تحقيق مارش الحسام / لا ميديا -
تشهد المستشفيات الخاصة توسعا غير مسبوق متزامناً مع اشتداد وطأة العدوان والحصار على اليمن، والذي كان أبرز ضحاياه القطاع الصحي الحكومي الذي صار عدد من مرافقه  خارج الخدمة وأخرى تراجعت  في مستوى خدماتها.

سوق سوداء للمستشفيات الخاصة
تداعيات العدوان والحصار أضرت بمصالح الكثيرين، إلا أنها خدمت مصالح البعض.
ومن المعروف أن عدداً من المنشآت الصحية توقفت نتيجة القصف المباشر لها، وأخرى بسبب انعدام المشتقات النفطية جراء القرصنة البحرية التي تمارسها دول تحالف العدوان على سفن المشتقات النفطية، والتي لم تتسبب فقط في ظهور أسواق سوداء لهذه المشتقات، وإنما تسببت أيضاً في ظهور أسواق سوداء للمشافي الخاصة للإمعان في استغلال المواطنين الذين لم يجدوا رعاية طبية في القطاعات الصحية العامة.
كل تداعيات العدوان تصب في صالح المشافي الخاصة، حتى إن إغلاق مطار صنعاء أمام آلاف المرضى أسهم في توسع الاستثمار الخاص في الجانب الصحي لاستنزاف الجيوب ومضاعفة الأوجاع، فكل يوم صرنا نسمع عن افتتاح مستشفى خاص جديد.

أزمة عقارات
شهدت المستشفيات الخاصة في السنوات الأخيرة انتشارا كبيرا، وباتت تتكاثر يوماً بعد آخر، ومن المؤكد أن ذلك الانتشار يعد سببا رئيسيا في أزمة العقارات وارتفاع أسعار إيجار الشقق السكنية، فالاستثمار في هذا المجال أدى إلى الاستحواذ على عدد من العمارات والمباني السكنية التي كان من المقرر أن تسكنها مئات الأسر، كون هذه المباني صممت خصيصا لتكون شققاً سكنية، لا أن تصبح مشافي، لأنها غير صالحة لأن تكون منشآت صحية.

مواصفات يمنية
إن أي مستشفى يجب أن يكون إنشاؤه وفق عدد من المواصفات، أولها الموقع المناسب الذي يسهل الوصول إليه والبعيد عن ضجيج الحياة وصخبها، كما أن الموقع له مواصفات كثيرة، فمثلا حين أراد العالم والطبيب العربي المعروف أبو بكر الرازي بناء مستشفى في بغداد قام بوضع قطع متفرقة من اللحم النيئ في عدة مناطق من أنحاء المدينة، وأخذ يلاحظ سرعة تعفنها وفسادها في تلك الأماكن، وفي النهاية اختار المكان الذي تأخر فيه فساد اللحم، إذ اعتبره هو المكان المناسب لبناء المستشفى لأنه علم من بطء فساد اللحم أن هذا المكان يتميز بأنه أنقى هواءً من بقية الأماكن الأخرى.

«لا يكلف الله نفسا إلا وسعها»
نحن لا نطالب وزارة الصحة أن تطبق معايير الرازي أو تفرض استخدام طريقته المبتكرة للموافقة على إنشاء المستشفيات الخاصة، ولكن على الأقل تقوم بفرض بعض المواصفات المعمول بها في دول العالم، ومنها على سبيل المثال: مواصفات المبنى الذي يجب أن يكون مصمماً خصيصاً ليصبح مستشفى، ووفق تخطيط مسبق لمواقع الأقسام المختلفة التي سيتضمنها المستشفى.
أما ما هو حاصل فإن معظم المشافي الخاصة في بلادنا تقبع في مبان تفتقر إلى أبسط المواصفات المطلوبة، فأغلبها عبارة عن عمارة شاغرة أو نصف عمارة إذا كان رأس المال لا يسمح باستئجار كامل المبنى فـ»لا يكلف الله نفسا إلا وسعها»، ومن لم يستطع فعليه بطابقين أو حتى طابق واحد ليكون مستشفى، ومن لم يستطع فعليه بعدد من الدكاكين المتجاورة ولو كلفه ذلك دفع نقل قدم لأصحاب لوكندة لإخلائها، وذلك أضعف المستشفيات.

مواصفات وزارة الصحة
تصميم المبنى خارج حسابات وزارة الصحة، بل إن تقييمها السنوي للمستشفيات الخاصة يؤكد أن المبنى غير المناسب كمرفق صحي صالح ليكون مستشفى، كأن يكون نصفه جامعة أهلية ونصفه الآخر مستشفى، أو الطابق الأول مستشفى بينما الطابق الثاني مدرسة أهلية أو حتى فندق، كما أن الاهتمام بتجويد الخدمات الصحية التي تقدمها هذه المستشفيات ليس ضمن تقييم وزارة الصحة، فالمهم الخدمات الفندقية.

مستشفيات فندقية
أنعشت «حكومة فنادق الرياض» هذا القطاع في دول العدوان على حساب نظيره في اليمن، إذ تراجع الاستثمار الفندقي في اليمن بسبب «حكومة الفنادق»، وكثير من الفنادق أغلقت أبوابها وصارت تسكنها الأشباح، بينما أخرى صارت تسكنها الأرواح التي تدَّعي أنها ملائكة الرحمة، حيث كثير من المستشفيات الخاصة مصممة على طراز فندقي.

أول العلاج البتر
جرائم المستشفيات الخاصة أكثر من أن تحصى، فماضيها عبارة عن سلسلة متصلة من الكوارث وحاضرها يكشف راهناً مخيفاً للعبث بأعضاء وأرواح الناس، إذ تتوفر فيها كل الأخطاء والخطايا الطبية، والتي نذكر منها على سبيل الإشارة قصة الطفل عبدالوهاب مرعي ذي الست سنوات مع أحد المشافي الخاصة صاحبة الاسم والشهرة، والذى حاول مع سبق الإصرار والترصد بتر ساقه بعد أن قاده حظه العاثر إلى هذا المستشفى وهو يعاني من ورم في الساق سببه حقنة عضلية تم حقنها للطفل بطريقة خاطئة من قبل أحد أقاربه ممن يفتقدون الخبرة في طريقة حقن الإبر العضلية، وبالذات للأطفال.
الطفل عبدالوهاب تم حقنه بإبرة عضلية بطريقة عشوائية وخاطئة حيث أخطأت الإبرة العضلة المخصصة لحقن جرعة الدواء ليتم إفراغ محتويات الإبرة خارج المنطقة المخصصة للحقن، وهو ما نتج عنه مضاعفات تمثلت في حدوث تورم في تلك المنطقة ومن ثم انتقل الورم إلى منطقة الفخذ، الأمر الذي استدعى إسعاف الطفل إلى أحد مشافي صنعاء الخاصة ذات تصنيف الخمسة نجوم حسب تقييم وزارة الصحة الأخير.
في هذا المستشفى، الذي نتحفظ على ذكر اسمه، وبدلا من معالجة ساق الطفل، قام الأطباء باتخاذ قرار كارثي يقضي ببتر رجل الطفل عبدالوهاب، وهو ما لم تستوعبه أسرة الطفل، فظل والده يتردد على الأخصائيين في ذلك المستشفى لكي يبحثوا عن حل آخر باستثناء البتر، لكن كل جهوده كانت مجرد محاولات عبثية لإثنائهم عن قرارهم ببتر رجل طفله.

إجماع عربي ودولي
أخبروا والد الطفل أن قرار البتر هو محل إجماع محلي وعربي ودولي، فقد اجتمعت لجنة طبية متخصصة في المستشفى لدراسة حالة الطفل وخرجت بحل وحيد لإنقاذ الطفل وهو بتر رجله، وليس هذا فحسب، بل إن اللجنة قامت بمناقشة حالة الطفل مع لجنة طبية في كبرى المستشفيات السعودية، والتي هي الأخرى قررت البتر، كما تمت استشارة خبراء في أحد المستشفيات الأمريكية في بث مباشر عبر النت، وكل الاستشارات والمناقشات الخارجية أفضت في مجملها إلى البتر.
وهكذا تم إقناع أسرة الطفل، فاستسلم والده للأمر الواقع بعد أن تم إقناعه بضرورة بتر ساق الطفل بأسرع وقت ممكن لمنع انتشار السموم إلى بقية أعضاء الجسم.
والد الطفل تحدث لصحيفة «لا» قائلاً: «قاموا بإقناعي تماما بضرورة بتر ساق طفلي، ولكني لم أستطع استيعاب كيف سيغدو طفلي معاقا محروما من طفولته ومستقبله، هذه المشكلة كانت تؤرقني وكنت أحكيها لكل من يصادفني من أطباء وغيرهم بحثا عن بصيص أمل».
ويضيف: «لكن، ومن محاسن الصدف أني التقيت بطبيب مختص بالعلاج الطبيعي، والذي قرر أن يعاين حالة الطفل، وبعد أن قام بالمعاينة والفحص أخبرني أن حالة طفلي لا تحتاج إلى بتر، وإنما يمكن علاجها بالعلاج الطبيعي مع تدخل جراحي بسيط لشفط السموم وإزالة السوائل من العضلات».
ويستطرد والد الطفل: «نصحني هذا الطبيب أن أخرج الطفل من هذا المستشفى فوراً والذهاب به إلى أحد الأطباء الجراحين لتنظيف العضلات وإزالة السموم والسوائل منها، ومن ثم العودة به إلى عنده لمعالجته باستخدام العلاج الطبيعي، وبعد عدة تمارين وجلسات تدليك لمدة شهر تحسنت حالة الطفل الذي صار اليوم يلعب كرة، وساقه تعافت بشكل طبيعي».

سرقة نجاح الآخرين
غير أن القصة لم تنته هنا، إذ إن المستشفى الذي قرر سابقا بتر ساق الطفل، وحين عرف بتحسن حالته بالعلاج الطبيعي، حاول أن يسرق نجاحات الآخرين وقام بالتواصل مع والد الطفل، وطلب منه الموافقة على السماح له بنشر حالة الطفلة في إحدى المجلات الطبية الأمريكية.
يقول والد الطفل: «قلت لهم، أنتم لم تقوموا بشيء، وحاولتم بتر ساقه، ولن أسمح لكم بنشر حالته، لكن لو أن طبيب العلاج الطبيعي هو من طلب مني هذا الطلب فسأسمح له، لأنه هو من عالجه، فقالوا لي نحن نريد أن تدرس الحالة في الجامعات الطبية في الخارج، وحتى يستفيد منها الأطباء وفي مجالات الدراسات الطبية، ولكني رفضت تماما».
هذه حالة واحدة كتب لها النجاة من بين آلاف الحالات التي تحصدها سواطير المستشفيات الخاصة.

مريض رهين المستشفى
يحتجز مستشفى خاص في العاصمة صنعاء مريضا معاقا منذ أكثر من شهرين، بحجة عدم قدرة الأخير على دفع التكاليف الباهظة التي فرضها المستشفى عليه.
وقالت أسرة المريض أحمد محمد الخذري إن مستشفى «س. ي» يحتجز ابنهم في غرفة أشبه بزنزانة، ما أدى إلى مضاعفات نفسية ومحاولة ابنهم الانتحار أكثر من مرة، بسبب تقييدهم غير القانوني لحريته.
وأضافت أن ما يمارسه المستشفى من انتهاكات بحق ابنهم المعاق جراء إصابته بحادث سير، تمثل أبشع درجات الانتهاكات ضد الإنسانية، وأن تحول هذا المستشفى إلى سجن للمرضى يكشف عن جريمة متعددة الأوجه تتطلب تدخلا عاجلا وسريعا لإيقاف مثل هذه الانتهاكات السافرة ضد الإنسانية والمخالفة لكافة القوانين والأعراف.

مناشدة لوزير الصحة
وناشدت أسرة المريض الخذري وزير الصحة الدكتور طه المتوكل والمنظمات الحقوقية والإنسانية سرعة التدخل والنظر في وضعه الإنساني، وما يعانيه من تداعيات صحية ونفسية خطيرة جراء احتجازه من قبل إدارة المستشفى بصنعاء.
وأشارت إلى أن ابنهم المريض كان قد تعرض لخطأ طبي فادح في المستشفى ذاته إثر عملية جراحية أجريت له في منطقة الحوض.
وكشفت الأسرة أن لديها تقريراً طبياً من مكتب الصحة بالأمانة يؤكد تعرض المريض المحتجز للخطأ الطبي، إلا أن إدارة المستشفى لم تعر ذلك التقرير أي اهتمام، ولم تبال بصحته وحالته النفسية التي تفاقمت جراء الإهمال والحجز وتقييد حريته.

فاتورة فلكية
وأضافت الأسرة أنها دفعت 5 ملايين ريال للمستشفى، إلا أن إدارة المستشفى وضعت رقماً فلكياً في فاتورة المريض يصل إلى أكثر من 16 مليون ريال.
وقال مختصون في القانون إن احتجاز مستشفى «س. ي» للمريض أحمد الخذري، مخالف للقوانين والمبادئ الإنسانية، لأن أي إجراء سالب للحرية أو مقيد لها هو حق للدولة وأجهزتها الرسمية فقط، ولا يجوز لأي فرد أو مؤسسة ممارسة هذا الحق، وأن قيام المستشفى بحجز المريض يعد جنحة يعاقب عليها القانون باعتبارها نوعا من الاختطاف القسري.