلة الثانية».
جاء موعد رحلة القسم الثاني من الأطفال، فتجمع الأطفال الثلاثة (يوسف وأحمد وعلي) حول والدهم، وذكّروه بالوعد الذي قطعه على نفسه: «قال لي علي: أنت قد وعدتنا، لا تقع منافق!!».

أمام هذا الإلحاح من الأطفال وافق الأب على ذهابهم في الرحلة مع زملائهم. «كانوا سعداء جداً بهذه الرحلة، وأكاد أجزم أنهم لم يذوقوا النوم في الليلة التي سبقت الرحلة من شدة الفرح، وقامت والدتهم بتجهيز أغراض الرحلة لهم، لكن الخوف عاد للركض في قلبي مجدداً نتيجة تحليق الزنانة (الطيران) طوال الليل، وضاعف ذلك الخوف تحليق مكثف للطيران الحربي مع بزوغ الفجر، فحاولت إقناع أطفالي بعدم الذهاب، خشية أن يُصابوا بأذى، لكنهم قالوا: سيحفظنا الله».

تسبب هذا الخوف في تأخر الأطفال عن الالتحاق بانطلاقة الرحلة في الصباح الباكر إلى روضة الشهداء بـ»الجعملة»، وقام والدهم بإيصالهم على متن دراجته النارية إلى الحافلة أثناء توقفها في سوق ضحيان بعد عودتها من زيارة روضة الشهداء: «أوصلتهم وأوصيتهم بأن يكونوا رجالاً، وينتبهوا بعضهم لبعض ولا يتسببوا بأي مشاكل. قالوا: أبشر. وكذلك قلت للسواق حسين صالح جراد: إذا حصل منهم شيء اخبطهم (أدبهم)، وكان السواق أباً حنوناً لكل الأطفال، فابتسم، وقام أبنائي بتقبيلي في جبيني، ثم غادرت الحافلة وهم يلوحون لي بأيديهم منها، واطمأن قلبي عندما لاحظت الحافلة وهي تكتظ بالأطفال، قرابة 65 طفلا».
لم يكن زيد قد ابتعد كثيراً بدراجته النارية، وبينما هو على مسافة تُقدر بـ150 متراً من الحافلة، شعر بالضربة الصاروخية، فالتفت إلى الخلف ليرى جبلاً من الغبار المختلط بالأدخنة، يتصاعد نحو السماء من وسط سوق ضحيان. «لم أتوقع أنها في الحافلة، وقلت: يمكن ضربوا مكاناً هنا أو هناك، فرجعت أشوف وإذا بالصاروخ قد استهدف حافلة الأطفال، وكان الغبار يملأ المكان، ووجدت نفسي وسط بحر من الأشلاء والدماء والجثث المتناثرة في كل زاوية، فكنت أنا أول شخص من المُسعفين يصل موقع الجريمة، ورأيت طفلاً ملقى على وجهه، فحملته بيدي بغرض إسعافه، فقد كان لاتزال فيه بقايا روح، وعندما أدرت وجهه وتأملت ما تبقى من ملامحه، إذا به ابني أحمد، وشعرت وكأني سمعته يقول: يا اباه، ولكنه كان قد فارق الحياة».
لبرهة لم يستطع زيد طيب مواصلة حديثه لنا، واكتفى بالصمت بينما يده تمسح الغبار عن صورة ابنه الشهيد على شاهدة قبره بروضة الشهداء الأطفال، وكأنه يعيش لحظة انتشال جثة أحمد من مكان المجزرة. ولكم أيها السادة القراء أن تتخيلوا الموقف!!
بعد لحظات واصل زيد من حيث توقف، ويده مازالت منهمكة في مسح الغبار بنعومة من خد أحمد في الصورة: «لم يحدث لي مثل هذا الموقف، ولن يحدث من يوم خلق الله الأرض إلى أن أُفنى منها وأُبعث من جديد»، مضيفاً: «مسحت الغبار عن وجه أحمد بعد أن رفعته بيدي، وكانت شظايا الصاروخ قد أخذت من جسده الكثير، وملابسه احترقت بشكل شبه كامل، فأخذته إلى مكان فيه ظل، ثم واصلت البحث عن يوسف وعلي، فوجدت جثة يوسف وقد قذف بها الانفجار إلى داخل بقالة مجاورة».

لم يجد زيد بين الجثث والأشلاء أي أثر لنجله الثالث (علي)، وفي الوقت نفسه لم يطاوعه قلبه أن يُبقي جُثتي أحمد ويوسف ملقاتين على الأرض، فأخذ هاتفه واتصل بزوجته، مبلغاً إياها بالنبأ الفاجعة. «اتصلت بوالدتهم وقلت لها الأولاد استشهدوا، وسنأخذهم إلى الثلاجة لأنهم أصبحوا أشلاء، ولكنها أصرت على أن أعود بهم إلى البيت كي تلقي عليهم النظرة الأخيرة، وقالت: ضويهم (ارجع بهم) حتى لو هم لحم في زنبيل أو في باغة (بلاستيك)، اشتي أرى أولادي ولو هم نتف (قطع صغيرة)».

أخذ زيد ما تبقى من جثتي طفليه أحمد ويوسف إلى والدتهما، طالباً منها أن تُلقي عليهم النظرة الأخيرة، قبل نقلهم إلى ثلاجة الموتى، ولكنها رفضت تسليم الجثتين دون أن يأتي الأب بـ»علي»! «قالت: أولادي لن يخرجوا من البيت إلا ثلاثة»، يقول زيد، مضيفاً: «عدت إلى مكان الجريمة أبحث بين الأشلاء، ولكنني لم أجد أي أثر لعلي، ثم تلقيت اتصالاً وقت العصر من أحد الزملاء يخبرني أن علي موجود في المستشفى الجمهوري بمدينة صعدة، فأخذت سيارة أحد الجيران وذهبنا لإحضار الجثة، وأوصلتها إلى البيت فأخرجته أمه من داخل كيس الجثث، واحتضنته، بشكل لم أرها تحتضنه من قبل، وكأنه عاد حياً، وكأنه غائب عنها منذ عشرات السنين. كانت تحبه أكثر من إخوانه، كان علي... ك..ا..ن...».
تختنق الكلمات في حلق الأب، وتخرج الحروف متقطعة مع مزيج من الدموع، والآهات المؤلمة، حتى غاب صوت الأب تماماً، فيغرق الجميع في بكاء صامت لا يتجاوز الصدور، وحده العزيز وليد الماوري (المصور) استطاع الفرار والاختفاء خلف عدسة الكاميرا ملتقطاً سيلاً من الصور هنا وهناك.

العيد في الجنة
استُشهد أحمد ويوسف وعلي زيد حسين زيد، قبل أيام قليلة من حلول عيد الأضحى المبارك، وكان والدهم قد استعد لاستقبال العيد بشراء ملابس جديدة لثلاتهم، وشقيقهم الأصغر محمد (6 سنوات)، ولكنهم غادروا دون أن يفرحوا بالعيد ودون ملابس جديدة!
قبل ثمانية أشهر من الآن رُزق زيد بطفل آخر سماه «وعد الله». يقول: «المولود الجديد سميته «وعد الله» وإن شاء الله يكبر وينتقم لإخوانه».

مساومة
لم يكتف العدوان بارتكاب هذه المجزرة البشعة بحق الأطفال، بل وصلت به الوقاحة حد المساومة على دماء وأشلاء الشهداء والجرحى، مقدماً ملايين الدولارات كثمن لهذه الأرواح الزكية.
يقول زيد طيب، الذي تم اختياره بعد الجريمة ممثلاً لشهداء وجرحى الحافلة: «تلقيت اتصالاً من رئيس لجنة التحقيق السعودية في هذه الجريمة، ويدعى حسين المنصوري، وطلب التفاوض معي شخصياً بصفتي مندوب الشهداء والجرحى، بعيداً عن أنصار الله أو الحكومة اليمنية، وقال: أنا مستعد أدفع من الدولار إلى المليون دولار للنفس الواحدة. فقلت له: لدينا قائد ثورة ولدينا رئيس جمهورية وحكومة إنقاذ، اتفاوضوا معاهم».

زوجة زيد طيب:
كانت فرحتهم كبيرة بالرحلة، وقبل ذهابهم قبلوا رأسي وقالوا. «مع الله يا اماه!
أم يوسف وأحمد وعلي زيد حسين طيب، تصف الليلة التي سبقت المجزرة واللحظات القليلة قبيل قصف الطيران حافلة الطلاب، قائلة: «في ليلة الأربعاء، قبل المجزرة بليلة، قال الأطفال: معانا غداً رحلة مع المدرسة الصيفية، واستأذنوا بالذهاب مع زملائهم، فقلنا لهم: تمام! وفي الصباح ارتدوا ملابسهم واتجهزوا وقالوا لي: كيف احنا؟ نظاف؟ ما فينا شي؟ قلت: أيوة ما لكم شي، ما شاء الله عليكم».
وتضيف: «كانت فرحتهم كبيرة بهذه الرحلة، وقبل ذهابهم قبلوني أنا ووالدهم في رأسينا، وقالوا: مع الله يا اماه، مع الله يا اباه. قلت: في أمان الله، استودعتكم الله».
لحظات وسُمع هدير طيران العدوان يُحلق في المنطقة. «أول ما سمعت الطائرة قلت: يا الله اكفنا شرها! يا الله ودعتك عيالي!».
لم يكتف طيران العدوان بالتحليق في سماء المنطقة، فذلك التحليق لم يكن سوى استعداد وترصد للفريسة ممثلة بالأطفال وحافلتهم. وبينما زوجة زيد طيب قد انشغلت بأعمالها المنزلية غير متوقعة أن يُصاب الأطفال بأذى، إذا بها تسمع صوت انفجار الصاروخ. «أنا سمعت صوت الصاروخ، وكنت مطمئنة أن أولادي في رحلة ولم أتوقع أن الضربة فيهم». لحظات فقط وتلقت الأم اتصالاً من زوجها. «اتصل بي والدهم وقلت له: أيش في؟! قال: ولا شي، لكن ضربوا الحافلة اللي جهالش فيها. أنا لم أستوعب، قلت: كيف يضربوا الحافلة؟! كيف يعتدوا عليهم؟».
طلبت الأم من زوجها إحضار الأطفال إلى المنزل، وخرجت تنتظر مجيئهم أمام المنزل، فجاءت سيارة تحمل جثتين لطفليها: أحمد ويوسف. تقول: «جابوهم فوق سيارة، قال أبوهم: هاه سيري ابسري جهالش، فتحت وفتشت عليهم كذية، كان منظرهم زيادة، يعني قدهم أشلاء ومحروقين وقدهم منتفين...».
تختنق حنجرة الأم بالدموع وتعجز عن إكمال الحديث.


لم يخطر ببال المواطن زيد علي الحمران -أحد أبناء منطقة ضحيان بمديرية مجز محافظة صعدة- أن تلفونه الجوال سيكون الأداة التي فضحت زيف ادعاءات قيادة العدوان السعودي، حول استهداف آلتهم الحربية حافلة أطفال من طلبة القرآن الكريم، فإصرار نجله أسامة (13 عاماً) على أخذ تلفونه كي يوثق رحلته وزملائه، كانت تختبئ خلفها حكمة إلهية، ففي الوقت الذي حولت المجزرة الأطفال إلى أشلاء والحافلة إلى كومة حديد متهالك، لم يصب «جهاز التلفون» بأي أذى وبقي شاهداً على جريمة «خادم الحرمين الشريفين».

صحيفة «لا» التقت المواطن زيد علي الحمران. كان جاثياً على قلبه بالقرب من قبري طفليه أسامة (13 عاماً)، وعلي (8 سنوات) في روضة شهداء الحافلة.
الدمع يسكن عينيه والحزن يكسو وجهه، والألم أوشك على التهام صحته، حتى أن الناظر إليه يُخيل له أن ألف مآساة داست على وجهه في رحلة امتدت قروناً من الزمن.
بصعوبة بالغة حكى لنا الأب المكلوم، زيد علي الحمران، بعضاً من فتات الفاجعة، قائلاً: «ولدي أسامة كان لديه جوال من النوع العادي، ولم أكن متعوداً منه أن يطلب جوالي. وليلة الحادثة قال لي: أشتي جوالك أصور به. وأصر على أخذ الهاتف، وتدخلت والدته في هذا الأمر مساندة، وقالت: إعطه الجوال، خليهم يتصوروا ويفرحوا بالرحلة! وقامت بتجهيز الخازن وتوصيلة الشحن ليأخذها أسامة معه حتى لا ينتهي شحن بطارية الهاتف، وهم مازلوا في الرحلة».

نهاية الرحلة الدنيوية 
أخذ أسامة هاتف والده وانطلق صباحاً برفقة شقيقه الأصغر علي (8 سنوات) إلى مكان تجمع الأطفال جوار الجامع الكبير، والأرض لا تتسع لفرحتهم.
يقول زيد الحمران: «أثناء توجههما إلى الحافلة كان أخوهم الصغير يقول لهم: الطائرة ستضربكم... لأن الطيران كان مُحلقاً بكثافة على غير العادة. فرد عليه شقيقه علي: بانروح الجنة».
بدأ أسامة تصوير زملائه وأصدقائه بمجرد صعودهم الحافلة، وكان الجميع في غاية السعادة، ثم واصل أسامة التوثيق لحظة وصولهم مقبرة الشهداء وهم يتلون بصوت موحد ومرتفع سورة الفاتحة وسورة الإخلاص، قبل أن ينطلقوا نحو القبور بحثاً عن قريب أو عزيز عليهم بين الشهداء، ليعودوا بعد ذلك إلى الحافلة. ولم تمض سوى لحظات حتى انقضت عليهم طائرة تحالف العدوان السعودي، منهية رحلتهم في الدنيا، لتبدأ رحلتهم إلى الدار الآخرة.

لحظة الاستهداف
كان زيد علي الحمران، صباح الخميس الموافق 27 ذي القعدة 1439 هـ الموافق 9 أغسطس 2018م، بالقرب من روضة شهداء ضحيان، حيث كان -آنذاك- قيماً على المقبرة، والتقطت أذنه صوت الانفجار، ليشعر بعد ذلك بالأرض تهتز تحت أقدامه من شدة الانفجار، فلم يخيل إليه أن الطيران الذي كان لايزال يحلق كبومة عشقها شيطان، لم يخيل إلى الحمران أن الطيران استهدف حافلة الأطفال. إلا أن النبأ الفاجعة هرع إليه متلبساً بفتى يستقل دراجة نارية.
«أثناء الحادثة كنت جوار المقبرة، وسمعت الصاروخ لحظة الانفجار، وشعرت بالأرض تهتز من قوة الضربة، ولم أتوقع أن يكون الصاروخ استهدف الأطفال. بعد ذلك مشيت لمسافة قليلة وإذا بفتى على دراجة هوائية ينادي: يا عم يا عم!... وعندما التفت إليه قال: الطيران ضرب الحافلة اللي فيها أولادك. كنت لحظتها ماراً من أمام مورد ماء تتجمع النساء حوله لنقل الماء إلى منازلهن كعادتهن، وكان الموقف المؤلم والمحزن أنهن سمعن كلام الفتى عن قصف حافلة الأطفال. قبل ذلك كانت النسوة يتبادلن الحديث والضحكات بشكل طبيعي، وعندما سمعن النبأ الفاجعة انقلب الوضع إلى مأساة. إحداهن أغمي عليها، والأخرى لم تستطع الوقوف، وثالثة سقطت وهي واقفة، وتحول الضحك إلى بكاء ونواح وصراخ، لأن كل واحدة منهن لديها ابن أو أخ أو قريب من الأطفال في الحافلة. كان الموقف مأساوياً، لن أنساه ما حييت».
لم يستطع زيد الحمران الذهاب إلى موقع الجريمة، فقلبه الضعيف لا يحتمل الدم والأشلاء، وأرسل أبناءه الكبار مع الجيران وكلفهم بمهمة البحث عن أسامة وعلي.

موقف الأم
يضع زيد يده اليمنى أمام فمه محاولاً كتم صوت الكُحة القاسية التي كانت تهز جسده، وترفض أخذ إجازة لبعض الوقت حتى يستطيع الحديث معنا بسهولة.
يواصل زيد الحديث رغماً عن أنف «السُعلة» سارداً مشهد إبلاغه لزوجته بهذا النبأ: «رجعت إلى البيت بعد الحادثة بقليل، ولم يكن حينها قد بلغني أي خبر عن مصير أسامة وعلي». وأضاف: «كانت والدتهما تحضر الخبز في التنور، واحترت كيف أبلغها بهذه الفاجعة، رغم أنها كانت قد سمعت بقصف الطيران معتقدة أنه استهدف الجبل أو أي مكان قريب، ثم شاهدتني أدور في مكاني ذهاباً وإياباً، فقالت: ما لك؟! قلت: ما شي. قالت: إلا في شي! قلت: الجهال ضربهم الطيران.. فأمسكت رأسها بيديها وانطلقت خارج المنزل، وأنا لحقت بها حاملاً غطاء يستر جسدها، لأنها كانت بملابس البيت، ولم تشعر بنفسها، وخرجت إلى الشارع والناس في حالة ذهول والغبار والأدخنة تملأ المكان. بعد ذلك طلبت منها العودة وحاولت تهدئتها بأن أولادنا مع بقية الأطفال، إن كانوا من بين الأموات فهم شهداء في جنة الله، وإن كانوا مصابين، فالحمد لله على كل حال، وأقنعتها بالانتظار حتى نتلقى أي خبر عنهم».
لم تمر سوى لحظات حتى تم إبلاغهم باستشهاد أسامة وعلي.
يقول زيد: «لم يكن الأمر سهلاً عليها، حيث أمضت الأيام الأولى التي تلت المجزرة والدموع لا تفارق عينيها، ثم مرت الأيام والأسابيع وهي لا تستطيع نسيانهما، حتى أنها كانت بين وقت وآخر تنادي عليهما، دون شعور، وكثيراً من الأوقات تجدها تسأل لماذا تأخروا في العودة من الرحلة؟! أيضاً كان أخوهم الأصغر (أحمد) كلما سمع باب المنزل يفتح أو يُغلق، ينطلق نحو الباب قائلاً: جاء أسامة وعلي. وعندما لا يجدهما، يعود ويسأل: متى سيأتون؟».
تضاعف الألم في جوف الأم المغلوبة على أمرها كبقية أمهات الأطفال الشهداء والجرحى، حتى كاد الألم يلحقها بابنيها، فقام الأب بابتداع حيلة، أثبتت في وقت لاحق نجاحها وإن كان بالجزء اليسير. «عندما لاحظت أن صحة الأم أوشكت على الإنطفاء جراء افتقادها لطفليها، لجأت إلى تغيير اسم الطفل الأصغر أحمد وأطلقت عليه اسم شقيقه الشهيد «أسامة»، ثم رزقني الله بمولود جديد سميته «علي»، وبذلك تمكنت من احتواء حزن الأم ولو بالشيء اليسير». 
يدخل زيد الحمران في نوبة «سُعال» شديدة لم يستطع هذه المرة مقاومتها، فاختفى صوته مختلطاً بدموعه المنسابة على خديه، واكتفى بالتلويح لنا بيديه، معلناً انتهاء اللقاء، وبدء فصل البكاء بتوقيت الأنين.


والد شهيد مازال مفقوداً:دفنت قدم نجلي فهي كل ماتبقى من الجثة
بينما نحن في روضة الشهداء الأطفال برفقة المواطن زيد حسين طيب، والد ثلاثة أطفال شهداء في مجزرة قصف العدوان حافلة الأطفال في ضحيان، استوقفنا زيد طيب أمام أحد القبور وأشار بيده نحوه قائلاً: «هذا قبر الطفل أحمد عبدالحكيم عامر. لم يجد والده من جثته سوى قدمه، فأخذناها ودفناها في القبر».
قصة مأساوية لهذا الأب «عبدالحكيم عامر» سمعتها من بعض الأهالي الذين التقيتهم، فحاولت الالتقاء به وسماعها منه، إلا أن الظروف لم تسمح بذلك، وكان لزاماً أن أتناول قصته في هذا التحقيق، مستعيناً بحديث الأهالي وبعض البيانات من تقرير حقوقي عن الجريمة تحدث إليه عبدالحكيم عامر.
كغيره من الأهالي، وقت حدوث المجزرة، انطلق عبدالحكيم عامر إلى مسرح الجريمة بحثاً عن نجله أحمد (12 عاما)، ولكنه لم يجد أي أثر له، فانطلق للبحث في جميع المستشفيات التي نُقل إليها الأطفال الجرحى والشهداء، دون فائدة، ثم عاد مجدداً إلى مسرح الجريمة عله يجد أي أثر لطفله المفقود.. يقول عبد الحكيم: «لم أجد أي شيء من جثة أحمد، لا أصبع ولا جمجمة ولا رأس ولا شيء... قلبت الأشلاء جميعها في المستشفيات ولم أجد أي شيء».
يتحدث الأب عن نجله أحمد بفخر واعتزاز: «كان يدرس في الصف الخامس الابتدائي، وهو من الأذكياء وكان يحفظ القرآن كما أُنزل، وآخر ما سمّع لي غيبا سورة الزمر إلى آخرها، إلى قوله تعالى: وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين». كانت هذه السورة القرآنية آخر ما سمعه الأب من ابنه، الذي ارتدى ملابس العيد وانطلق مع أقرانه في رحلة لم يعد بعدها أبداً.
«سمّع لي هذه السورة ولم أره بعدها. لبس ملابس العيد وذهب فرحاً بالرحلة إلى مقابر الشهداء وإلى جامع الإمام الهادي»، يقول الأب.
رحل أحمد ولم يجد والده بعده سوى أحذيته التي تم دفنها بعد ذلك في القبر المخصص للشهيد أحمد بروضة الشهداء الأطفال، ليرثيه والده بقصيدة عُلقت على مدخل الروضة، إلى جانب قصيدة أخرى كتبها عبدالحكيم عامر عن مجزرة الأطفال، وعُلقت أيضاً على مدخل الروضة.

اللحظات الأخيرة قبل المجزرة
قبل دقائق من الشهادة، وثق أحد الأطفال بتلفون والده الذي استعاره منه قبيل الرحلة، وثق اللحظات الأخيرة في حياة هؤلاء الأطفال، أثناء رحلتهم قبل أن تستهدف الغارة الجوية حافلتهم، وتحول أجسادهم إلى فُتات. وفي حكمة إلهية لم يُصب الهاتف بأي ضرر، ويبقى شاهداً على بشاعة الجريمة.
هذا الطفل يُدعى أسامة زيد الحمران، أحد الشهداء في الحافلة، حيث قام بتوثيق الرحلة وتصويرها فيديو وهم في الحافلة قبل الذهاب في الرحلة، وتظهر الحافلة وهي مليئة بالأطفال ضعف عدد المقاعد التي فيها، ومن وصل متأخراً ولم يجد له مكانا ليجلس فيه كان يقف بداخل الحافلة، والسعادة واضحة في وجوههم.
تنتقل عدسة الهاتف نحو لوحة معلقة في مدخل روضة الشهداء، وكان الأطفال يرددون بعد معلمهم العبارات والأدعية: «السلام عليكم يا من صبرتم، السلام عليكم يا من أعزنا الله بتضحياتكم، السلام عليكم أيها الأبرار، أسكنكم الله جنات تجري من تحتها الأنهار»، ثم ينطلق الأطفال إلى داخل الروضة، ومازالوا يتلون سورة الفاتحة وآية الكرسي، وكل واحد منهم يبحث بين القبور عن قريب أو صديق. فكانت تلك هي لحظاتهم الأخيرة والحافلة التي أقلتهم إلى مثواهم الأخير.


والد الشهيدين يوسف ويونس الهدوي:ارتديا ملابس عيد الأضحى وذهبا ولم يعودا
بخلاف الأطفال الآخرين ممن استشهدوا في مجزرة حافلة طلاب ضحيان، والكثير ممن جُرحوا فيها بجراح بليغة، لم تكن إصابتي الشهيدين يونس (11 عاماً) وشقيقه يوسف عبدالعزيز محمد الهدوي (10 سنوات)، بليغتين، سوى شظية بسيطة في قدم يونس ومثلها في رأس يوسف، الأمر الذي دفع بالأب إلى الإصرار -لحظة انتشال جثتيهما من موقع المجزرة- على أنهما مازالا على قيد الحياة.
يقول عبدالعزيز، الذي تحدث إلينا عبر الهاتف: «إصابتهما كانت طفيفة مقارنة ببقية الأطفال الذين تمزقت جثثهم أو احترقت أو تشوهت من شدة الضربة، فيونس أصيب بشظية في القدم، وأخوه يوسف بشظية في الرأس، لذلك عندما وجدت جثتيهما قد تم انتشالهما مع جثث أخرى ووضعها على متن سيارة لنقلها إلى المستشفى، كنت شبه متأكد أنهما مازالا أحيين».
يظهر الهدوي في فيديو وثائقي بثته قناة «المسيرة»، وهو يبكي وينادي على ابنه يوسف ويفتش بين جثث شهداء تم وضعهم في خانة سيارة هايلوكس، كان يصيح: يا يوسف!... وعندما وجده كان يشتم ما تبقى من ثيابه ويتحسس وجهه ويقول: «عاده دافئ»، محاولاً أخذه، والناس حوله يحاولون إقناعه بأن يوسف صار شهيداً.
نُقلت جثتا يوسف ويونس إلى المستشفى مع بقية الجثث، ليتم بعد ذلك زف الشهداء الأطفال في موكب جنائزي مهيب إلى روضة خاصة بهم «شهداء الحافلة».
لم تحظ والدة الطفلين بتوديعهما أو إلقاء النظرة الأخيرة عليهما، فضاعف ذلك من ألمها. يقول زوجها: «والدتهما استوجعت جداً لرحيلهما بهذا العمر. كانت تفصل بين يونس ويوسف سنة واحدة فقط، فيونس استشهد وهو في الحادية عشرة ويوسف في العاشرة من عمره، ولم تستطع والدتهما توديعهما، لأن الجثتين نقلتا إلى المستشفى مباشرة».

فرحة لا توصف
يشرح عبدالعزيز الهدوي اللحظات الأخيرة لطفليه قبل وقوع المجزرة، قائلاً: «ليلة الأربعاء كان فيهما فرحة منقطعة النظير ما قد رأيت مثل تلك الفرحة إطلاقاً. وصباح اليوم الثاني، كنا متعودين كل يوم بعد صلاة الفجر ندرس قرآن ونتدارس أنا وأطفالي، وذلك اليوم قالا: يا الله زلجنا بخمسمائة ريال مصاريف للرحلة، فأعطيتهما الفلوس، ووالدتهما ألبستهما الملابس الجديدة الخاصة بعيد الأضحى، لأنه لم يكن يتبقى لعيد الأضحى سوى أسبوع واحد، فخرجا من البيت وفيهما فرحة لا يعلم بها إلا أرحم الراحمين».
يواصل الهدوي: «كانت الحافلة مكتظة بالطلاب الأطفال، عددهم أكثر من خمسين طفلاً مع المدرسين، وعندما سمعت صوت الانفجار، شعرت بشيء يهز قلبي ويدفعه إلى الخوف، فاتصلت مباشرة بالأستاذ علي العجري، أحد مدرسي الأطفال. كان تلفونه مقفلاً، فزاد في قلبي الشعور بأن شيئاً قد حدث للأطفال، وبمجرد أن خرجت من المنزل شاهدت دخاناً كثيفاً يملأ السوق وعلمت بالفاجعة».


أحد الأطفال الشهداء ((وحيد أسرة)) لايزال مفقوداً:
والدته: لم نجد سوى «الكوت» الذي كان يرتديه فدفناه مكان الجثة
في الليلة السابقة للجريمة، استأذن الطفل محمد عبد الإله الحاكم (7 سنوات)، وهو وحيد والديه من الأطفال الذكور، استأذن والده بالذهاب في رحلة الطلاب، فأذن له، وكاد الطفل أن يطير من الفرحة، بينما والداه يتأملانه بصمت وقد شعرا بالسعادة تغمر قلب الطفل وتملأ الحياة.
تقول الأم: «كنا نتأمله بهدوء، وشعرنا بفرحته، فكان سعيداً جداً بهذه الرحلة، وسألني: أيش تلبسيني غداً؟ قلت له: سوف ألبسك الزنة البيضاء والكوت والشال الجديد والجنبية».
صباح اليوم التالي استيقظ محمد باكراً. لم تكن الساعة قد تجاوزت السادسة صباحاً، واستأذن والدته بالمغادرة إلى الرحلة، فسمعه والده، وقال له: مازال الوقت باكراً، انتظر حتى الساعة السابعة أو السابعة والنصف. لم يستطع محمد الصبر أكثر، وبين كل دقائق تمر يعود ويسأل والدته: كم الساعة؟!
تقول الأم: «جهزت له الفطور وألبسته وعطرته وودعته إلى عند باب البيت»، ثم التقطت أذنيها صوت هدير الطيران فطلبت من طفلها البقاء وعدم الذهاب: «انتظر قليلاً، وقال: يا اماه راحت، راحت خلاص. واحنا كنا متعودين على تحليق الطيران، فما أخذت في بالي أنها تترصد الأطفال، قلت: يا محمد اقرأ المعوذات. قال: ناهي إن شاء الله، خاطركم مع السلامة».
تواصل الأم والدموع تنمهر من عينيها: «ودعناه وكانت تلك آخر لحظة أراه فيها»، مضيفة: «بعد حوالي ساعة ونصف، وبينما أنا أنادي أبو محمد أن يصحو من النوم لتناول الفطور، سمعت ضربة الصاروخ».

هرع أبو محمد إلى الخارج ليعرف ما الذي استهدفه طيران العدوان السعودي الأمريكي، فانصدم بالخبر الفاجعة: «حافلة الأطفال قُصِفت».
عاد أبو محمد إلى المنزل وزوجته تنتظر منه خبراً يذهب المخاوف من قلبها، ولكنه زاد لهيبها: «رجع أبو محمد وقال لي: ما لش الا تحمدي الله، محمد إما شهيد أو جريح».
مضى الوقت ولم يصل أي خبر عن الطفل محمد عبد الإله الحاكم، ولم يستطع الأب الذهاب للبحث عن ابنه بين الاشلاء، وأرسل أخاه (عم الطفل) وابن أخيه للبحث عن محمد في موقع الجريمة وأيضاً في المستشفيات، فلم يجدوا أي أثر لجثته أو أي جزء من جسده كي يتم تشييعه ودفنه في روضة الشهداء إلى جانب رفاقه الأطفال الشهداء، ولم يتم العثور سوى على بقايا الكوت الذي كان يرتديه محمد «كوت العيد»، فقام الأب بدفن الـ«كوت» في القبر المخصص لابنه الوحيد محمد، ووضع على القبر صورة واسم محمد عبد الإله الحاكم.


3 أعوام من وضوح الدم ونفاق العالـم
المجزرة والقاتل بيانات وإدانات ومغالطات سعودية
بعد ساعات من الجريمة، سارع ناطق قوات العدوان ليعلن أن طيران التحالف استهدف مسؤولين عن هجوم صاروخي باليستي على مدينة جيزان جنوب السعودية.
وفي 10 أغسطس/ آب وصف الناطق الرسمي لأنصار الله، محمد عبدالسلام، تبرير ناطق التحالف لمجزرة طلاب ضحيان، بأنه قمة السقوط والسخف واستهتار بأرواح المدنيين، قائلاً: “قمة السخف والسقوط أن يبرر تحالف العدوان جريمته اليوم بأنه استهداف مطلقي صواريخ أمس، كما سماهم”، مضيفاً: “إن تبرير ناطق العدوان لجريمته تسطيح واستهتار واضح بأرواح المدنيين”.
وفي 11 أغسطس/ آب 2018، قالت البعثة الدائمة للسعودية لدى الأمم المتحدة إن الهجوم “استهدف القيادات العسكرية لقوات الجيش اليمني واللجان الشعبية، بينهم أحد أبرز مدربي السلاح”.
لكن سرعان ما تراجعت السعودية عن إعلانها، بعدما فضحت تقارير دولية تابعة للأمم المتحدة ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة الصليب الأحمر الدولي، الأكاذيب السعودية، لتعلن المملكة أنها ستحقق في الحادثة.
وفي 1 سبتمبر 2018، اعترف المستشار القانوني في الفريق المشترك لتقييم الحوادث التابع لقوات العدوان، الفريق منصور أحمد المنصور، بأنّ الغارة لم تكن ضرورية لردع هجوم وشيك على قوات التحالف.
وأضاف المنصور: “كان يجب تنفيذ الغارة لدى وجود الحافلة في موقع خالٍ من المدنيين لتفادي هذه الخسارة في الأرواح”، ولكنّ ذلك لم يحصل بسبب “تأخر واضح”.
وصرّح أنّه يوافق الفريق المشترك لتقييم الحوادث الرأي، وعبّر عن “أسفه على الهجوم”، مؤكداً أن “التحالف سيتخذ الإجراءات القانونية لمعاقبة الذين ارتكبوا الخطأ ولتقديم تعويضات أو مساعدة للضحايا”، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

جريمة حرب
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، بعد ساعات من ارتكاب الجريمة، إن الغارة الجوية لقوات التحالف بقيادة السعودية والتي قتلت 26 طفلا وأصابت 19 آخرين على الأقل داخل وقرب حافلة مدرسية في سوق ضحيان المزدحم في شمال اليمن، في 9 أغسطس/ آب 2018، يبدو أنها جريمة حرب.
وطالبت المنظمة بتجميد مبيعات الأسلحة إلى السعودية فورا، ودعم التحقيق المستقل للأمم المتحدة في الانتهاكات التي ترتكبها جميع أطراف النزاع المسلح في اليمن.
وأعربت ممثلة منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة في اليمن، ميريتشل ريلانيو، عن صدمتها إزاء الصور الواردة من محافظة صعدة لمجزرة طلاب ضحيان الذين استهدف طيران التحالف حافلتهم موقعاً أكثر من 125 شهيداً وجريحاً معظمهم من الأطفال.

لا أعذار بعد اليوم!
كما أصدر خيرت كابالاري، المدير الإقليمي لمنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، بيانا موجزا تحت عنوان “لا أعذار بعد اليوم!”، مدينا قصف حافلة مدرسية في صعدة، مما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات أغلبيتهم من الأطفال.
وأشار كابالاري إلى أن المعلومات الواردة من صعدة أفادت بأن معظم هؤلاء الأطفال الضحايا كانوا دون سن الخامسة عشرة.وتساءل كابالاري: “هل حقاً يحتاج العالم إلى المزيد من الأطفال الأبرياء القتلى لوقف الحرب على الأطفال في اليمن؟!”.

قنبلة أمريكية
وكشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” وموقع “بيلينغكات” للصحافة المستقلة، بناء على الصور والفيديوهات لمخلفات القنبلة المستخدمة، أن القنبلة أمريكية الصنع من طراز “جي بي يو-12 بيفواي” موجهة بالليزر وتنتجها شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية.وأكد السناتور الهولندي بول غافان، من حزب “شين فين”، أن القنبلة المستخدمة في قصف حافلة الطلاب في ضحيان، شحنتها القوات الأمريكية من “مطار شانون” في مقاطعة كلير في جمهورية آيرلندا، الذي تستخدمه القوات الجوية الأمريكية.



أطفال عائدون من الموت يحكون لـ «لا»التفاصيل الأخيرة:الجريح يونس القطابري: أصدقائي الشهداء يزورونني ليلاً ويدعون لي بالشفاء
شاهدناه في المقبرة «روضة شهداء الحافلة» يقف أمام أحد القبور يتلو الفاتحة. اقتربنا منه وسألناه عن صلة القرابة بينه وبين ساكن الضريح، فقال: «هو صديقي وهؤلاء زملائي الذين كنا جميعاً في الحافلة».
إنه الطفل يونس علي أحمد القطابري (15 سنة) أحد الأطفال الجرحى العائدين من الموت.

يونس، الذي ينتمي إلى أسرة فقيرة، حيث يعمل والده لدى المزارعين والبنائين بالأجر اليومي، بدأ الحديث عن يوم وقوع الجريمة قائلاً: «مازلت أتذكر ذلك اليوم، ذهبنا صباحاً إلى مقبرة الجعملة نزور الشهداء، وكان المفترض أن تستمر رحلتنا بعد ذلك إلى مدينة صعدة لزيارة جامع الإمام الهادي، وأثناء عودتنا من روضة الشهداء، توقف سائق الحافلة في سوق ضحيان ونزل كي يشتري أغراض الرحلة، وبعد ذلك شعرت بالضربة وغبت عن الوعي، ثم عاد إليّ الوعي للحظات بعد وقت وجيز وأنا ما زلت في موقع الجريمة، وكنت أسمع صياحاً وصراخاً، وحاولت أن أفتح عيني كي أشاهد ما يحدث، وبصعوبة بالغة فتحت عيني اليمنى قليلاً، وشاهدت غباراً ودماء وأشلاء، وكنت أصيح: أسعفوني أسعفوني! ثم جاء أحد الأشخاص وأسعفني على متن سيارة «شاص» إلى مستشفى الطلح، وهناك غبت عن الوعي تماماً».
أثناء حديث يونس معنا، كان يحاول أن يغطي الجانب الأيسر من وجهه بالشال الذي يضعه على كتفه، لا يريد أن نرى ما أحدثته الجريمة من بعض التشوهات في وجهه، حيث تعرض يونس لإصابة في عينه اليسرى وشظايا في الرأس وكسور في الساق، مازال بعضها باقياً في رأسه وساقه حتى اللحظة.
يقول يونس: «بقيت في المستشفى أكثر من ثلاثة أشهر، وكنت خلالها أعجز عن فتح عيني اليسرى، والآن أستطيع أن أفتحها بشكل بسيط. أما الإصابة التي في ساقي فقد حرمتني من المقدرة على أن ألوي ساقي إلى الخلف أو الجلوس بشكل طبيعي كبقية الناس، فأنا لا أستطيع أن أجلس بالقرب من قبور أصدقائي». وأضاف: «فقدت في المجزرة اثنين من أصدقائي كنا معاً على متن الحافلة، وهما محمد يحيى فايع وأسامة زيد الحمران، ومنذ خرجت من المستشفى وأنا آتي إلى الروضة كل يوم جمعة لزيارتهما وقراءة الفاتحة على روحيهما وأرواح بقية الأطفال».
هذه الأرواح الطاهرة هي الأخرى لا تبخل على يونس بزيارة ليلية والناس نيام، حيث يأتي إليه أصدقاؤه وزملاؤه في هيئة حُلم داعين له بالشفاء العاجل.
«دائماً أرى أصدقائي محمد وأسامة وبقية أطفال الحافلة، في المنام، أحلم بهم وأشوفهم وهم يضحكون، ويدعون لي بالشفاء».
ورغم بشاعة المجزرة وبقاء آثارها وآلامها على جسد وروح يونس حتى الآن، إلا أن ذلك لم يمنعه من التسجيل هذا العام في المراكز الصيفية. «هذا العام التحقت بالمراكز الصيفية دون أي خوف من أن يأتي الطيران ويستهدفنا بصواريخه ويكرر جريمته السابقة».

مصاب بثمانية كسور وتفتت عظم ساقه واحتراق الجلد
على مقربة من روضة الشهداء الأطفال، يقع منزل الجريح الطفل يحيى علي محمد مجلي، الذي كان يبلغ من العمر وقت المجزرة (10 سنوات)، وأصبح الآن في الثالثة عشرة.
استقبلنا يحيى في منزلهم الذي يستأجرونه بضحيان، وهو مبني من الطين يتكون من غرفتين ومجلس أرضيته مفروشة ببساطة، وجدرانه تغطيها صور الشهداء من أسرته، فلديه أخ وابن عم استشهد دفاعاً عن الأرض والعرض. ورغم إصابته التي تمنعه من الحركة كثيراً، إلا أنه أًصر على استقبالنا إلى أمام المنزل وتوديعنا بعد ذلك إلى المكان ذاته.
يشرح يحيى ما حدث صباح الخميس 27 ذي القعدة 1439هـ- الموافق 9 اغسطس/ آب 2018، قائلاً: «كان لدينا رحلة ترفيهية في ختام المراكز الصيفية، فذهبت ذلك اليوم الساعة 8 صباحاً إلى مكان التجمع عند المسجد الكبير، ولكن كانت الحافلة قد تحركت مع بقية الأطفال من مكان التجمع، فتبعتها إلى عند «المقوات» وصعدت معهم، وانطلقت الحافلة إلى روضة الجعملة، حيث زرنا الشهداء، ثم عدنا أدراجنا إلى سوق ضحيان، فتوقفت الحافلة وخرج السائق يشتري لنا ماء وصبوحاً، لأن الكثير منا لم يكن قد تناول فطوره، وفجأة أظلمت الدنيا في وجهي وفقدت الوعي ولم أشعر بشيء، ثم عاد لي الوعي للحظة فقط وكنت ملقى على الرصيف ورأيت ساقي اليسرى وقد تهشم العظم وخرج من الجلد، وساقي الأخرى لا أستطيع تحريكها وعيني لا أستطيع فتحها، ورأيت الغبار يملأ المكان والأشلاء متناثرة في كل جانب، فغبت عن الوعي مجدداً، ولم أفق إلا وأنا في المستشفى بصنعاء، بعد ستة أيام أمضيتها في المستشفى غائباً عن الوعي».
يتحدث يحيى عن لحظة عودة الوعي له وإفاقته من الغيبوبة وهو على سرير المستشفى قائلاً: «حينها وبينما أنا مازلت في الغيبوبة راودني حلم غريب، أشبه بكابوس، حيث رأيت أني أجلس في جرف داخل جرف، ثم جاء إلي شخصان أحدهما ضخم الجثة وعضلاته بارزة من ساعديه، والثاني يحمل في يده فأساً حاد الشفرة، فقام برفع الفأس إلى الأعلى ووجه لي ضربه قوية في مقدمة رأسي (الجبهة) حتى سال الدم، فصرخت وأفقت من الغيبوبة».
أمضى يحيى في المستشفى قرابة أربعة أشهر نتيجة تعرض ساقه إلى ثمانية كسور، إضافة إلى تفتت العظم بشكل كامل في جزء من ساقه اليسرى، فتم زراعة عظم ولحم في الساق وإجراء سبع عمليات جراحية، ومن شدة الخوف الذي انتابه لحظة رؤيته الدماء والأشلاء في موقع الجريمة، أصيب يحيى بمرض السكري، ليُضاف ذلك إلى رصيد أوجاعه وآلامه التي سترافقه لسنوات طويلة.

محرومون من النوم
كغيره من الأطفال الناجين من مجزرة العدوان السعودي الأمريكي، والتي خلفت لديهم آثاراً نفسية ستبقى في ذاكرتهم إلى نهاية العمر، يعجز الطفل يحيى مجلي عن النوم جيداً، لأن الحادثة الشنيعة تراوده في منامه كل ليلة، وأرواح أصدقائه تزوره بمجرد أن يغمض عينيه، والأشلاء والدماء يشعر بها تتساقط على سريره. «يومياً كلما أردت أن أنام، أرى الجثث والأشلاء المتناثرة والدماء... هذا المشهد يتكرر يومياً، فأستيقظ من المنام وأنا أصرخ مفجوعاً».
كل ما يطلبه يحيى هو أن يكمل علاجه وتعود ساقه إلى طبيعتها، فإصابته البليغة تتطلب منه حالياً إجراء عملية جراحية في الرُكبة، كونه يعجز عن لف ساقه إلى الخلف من الرُكبة، وحالته الصحية تستدعي سفره إلى الخارج لزراعة عظام ساقه وإكمال علاجه، حيث كان من المقرر أن يسافر بعد المجزرة مباشرة، ولكن إغلاق المطار وفرض الحصار من قبل تحالف العدوان، حال دون تحقيق ذلك، لتُضاف جريمة أخرى إلى سجل جرائم العدوان المتخم بدماء وأشلاء الأطفال.

كابوس
في سوق ضحيان، وتحديداً في موقع استهداف حافلة الأطفال وسط السوق، التقينا بطفل آخر ناجٍ من مجزرة الحافلة، وهو الطفل الجريح كمال عبدالله محمد الشرفي (13 عاماً). سألناه عن الجريمة وأحداثها، محاولين الاستماع منه إلى شرح مفصل عن اليوم المشؤوم، غير أنه، بخلاف قرينيه السابقين (يونس ويحيى) كان أكثر صمتاً منهما، مخُتصراً الحديث بقوله: «لم أشعر بشيء، دخلت في غيبوبة ولم أفق إلا وأنا في المستشفى بصنعاء»، مضيفاً: «كأنه حُلم! وكأنك كنت نائماً ورأيت في المنام كابوساً مرعباً، حيث تكون تضحك وتمرح مع أصدقائك وزملائك، وفجأة يأتي الشيطان ويفتك بالجميع، وفي لحظة يتحول الأصدقاء إلى أشلاء!».
أًصيب كمال بكسر في رجله وشظايا في صدره ورأسه وإصابة في عينه.




رسالة حافلة 
إلى القيادة الثورية والسياسية
بعد التحية

شهداء داخل الحافلة خارج مؤسسة الشهداء 
هـــــــــام معرض لصور الأطفال ومقتنياتهم
خلال تواجدنا في روضة الشهداء، طلب منا بعض الأهالي إيصال شكاواهم ومناشداتهم عبر صحيفة «لا» إلى قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، والرئيس مهدي المشاط، وعضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، أن يتم النظر في أحوال أهالي الشهداء والجرحى من أطفال الحافلة، حيث يعيش الكثير من الأهالي أوضاعاً معيشية صعبة، وخصوصاً أهالي الجرحى ذوي الإعاقات والجروح البليغة.
وفي هذا الصدد يطالب ممثل أهالي الشهداء والجرحى، زيد طيب، قائد الثورة وقيادات الدولة باحتساب الأطفال «شهداء الحافلة» ضمن كشوفات شهداء الوطن، قائلاً بأن قدمه قد حفيت ذهاباً وإياباً إلى مؤسستي الشهداء والجرحى للمطالبة بالاهتمام بأسر الشهداء والتعامل معهم على أنهم جميعاً شهداء دون تمييز بين شهيد وآخر، وكذلك رعاية الجرحى ومد يد العون لأسرهم، نظراً لحالتهم المادية الصعبة. «ذهبت لزيارة أحد الجرحى فإذا بالدود يخرج من الجرح الذي في قدمه، ومؤسسة الجرحى قالوا: هؤلاء مش محسوبين علينا، فرجعت أجمع فلوس من الناس، أشحتها شحت، لأجل أشتري بها عسلاً وزبيباً للجرحى». وأضاف زيد طيب: «أسر الجرحى فقراء جداً، تجد الجريح وإصابته بليغة يأكل خبزاً وسحاوق فقط».

روضة الشهداء
تم تحديد مساحة لروضة الشهداء الأطفال، وتضم الروضة قرابة الأربعين قبراً، وهي مسورة بجدار صغير من «البلك»، وفي مدخلها تم وضع الحافلة التي استهدفها طيران العدوان في مكان مرتفع قليلاً بفناء الروضة. كما توجد في مدخل المقبرة قصيدتان للشاعر عبدالحكيم عامر، إحداهما رثاء لنجله أحمد وأخرى في المجزرة.
يقول الأهالي إن روضة الشهداء الأطفال تحتاج إلى اهتمام كما هو واقع الحال في الاهتمام بروضة شهداء الجيش واللجان الشعبية المجاورة لروضة شهداء الحافلة.
ومن ذلك الاهتمام -وفقاً للأهالي- عمل «زيارة» وهي عبارة عن لوحة كبيرة توضع على مدخل المقبرة مكتوب فيها عبارات وأدعية يرددها الزائرون على أرواح الشهداء، كما تحتاج المقبرة - بحسب الأهالي- إلى سور مرتفع وشواهد صخرية على كل قبر، وشبكة ري «قطارة» تمتد بين القبور لري الورود.
كما يطالب الأهالي بتنظيم معرض لصور الشهداء الأطفال وعرض مقتنياتهم، في المساحة الفارغة أمام الروضة، والاهتمام بما تبقى من الحافلة المستهدفة وعدم تركها في الفناء تواجه الهلاك تحت الشمس والرياح.
ويناشد الأهالي السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي توجيه وزارة الصحة بالإسراع في دفن بقية الجثث والأشلاء التي مازالت في ثلاجة المستشفى منذ حدوث الجريمة، مطالبين بإجراءات فحص حمض (DNA) للجثث والأشلاء التي في الثلاجة حتى يتم التعرف عليها ودفنها.
يقول ممثل شهداء وجرحى الحافلة زيد طيب: «باقي معانا ثلاث جثث متفحمة لم نستطع التعرف عليها، وكذلك أشلاء جثث مجموعة في كيسين في الثلاجة حتى الآن نطالب بعمل فحص الـ(DNA) وإخراج الجثث ودفنها».
ويضيف مشيراً بيده نحو قبور في الروضة: «ثلاثة قبور مفتوحة تنتظر جثثها، وهذا قبر بلا جثة، وهذا قبر بلا جثة، وهذا فقط عملنا له رمز. جثث مفقودين. هذا قبر الطفل أحمد عبدالحكيم عامر لم يجد والده منه إلا القدم، دفناها في القبر. وهذا قبر الطفل علي زيد الحمران نصفه فقط مدفون. وهذا ما مدفون منه إلا بعض أطرافه، وهذا من نص الصدر وفوق، وهذا ما في إلا ملابسه مدفونة».