استطلاع: يسرية الشرقي / لا ميديا -
زمان أيام أجدادنا كان رمضان هو بداية السنة الجديدة بالنسبة للمسلمين وكل الناس تتفاءل بقدومه، ومازلنا محافظين على هذا الحب والتفاؤل بقدوم شهر الحب والخير، لكن أجدادنا في الماضي كانوا متمسكين ببعض العادات والسنن التي أوشكت على الاندثار والتلاشي وسط زحمة الحياة وقسوتها.

ما بقي وما اندثر!
ولأنني مازلت أحب كل شيء كان يفعله أجدادنا قمت بزيارة إلى صنعاء القديمة وبعض المناطق التي مازالت تهتم بالطقوس الرمضانية البسيطة والجميلة والتي تحمل روح رمضان اليمنية الأصيلة.. وهناك سألت عن بعض العادات القديمة سواء في استقبال شهر رمضان المبارك أو حتى خلال أيام الشهر، وما الذي اندثر من هذه الطقوس في الوقت الحاضر؟! وكيف يعيش هذا الجيل أجواء رمضان؟! وما هي أهم الطقوس التي انتهت تماما؟! وما الذي مازال موجود حتى الوقت الحاضر؟! وما هي أهم الظواهر الجديدة والمستجدة على رمضان هذه السنة؟!

الأطفال روح رمضان
الحجة تقية حدثتني عن كيفية استقبال رمضان أيام زمان، إذ تقول: "كنا في الحارات القديمة نقوم بغسل حاراتنا قبل رمضان، استعدادا لاستقبال الشهر، وكأننا نستقبل زائراً حقيقياً يتغلغل في حارات وأزقة المدينة وتفوح رائحته من بين ثنايا البيوت والحارات.
وتضيف الحجة تقية: "زمان يا بنتي كان الأطفال هم روح رمضان، فمن قبل رمضان بعشرة أيام كانوا يلفون على البيوت ويكبرون ويهللون، وكنا نرى الناس ونشعر في وجوههم السعادة والفرح وكأنهم رزقوا بمولود جديد بعد طول انتظار.

شهر للأكل لا الصيام
أما الحاج أحمد فيصف رمضان زمان بالقول: "ما كان أحد يجوع في رمضان، ولا تسمعين عن بيت من بيوتنا ينقصه شيء، والذي معه قرش يقسمه مع جاره أو مع أخيه، وكانت الحياة بسيطة تمرة وماء وإنه "سبر رمضان" وكتب الله الأجر.
ويضيف: "أما رمضان هذه الأيام فهو شهر الأكل، لم يعد شهر الصيام والقيام، الناس لم يعودوا يتناصحون على الحسنات والصلوات، بل كل واحد يسأل الثاني عما اشتراه لرمضان؟! كم شوايل أكل؟! وليت والله وفي نفس للأكل، نصف الأكل يُرمى للقمامة، ولا أحد يسأل عن جاره أو صاحبه، والنفوس قدهي ضيقة، لا تسمعيهم غير الملاعنة والسباب، ما عاد ينقص إلا أن يأكلوا ويشربوا".

تصوير الموائد أهم من الدعاء
رشاد (طالب في قسم التربية الإسلامية ـ جامعة صنعاء)، يقول: "ابتعدنا عن السنن المحببة في رمضان، وأهمها الدعاء قبل الإفطار، فتجد الناس وقت الإفطار مهتمين بتصوير الموائد والانشغال بالهواتف المحمولة، ناسين أو متناسين فضل الدعاء والاستغفار في ذلك الوقت المبارك، إضافة إلى أن هناك العديد من السنن التي غفل عنها الناس ولم يعد هناك من يعمل بها إلا من رحم ربي".

أجواء رمضان في صوت المسحراتي
أما سمير من أبناء محافظة المحويت فيقول: "في طفولتي أتذكر في رمضان صوت المسحراتي أو المُسحر، والذي كانوا يسمونه أبو طبلة، وغيره من الأسماء المختلفة، وكان يصحي الناس على السحور، وكان سماع صوته يشعرنا بأجواء رمضان، لكن هذه الأيام اختفى ولم يعد موجودا، فلم نعد نسمع عنه إلا في بعض القرى البعيدة، ولكن بشكل آخر غير ما كنا نسمع عنه زمان”.

خفوت الروحانية
من جهته، أبو إلياس يشير إلى أنه لم يعد يشعر بأجواء رمضان وبخاصة الروحانية منها في الوقت الحاضر، يقول: "بالنسبة لي ـ للأسف ـ لم أعد أشعر برمضان في الكثير من التفاصيل، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، فأهم ميزة كانت في رمضان هي الأجواء الروحانية والصيام الحقيقي بعيدا عن مسألة الجوع والعطش، وهذه الميزة لم تعد حاضرة”.
ويضيف: "دائماً وقبل أذان المغرب بساعة أو ساعتين نسمع الشتائم في كل مكان وفي كل شارع، بل من طاقة لطاقة على مستوى البيوت المتجاورة، وكأن الناس مجبرون على الصيام، وكل واحد يصب غضبه وحنقه على الآخر، متناسين أجر الصيام وبركته”.

شياطين الإنس!
ويعتبر أبو إلياس أن أمثال هؤلاء يمكن أن نسميهم شياطين الإنس الذين يحرمون أنفسهم أجر صيام شهر رمضان.
ويستطرد: الصيام هدفه تهذيب النفس والسمو بها والترفع عن الانفعالات والغضب، لكن ما نجده أن كل شخص صائم لو جئت تكلمه يقول لك: "روح لك من قدامي أنا صائم"، وكأنه الصائم الوحيد ويجب أن يراعي الجميع أنه صائم، بدلاً من أن يتحكم بانفعالاته، ويهذب سلوكياته في التعامل مع الآخرين، نجده يخرج أسوأ ما فيه!
أما بالنسبة لعادات استقبال رمضان، فقد ظهرت هذه السنة ظاهرة جديدة، وتتمثل هذه الظاهرة بانتشار عملية تزيين البيوت بفوانيس رمضان، وإن كانت هذه الظاهرة جيدة في الحقيقة، إلا أنها كانت بشكل مبالغ فيه وأصبحت تحمل بعض الناس أكثر من طاقته، وكل شيء إذا زاد عن حده يصبح مبالغة وتحميلاً للنفس ما لا طاقة لها به.